أصبح الفساد في العراق خصما خطيرا لايمكن السكوت عنه ولا التغاضي عن إشكالاته لأنه بات يهدد وجود الدولة العراقية برمتها وليس العملية السياسية وحسب واعتقد أن السكوت عن هذا الأمر أو البقاء بهذا الحال من التصرف سيكون له اثر خطير لا يمكن تلافيه بأي شكل من الأشكال فلم يعد هناك عذر يمكن أن يقف حائلا أمام محاسبة الفساد بجرأة وقوة وليس هناك من حاجز يمنعنا من إعلان اكبر حرب لمكافحة اكبر فساد يشهده التاريخ فساد جعل ديمقراطيتنا الوليدة أضحوكة للآخرين أولئك الذين يترقبون الفشل بأحر من الجمر فجعلوا من الفساد الشماعة التي يعلقون عليها كل حقدهم وعدائهم بحيث لايمكن لمدافع أن يدافع وبالذات الكتاب والمثقفين الذين يؤيدون النهج الديمقراطي ويرونه السبيل الأفضل للحياة فكيف يستطيع هؤلاء أن يبرروا هذه التجاوزات الخطيرة وهذا الانهيار الأخلاقي الكبير بل وهذه المصادرة لحقوق البلاد والعباد وهذا النهب الهائل الذي لا مثيل له والذي بلغ بحسب إحدى التقارير الصحفية الأجنبية إلى أكثر من مئة مليار دولار أي بقدر ميزانية العراق لسنتين وإذا علمنا أن التقرير يتناول فترة الخمس سنوات الأخيرة فقط لهالنا ما يحصل لان هذا معناه أن الفساد طال مايزيد على أربعون بالمائة من مجموع ميزانيات العراق للخمس سنوات الماضية هذا إذا تغافلنا عن الصرف الباذخ فيما يتعلق برواتب ومخصصات النخب الحكومية والبرلمانية والتي مثلت بحسب المقارنات المعروفة الأعلى من نوعها في العالم ليس مقارنة برواتب الموظفين في البلد نفسه بل وبالمقارنة مع رواتب نظرائهم في مختلف أنحاء العالم ورواتب البرلمانيين والحكوميين السابقين هذا الأمر يدعونا إلى اختيار النهج الأصلح لمواجهة هذا الأمر ولا اعتقد أن هناك ما هو أفضل من المواجهة الشاملة حرب وطنية عارمة ضد الفساد حرب تجيش فيها كل الطاقات وتستخدم فيها كل الأسلحة الدينية من خلال الفتاوى والتثقيف المنبري والأكاديمية من خلال التوعية والتثقيف المدرسي والاجتماعية من خلال النبذ والتسقيط العشائري والقانونية من خلال رفع كل القيود عن المحاسبة القضائية التي يجب أن تشمل الجميع بدون استثناء و الإعلامية التي يجب أن تحرر من كل ما يعرقل ممارستها لهذا الواجب الوطني الكبير وبالتالي يجب أن تستنفر كل الجهود من اجل إنجاح هذه المواجهة الوطنية لكي تحقق غرضها المنشود واعتقد أن أي تهاون أو تأجيل لهذه المعركة لايسبب خسائر إضافية وحسب بل قد تضعنا أمام قراءة خاطئة للمسار السياسي قراءة لايمكن لنا تجاهلها إلا بوضع رأسنا بالرمال إذ لايمكن تبرير هذا الفساد ولا تصاعده المستمر بأي سبيل أو وسيلة بل ستكون العملية كلها مجرد تغييب للحقائق وإغماض العين عن الأخطاء التي باتت مكشوفة انكشاف الشمس في وضح النهار لكن الأوان لم يفت بعد لوقفة وطنية حقيقية مثلما حصل بوقفتنا ضد الإرهاب وقفة يقف بها الجميع وقفة رجل واحد لوقف هذا البركان الخطير قبل أن يدمر بحممه كل شيء ووقفتنا هذه تنبع من ضرورة أن يكون لنا موقف واضح من هذا الأمر الجلل وضرورة أن نبرز براءتنا منه ومن مهادنته أو الاستسلام له هذا ناهيك عن حاجتنا لهذا الموقف من اجل سلامة عمليتنا السياسية وسلامة نهجنا الديمقراطي ومن اجل أن نبرز نزاهتنا وننظف سمعتنا مما قد يطالها من لوم واتهام ليس من المناهضين الذين يبحثون عن الأخطاء وحسب بل ومن المؤيدين أيضا الذين لا نستطيع أن نظمن ولائهم على طول الخط فالسبيل الوحيد لجعل الديمقراطية ناجحة وتتحرك دون وجل يكمن في النزاهة والمصداقية التي لولا الأمل بوجودهما لأصبحت كل جهودنا في خبر كان فحي على مكافحة الفساد ولنبذل في سبيل ذلك كل ما نستطيع من جهود لان في ذلك حياتنا.

باسم محمد حبيب