منذ أن وضعت الحرب أوزارها في عام 1948م والمخازي تتوالى وتتعاقب مع الهزائم التي أنتجتها الأنظمة العربية الدكتاتورية على أيدي قادتها وأبطالها المصنوعين في دوائر إعلام القادة المنافقين والانتهازيين وملمعي الجوخات* من التدليسيين عبر أكثر من قرن من الزمان يوم تولوا قيادة هذه الشعوب والبلدان وعاثوا في الأرض والناس فسادا وعدوان.


ولعلنا نتذكر واحدة من تلك المخازي حينما أشاعت أجهزة الاستخبارات ووسائل الأعلام الساذجة آنذاك بان مجموعة من جنود الجيش العراقي سلقت جنديا إسرائيليا قرب تل أبيب، ليتم أكله فيما بعد (!) أثناء حرب 1948م التي التهمت فلسطين وكشفت عورات الأنظمة العربية التي تدق طبول الحرب والجهاد منذ ستين عاما وتنتصر في كل حرب لتكرس رؤساء منقذين للأمة يتناوبون على هزائمها كل حقبة من الزمان.


تلك الهزيمة التي أنتجت جمهوريات الانقلابات وولدت دكتاتوريات الهزائم التي مازالت تتوالد حتى يومنا هذا لتفرخ أحدث هزيمة في غزة الذبيحة تحت شعارات كاذبة ومجاميع من السياسيين المسعورين بدكتاتورية الكراسي وإمارات العشائر والأحزاب القائدة.
ومن ثم لتحيل فلسطين من بلد واحد ابتلعته الخباثة البريطانية واللؤم الإسرائيلي والخيانة العربية إلى أكثر من عشرين بلدا داخل فلسطين وخارجها في تشتيت مقاومته وتحويلها إلى دويلات تابعة إلى الأنظمة العربية صاحبة إمبراطوريات العشائر المنتشرة على ضفاف المحيط والخليج وصاحبة المال والنعمة وقرار التحرير ونطق اللاءات الثلاث سواء من الخرطوم أو من مكان آخر؟.


إنها سلسلة من الهزائم والانكسارات تنتج بالتوالي دكتاتوريات تتولى صناعة أمجادها على مئات الآلاف من القتلى ومثلهم من المعاقين، وهزائما تحولها ماكينات الإعلام اللا أخلاقي إلى انتصارات للأمة والتاريخ، وكلنا يتذكر تلك الهزائم من ثغرة الدفرسوار إلى أم المعارك الصدامية وما أعقبها من انهيارات وتدمير كلي للعراق وقبله مصر وسوريا وبعدهم لبنان المنكوب هو الآخر بطرزانيات الخطف والمساومة لتحرير الأرض من البحر إلى النهر بأكاذيب وهرطقات لا أساس لها إلا في أذهان أولئك النرجسيون الذين يدمرون شعوبنا.


حقا إنها سلسلة من مخازي الدكتاتوريات التي أنتجت كل هزائم هذه الأمة منذ حرب 1948م وحتى ذبح غزة والمتاجرة بدماء أبنائها البررة الذين تحرقهم وتجز رؤوسهم ماكينة الحرب الإسرائيلية والتي حولتهم حماس إلى طعم رخيص وسهل لتلك الماكينة كما فعل قبلهم حسن نصر الله بشعب لبنان الأصيل وكما فعل صدام حسين ببلد الحضارات والخيرات وأحاله وشعبه إلى ارض جدباء ودمار شامل وشتات.


إنهم الكذابون عبر التاريخ منذ تولوا أمور هذه الشعوب وهم في حرب دائمة مع أعداء مفترضين وهزائم تتوالى ونياشين تعلق على صدور جنرالات من ورق وانتصارات إعلامية ومن بعدها تخاذل وانكسار وتبويس اللحى والأيادي للحفاظ على الكراسي، إلا اللهم تلك الانتصارات على شعوبهم ومكونات بلدانهم كما حصل في مجازر بيروت وحلبجة والأنفال وحماه أبان عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.


بلدان وشعوب تدفع فاتورة تلك الحماقات والأكاذيب وتجارة الحروب على أيدي مجموعة من الدكتاتوريات منذ أكثر من ستين عاما واقتصادياتها من اضعف الاقتصاديات في المنطقة وأوضاعها الاجتماعية تتقهقر وتنتشر بين سكانها أعلى مستويات الأمية والتخلف والبطالة وهشاشة بنيانها أمام اقل أزمة أو كارثة نتيجة استهلاك معظم قواها المادية والمعنوية في حروب عشوائية لا هدف لها إلا الإبقاء على تلك الأنظمة البوليسية ورؤسائها، ولعلنا نتذكر بألم كل حروب هذه الأنظمة مع إسرائيل ومن ثم مع بعضها البعض أو مع شعوبها وجيرانها وما أنتجته من مآسي وتقهقر وتشويه لكثير من المفاهيم الوطنية بل وقتل الشعور بالمواطنة والانتماء وترك شعوبها تواجه مصيرها في حروب غير متكافئة في العدة والعلم والمدد مع عدو طاغي وظالم ومستكبر.

* مثل بغدادي يطلق على المنافقين الذين يمسحون ويلمعون أكتاف مسؤوليهم.

كفاح محمود كريم

[email protected]