ما يحدث الآن فى غزة الصامدة المجاهدة الشامخة الأبية، وتحملها للعدوان الصهيونى الصليبى - الذى بدء فى 27 ديسمبر 2008م والذى راح ضحيته حتى كتابة هذه السطور ما يقارب ألف شهيد وأربعة آلاف جريح فى حالة خطرة -، واستبسالها فى مقاومة هذا العدوان الصهيونى الصليبى الغشوم، هو إحدى ملاحم البطولة والمقاومة التى يعجز التاريخ عن وصفها.


صمود عجيب ونصر إلهى:
صمود أهل غزة أمام أقوى جيش فى العالم مزوّد بأحدث أسلحة الفتك والقتل وسفك الدماء ( الجيش الصهيونى ما هو إلا الجيش الأمريكى والأسلحة الصهيوينة هى أسلحة أمريكية لذا فمن المغالطة أن يقول البعض أن الجيش الصهيونى أقوى رابع جيش فى العالم )، ورغم هذا كله فإن الجيش الصهيونى لا يستطيع إلا أن يقتل الأطفال والنساء والشيوخ من أجل العجز والفشل والخيبة..
لكن من أين يأتى أهل غزة بهذه القوة الخارقة؟؟ من أين تأتيهم هذه القدرة على الصمود والشجاعة؟؟ كيف يذل أبطال المقاومة الجيش الصهيونى برغم قتل الصهاينة عشرات الأطفال والنساء والشيوخ كل يوم تشرق فيه الشمس؟


يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ quot; ( الأنفال : 9 ).
لعلنا جميعاً نشاهد كل يوم الاستغاثات التى تطلقها النساء عبر الفضائيات : يا الله.. يارب.. وكذا ما يقوله أى طفل فقد عائلته كلها: لم يبق لى سوى الله.. فكان لزماً على الله أن يلبى نداء من يستغيث به.
وعن سر هذا الثبات العجيب يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ quot; ( الأنفال : 12 ).
وهذه الآية الكريمة هى ما توضح لنا رعب الصهاينة القتلة وعجزهم عن مواصلة القتال البرى، وأيضاً تمكن الأبطال فى غزة من رقاب القتلة الصهاينة.وإشارة الحق سبحانه وتعالى إلى ضرورة ضرب بنان القتلة لتعجيزهم عن حمل السلاح الذى يقتلون به الأطفال والنساء والشيوخ.


لماذا تختار المقاومة الاستشهاد فى سبيل الله؟؟ لماذا يصمد أبطال المقاومة؟؟ لماذا يستبسل الأشقاء فى غزة فى الدفاع عن بلدهم؟؟ :
يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ quot; ( الأنفال : 15 ndash; 16 ).


تحذير شديد من رب العالمين إلى المجاهدين فى كل مكان وزمان ومنذ غزوة بدر الكبرى : quot; لا تولوهم الأدبار quot;.. لا تهربوا.. اصمدوا ورابطوا.. من يعصى هذه الأوامر سيبوء بغضب من الله.. ونعوذ بالله من غضب الله. واستثنى الحق سبحانه وتعالى المتحرف لقتال أى الذى يفر بوجهه كيداً للأعداء ليوقع بهم أو المتحيز إلى فئة من المؤمنين لينصرها.. ما عدا ذلك فإن غضب الله سيحل على من يولى الأدبار ومأواه جهنم وبئس المصير.


الصواريخ العبثية.. كيف تذل كيان الصهاينة وتلقى فى قلوب الصهاينة الرعب؟ :
من السذاجة أن نعتقد أن تلك الصواريخ البسيطة - التى يسميها المرجفون فى فلسطين quot; صواريخ عبثية quot; ndash; وفعاليتها فى إرعاب الصهاينة، التى تصل إلى المدن العربية التى يحتلها الكيان الصهيونى.. من السذاجة الاعتقاد بأنها تؤتى أكلها نتيجة خبرة ومهارة أبطال المقاومة.. ولكنها تؤتى أكلها نتيجة المدد الإلهى :
quot; فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ quot; ( الأنفال : 17 ).


