ما لشيوخ الإسلام مصابون هذه الأيام بقلة الحيلة، وعدم الإدراك، وهم الذين دأبوا على طرح أنفسهم كـquot;علماءquot; كبار ( يعني مثل داروين، واديسون، وديكارت وإينشتاين بالضبط) لا يشق لهم غبارويفتون ويتحدثون بكل شيء بدءً من فقه الحيض والنكاح، وأصول تفخيذ الرضيعات، وزواج المسيار وأبواب الجماع، وليس انتهاءً باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى، والانحباس الحراري، والهندسة الوراثية، وعلوم الذرة والفيزياء التطبيقية والفضاء؟ فقد صرح، مثلاً، الشيخ الزنداني ذات مرة للجزيرة بأنه اكتشف دواء ناجعاً لداء السرطان، والعياذ بالله، وحتى اليوم لم يتبين لنا أي شيء من أمر هذا الفتح العلمي الخارق المبين. والعدوى ذاتها انتقلت إلى الشيخ الجليل سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، الذي أعلن عدم معرفته بمن يصافح في مؤتمر نيويورك للأديان، حين جوبه بعاصفة من الاحتجاجات الشعبية والرسمية العنيفة بسبب تلك المصافحة الشهيرة مع مجرم الحرب الدولي المعروف شيمون بيريز الذي سجلت باسمه عدة براءات اختراع بمجازر من صنع يديه، ومع ذلك يستقبل استقبال الفاتحين الأبطال في بلاطات سادتنا أولي الأمر الأعراب.


غير أن شيخنا الجليل الدكتور والعالم الفهيم يوسف القرضاوي أبدى، هو الآخر، أيضاً، وعقب التطورات الدموية الأخيرة عدم إدراك، بأبسط الألاعيب الدبلوماسية، وطبيعة الصراعات وتشابك المصالح وتنوعها بين السياسة والاقتصاد ناهيكم عن عدم فهم وتبصر لشبكة التحالفات القائمة ومعرفة بكل الحسابات والاعتبارات في المنطقة وحقيقة الألعاب النارية والعسكرية الجارية اليوم على الساح المضرمة بغير سعير. فقد عبر عن حزنه هذه الأيام، ومكتئب لأن مصر مبارك، أدام الله ظله، رفضت استقباله مع ما يسمى بوفد اتحاد العلماء المسلمين الذي جاب، معتقداً أن له حظوة وسطوة، العديد من عواصم المنطقة شملت تركيا وسوريا والأردن والسعودية ولم تتوج، وكل الحمد والشكر لله، بلقاء مبارك في مصر والحمد لله، لأن خيبة القرضاوي، من مواطنه، عند ذلك ستكون أكبر وأمر، لو علم بنية الرئيس، وسمع ما في قلبه عن الوضع بكل صراحة ودون لبس ومواربة، وطبيعة الدور الموكل لمصر في المذبحة، ومدى المشاركة فيه، أو ربما التورط عبر فرض حصار جائر وغاشم على شعب غزة المسكين.

ولا أدري إذا كان الشيخ الجليل غير متابع للأخبار، والتطورات السياسية والاجتماعات واللقاءات الساخنة ذات الطبيعة المثيرة التي جرت قبيل العدوان الأخير وكانت بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية والوزير أبو الغيط، وكيف هددت تلك الفاتنة الحسناء، ومن على منبر وطني مصري بسحق حماس، وكانت بمثابة إعلان بدء الهجوم، والضوء الأخضر للمجلس الأمني الإسرائيلي المصغر لبدء العمليات العسكرية ومباركة من مبارك للهجوم المتوقع. فإلى أين أنت ذاهب يا حضرة الشيخ الجليل؟ وأنا شخصيا كنت سأحزن، أيضاً، وquot;أزعلquot; جداً من الرئيس مبارك، وبشكل غير مباشر لو قام باستقبال القرضاوي والوفد المرافق له من اتحاد علماء المسلمين، لأنه كان سيعني خيبة أمل كبيرة لهم ولجهودهم، وجلاءً لانعدام أي تأثير وحظوة لهم عند أولي الأمر ما داموا تحت أمرتهم ووصايتهم. وكنت سأعتبر ذلك كإحراج شخصي للوفد، وليس لمبارك، كلا وحاشى لله. وكان سينظر للموضوع كما لو أنه تنازلاً وتحولاً مثيراً في سياسات مصر من مجمل الملفات الساخنة. تحول وتنازل نربأ، جميعاً، بالشقيقة الكبرى أن تقوم به، أو تقع فيه على الإطلاق في عهد الأسرة المباركية الأولى، لأن ذلك سيشكل انقلاباً في ميزان القوى والتوازنات القائمة ولغير صالح إسرائيل، وهذه من الكبائر السياسية والاستراتيجية الكبرى، على غرار الكبائر الفقهية الكبرى. لا شك بأن الشيخ الجليل قد أخطأ العنوان، هذه المرة، فليس هذا هو المكان المقصود لمثل هذه الزيارات والوساطات.

وإنه لمن باب السذاجة أن يعتقد الشيخ الجليل بأنه سيلقى أية آذان صاغية عند سيادة quot;الريسquot;، أو أنه بمجرد الإعلان عن مبادرته ووساطته التي يبدو أن أحداً لم يقبضها، ستفتح المعابر، وتتدفق المؤن، وتنتصر مصر لنصرة شعب غزة المحاصر، وتستنفر الجيوش تلبية لزيارته، فالأمور حتما ليست بتلك البساطة، أوعلى هذه الشاكلة. وإذا كان للشيخ والوفد المرافق من أي تأثير وسطوة على البسطاء، والمساكين والآلاف من أتباعه في مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة، حيث يلقي خطبه النارية من هناك، فبالتأكيد قد لا يتعدى تأثيره المعنوي والسياسي هذا المكان، وليس له من quot;نصيبquot; أو قدرة على إحداث أي تأثير في بلاطات الزعماء وخلفاء الله في الأرض اليباب التي يحكونها بتفويض وصك مقدس من السماء.

لا ننكر، بالطبع، تبحـّر الشيخ، وإلمامه الواسع، وعلمه الغزير بالأمور الفقهية والدينية، ولكن هذا قد لا ينسحب على مجالات أخرى في الحياة، وليس بكاف لوحده لكي يشكل أية أدوات ضغط فاعلة ومؤثرة، وعلى صعد أخرى، هي أعقد بكثير مما في ذهن الشيخ الجليل من فهم مبسط وحلول جاهزة، تعوّد عليها، لكل شيء. ويظهر لنا هذا الفشل الدبلوماسي المريع للوفد الفقهي مدى عدم قدرته على التأثير ولو بمثقال ذرة بالصراع الدائر أو أن يحظى بمجرد تشريف ولقاء من مبارك الأول، وبأن الشيوخ على درجة من الجهل المطبق والكبير بشؤون الحياة الأخرى لدرجة فظيعة، وعلى عكس ما يحاولون إيحاءه، وإظهاره لمجاميع الغلابة والمساكين ودراويش المؤمنين. وهم في أحايين كثيرة، وأمام زخم وعنف الأحداث، غير قادرين على فعل أي شيء، اللهم باستثناء رفع اليدين باتجاه السماء وطلب الدعاء، وما لذلك من أثر حقيقي وفعلي، حقاً، في تخدير وتنويم الحالمين والنائمين الشاخرين.

نضال نعيسة
[email protected]