لكن من المسئول عن تبديد الإرهاب الصهيونى وتعجيزه أمام المقاومة؟:
quot; ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ quot; ( الأنفال : 18 ).
كيف ترى المقاومة الجيش الصهيونى؟:
يجلس خبراء الحروب يتحدثون عن قدرات الجيش الصهيونى وقوته، لكنهم لا يفسرون لنا سبب فشل الصهاينة أمام المقاومة..
quot; إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ quot; ( الأنفال : 43 ndash; 44 )
أى تذكر يا محمد عندما أراك الله أعداءك قلة أثناء نومك.. وعندما أخبر الرسول الأعظم أصحابه بما رأى قويت شوكتهم رغم أنهم هم القلة الضعيفة.. واعلم يا محمد أن الله لو أراك عدوك كثيرا لخاف أصحابك وفروا من القتال quot; ولفشلتم quot; أى لفشل أصحابك واختلفوا فى القتال.. ولكن الله سلم ولم تفشلوا أو تتنازعوا.. إنه عليم بذات الصدور.. وطبيعة النفس البشرية وخوفها من الكثرة العددية.. وعندما يلتقى الرسول الأعظم وصحابته فى اليقظة وفى أرض المعركة مع الكفار.. يرى الرسول وصحابته الكفار قليلا.. حتى يحقق الله النصر للمسلمين..


نصيحة إلهية :
quot; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ quot; ( الأنفال : 45 ndash; 47 ).
ضرورة إعداد القوة لمواجهة الكفار وحماية أهلنا وديارنا :
quot; وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ quot; ( الأنفال : 60 ).


كيف يكون السلم مع الأعداء؟:
السلام عبارة نسمعها كثيراً دون أن ندرى ما هو هذا السلام المقصود؟ فكثيراً ما نرى بلادنا العربية والإسلامية تُحتل وتُغتصب ثم نجد من يقول quot; السلام quot; ويدعو للتخاذل والقبول بالاحتلال والأمر الواقع..
يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ quot; ( الأنفال : 60 ).
أى وإن جنحوا للسلم.. لما فيه مصلحتكم.. لما فيه نفع لكم.. لكن بالله خبرونى أى نفع فى اتفاقية بين حماس والكيان الصهيونى تقنن الحصار والاحتلال.. وتقنن حرمان أهل غزة من الماء والدواء والغذاء؟؟ أى سلام يدعو لاستمرار احتلال فلسطين؟؟ أى سلام يدعو أن تظل تل أبيب مغتصبة؟؟ أى سلام يسمح للصهاينة باغتصاب أرضنا العربية الإسلامية وتهجير أهلها وقتلهم وتعذيبهم؟؟
إن السلام المقصود فى قول الحق سبحانه وتعالى.. هو سلام المنتصر.. هو سلام الجنوح للسلم بعدما نستعيد أراضينا وديارنا.. بعدما نتمكن من عدونا القاتل المجرم ونذله.. ونعفو عنه بإرادتنا.. فإن أراد أن يعيش بجوارنا وفى حمايتنا أهلا وسهلا.. وإن أراد الخروج على السلام فليس له إلا ما يستحق.. الآية الكريمة جاءت بعد الآية التى تحثنا على إعداد القوة، وهذا يدل على أن السلام المقصود هو سلام الأقوياء لا سلام الأذلاء..


نعم نقبل بوجود يهود فى فلسطين، ولكننا لا نقبل بوجود هذا الكيان الصهيونى الممسوخ، الذى أقامته الصليبية العالمية حقداً على الإسلام والمسلمين..


الدفاع عن النفس وحتيمة النصر الإلهى:
يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ quot; ( الأنفال : 65 ndash; 66 ).
يا أيها النبى.. يا محمد حرّض المؤمنين على القتال.. ndash; لا حظ أنه لم يقل حرضهم على القتل ndash; حرّضهم على القتال.. حرّضهم على الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأطفالهم ونسائهم وأموالهم.. حرضهم على استعادة عزتهم وكرامتهم.. ثم يوجه الحق سبحانه وتعالى خطابه للمؤمنين.. إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين.. وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا.. أى ستغلبون عشرة أمثال مهما كان عددكم.. حسناً.. تحتاجون لعون ومدد.. ترون أن القلة بحاجة إلى كثرة.. فالآن قد خفف الله عنكم.. فبدلاً من أن يكون مقابل مائتين من الكفار عشرة من المؤمنين.. صار النصر يستلزم مائة من المؤمنين مقابل المائتين.. وبدلاً من المائة مقابل الألفين صار النصر يستلزم ألفاً من المؤمنين ليشدوا من أزر بعضهم.


خريطة الجهاد:
يحدد رب العالمين للمؤمنين الخط الذى يسيرون عليه فى الجهاد وكيف يحاربون الكفار الذين لا عهد لهم وينقلبون على الهدنة.. الكفار الذين قتلوا الأطفال والنساء والشيوخ:
quot; فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ quot; ( التوبة : 5 ).
اقتلوا المشركين.. نعم اقتلوهم مثلما قتلوا الآلاف منكم.. اقتلوا هؤلاء الفجار الذين يطربون لسفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ.. اقتلوهم.. وأسروا منهم واحبسوهم.. وتربصوا بهم فى كل مكان.. فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاتركوهم.. فالله غفور رحيم يغفر لمن تاب توبة نصوحا.


quot; كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ quot; ( التوبة : 8 ).
استفهام يوضح غدر الكفار وعدم ثباتهم على العهد والإلتزام بالاتفاقيات.. كيف؟ وهم الذين إن تمكنوا منكم لن يرحموكم أبداً.. يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم.. وأكثرهم فاسقون..


تحريض للمؤمنين للدفاع عن النفس:
دائماً ما يكون رد فعل أى مسلم رداً على عدوان وقتال الكفار.. الكفار يتميزون بالغدر وسوء النية، لذلك كانت آيات القرآن الكريم تذكر كل مؤمن بماضى الكفار وطبيعتهم وتعاملاتهم :
quot; وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ quot; ( التوبة : 12 ndash; 13 ).
قاتلوا هؤلاء الكفار الذين نقضوا العهود والمواثيق.. إنهم لا أمان لهم لنقضهم العهود والمواثيق.. قاتلوهم لعلهم يرجعوا عنكم ويكفوا أذاهم عن إسلامكم و أطفالكم ونسائكم.. وتذكروا كيف نقضوا العهود وحاولوا إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة.. أتخشونهم؟ أتخافون من هؤلاء الكفار.. الله وحده فقط هو أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.


انتصروا للمظلومين والأرامل والأيتام:
quot; قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ quot; ( التوبة : 14 ndash; 15 ).


فى الجهاد تنكشف الحقائق:
المحنة التى يتعرض لها أهل غزة الآن كشفت حقيقة أهل النفاق الذين يطعنون فى المقاومة وفى حركة حماس وفضحت من كان يدعى البطولة والكفاح.. وهذا ما تحدثت عنه الآية الكريمة :quot; أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ quot; ( التوبة : 16 )
أى حسبتم أن تتركوا دون أى اختبار وبلاء وامتحان؟! ولما يظهر المجاهد من المنافق؟ والمقصود بقوله تعالى quot; ولمّا يعلم الله... quot; ليس العلم الغيبى.. فهو سبحانه وتعالى يعلم كل ذلك سلفاً، ولكنه يظهر حقيقة الناس ليجازيهم على أعمالهم.. حتى لا يدعى مدع أنه لو تُرك يعمل فى الدنيا لكان زعيم المجاهدين! فها أنت فى الدنيا فماذا فعلت؟؟ فالمسألة هنا لإقامة الحجة على الجميع.. لتمييز الخبيث من الطيب.. ليعلم الذين جاهدوا ولم يتخذوا بطانة من الكفار quot; وليجة quot; من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين..


التذكير بالنصر وتثبيت الله للمؤمنين:
quot; لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ quot; ( التوبة : 25 ndash; 26 ).


الدرس المستفاد من هذه الآية الكريمة هو نبذ الغرور والتعالى، والإعجاب بالكثرة العددية.. فهذا كله لا يغنى من الله شيئاً.. الأهم هو الثبات والإيمان.. يذكر الحق سبحانه وتعالى عباده بما حدث يوم حنين، عندما قال المسلمون : لن نغلب اليوم من قلة.. فلم تغنى هذه الكثرة العددية أى شئ وضاقت الأرض بما رحبت على المسلمين ثم فروا منهزمين.. وهذا يعنى أن النصر من عند الله لا بالكثرة العددية..


لذلك ليس من العجيب أن نرى المجاهدين فى غزة برغم قلتهم العددية يمرغون أنوف عصابات أقوى جيوش العالم فى التراب..
لقد فر غالبية الذين حضروا يوم حنين.. وبقى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.. بقى الشجاع العظيم.. بقى البطل المقدام..

حاصره الكفار، وهو يصيح فيهم من فوق فرسه:
أنا النبى لا كذب أنا ابن عبدالمطلب
فأخذ قبضة من التراب فرمى بها فى وجوه المشركين وقال : شاهت الوجوه ففروا.. فما بقى أحد إلا ويمسح القذى عن عينيه.. نزلت السكينة الإلهية على رسول الله والمؤمنين. وأرسل الله ملائكته الكرام.. وعذّب الكفار.. وهذا هو الجزاء الوفاق..
دفع أذى الكفار لنشر الأمن ولأمان فى المجتمع:
quot; قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ quot; ( التوبة : 29 ).
قاتلوا هؤلاء الكفار من يهود وعباد صليب.. قاتلوهم مثلما يفعلون فيكم.. قاتلوهم مثلما رملّوا النساء ويتموا الأطفال.. قاتلوهم مثلما يلقون فوق رؤوسكم بالقنابل الفسفورية والعنقودية والكيماوية.. قاتلوهم وادفعوا آذاهم.. قاتلوهم دون هوادة حتى يستسلموا لكم ويعطوا الجزية وهم أذلاء يعترفون لكم بفضل حمايتهم والتعايش معهم.. قاتلوهم فهم حقراء لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون بالإسلام.. الزنا عندهم شريعة.. الفجور لديهم فضيلة.. سفك الدماء فى حكمهم صلاة.. قاتلوهم حتى ينتهوا عن إجرامهم وطغيانهم..


قدرة الله على كل شئ وحتمية النصر للمؤمنين:
يقول الحق سبحانه وتعالى : quot; وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا quot; ( الأحزاب : 25 ndash; 27 ).
ردّ الله الأحزاب الذين اجتمعوا على غزو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رد الله الأحزاب خائبين خاسرين منهزمين.. ردهم بغيظهم وسخطهم.. لم ينالوا خيراً لا فى الدنيا ولا الآخرة.. وكفى الله المؤمنين القتال.. أرسل سبحانه وتعالى ملائكته والريح العاصفة حتى فرت الأحزاب منهزمة.. وكان الله قويا عزيزاً.. قادراً على كل شئ.. وأنزل يهود بنى قريظة من الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتحالفوا مع الكفار، أنزلهم من حصونهم وقلاعهم التى احتموا فيها.. والقى سبحانه وتعالى فى قلوبهم الرعب والهلع حتى استسلموا للمسلمين.. فريقاً تقتلون.. فريقاً من هؤلاء الخونة الذين طعنوكم وتحالفوا مع قريش بعدما عاهدتموهم.. فريقاً تقتلون من الذين نقضوا العهد والميثاق.. تعامل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مع يهود بنى قريظة الخونة وفق حكم quot; سعد بن معاذ quot; الذى حكم بقتل رجالهم وسبى نساؤهم وذريتهم.. وتأسرون فريقاً.. النساء والأطفال.. فرق شايع بين الأمر بقتل الأطفال والنساء وشق بطون الحوامل وبين أسرهم وتعليمهم..


وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم.. أى وأورثكم أرض بنى قريظة الخونة المتآمرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذه الأرض.. أرضاً أخرى لم تطؤوها.. إشارة إلى خيبر وجميع الأراضى الأخرى التى فتحها الإسلام.. وكان الله على كل شئ قديراً.. لا يعجزه أى شئ.. فإذا أراد شيئاً فيقول له كن فيكون.. قدرة الله سبحانه وتعالى تتجلى فى جميع ما نراه وما لا نراه.. ولكنه سبحانه وتعالى ضربها مثلاً لنا فى إخراج بنى قريظة الذين خانوا الله ورسوله وأرادوا القضاء على دعوة الإسلام.. فقد أرادوا كيداً.. ولكن كيد الله متين..
يقول تعالى : quot; فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ quot; ( محمد : 4 ).
أى إذا لقيتم الذين كفروا فى أرض النزال فى ساحات الوغى فاضربوا رقابهم لتجهزوا عليهم.. ومن يقع فى أيديكم من الأسرى فقيدوه وبعد انتهاء المعركة إما أن تفدوهم بالمال أو بالأسرى من المسلمين.. ولو شاء الله لانتصر على الكفار دون قتال أو حرب.. ولكنه يختبر إيمان المجاهدين.. وأما الذين قٌتلوا فى سبيل الله فلن يبطل أعمالهم.


الشكر لله وحده والثقة فى الله والصبر على البلاء:
أى انتصار للمسلمين فالفضل كله لله سبحانه وتعالى.. والشكر أيضاً له وحده.. هو الذى نحمده آناء الليل وأطراف النهار.. يقول الحق سبحانه وتعالى فى معرض تذكير المسلمين بنصر يوم بدر.. والمعجزة الإلهية التى جعلت بضعة عشرات يغلبون آلاف الكفار :
quot; وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ quot; ( آل عمران : 123 ndash; 127 ).


لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة لا عتاد ولا سلاح ولا كثرة عددية.. فاتقوا الله واشكروه على هذا النصر العظيم وهذا الفضل الكبير.. واذكر يا محمد عندما قلت للمؤمنين ألا يكفيكم أن يعينكم الله بثلاثة آلاف من الملائكة الذين أمرهم الله بالقتال ndash; لا حظ أن الله فى سورة الأنفال وعدهم فى بادئ الأمر بألف من الملائكة مردفين عندما دعوا الله واستغاثوا به.. حتى لا يقول معترض أهم ألف أم ثلاثة آلاف أم خمسة آلاف؟! فى البدء دعوا الله فأرسل لهم ألف ملك وعندما دعا الرسول الكريم أرسل الله ثلاثة آلاف ملك وعندما أمر الحق سبحانه وتعالى أرسل خمسة آلاف من الملائكة.. وهذا التتابع من إعجاز القرآن الكريم.. فلعل بعضنا يعرف الإمدادات العسكرية فى حروب هذه الأيام وكيفية إرسال الأفواج على دفعات.. فمن ناحية لا يحدث زحام، ومن ناحية أخرى شحن الأرواح المعنوية للمقاتلين عندما يرون كل مدة أفواج تأتى لمؤازرتهم، لذلك كان التتابع فى إرسال الملائكة -.. ويلبى الحق سبحانه وتعالى نداء حبيبه صلى الله عليه وسلم : بلى إن تصبروا وتتقوا يمدكم بالملائكة عندما يأتى الكفار لقتالكم من ساعتهم هذه، فسيمددكم الله بالملائكة ويزيد عددها فيمددكم بخمسة آلاف من الملائكة مهمتهم القتال والدفاع عن المؤمنين.. وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشرى لتثبتوا فى المعركة ولتطمئنوا ولتبددوا خوفكم من كثرتهم العددية وأسلحتهم الهائلة.. وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.. فلا تعتقدوا أن النصر بكثرة العدد وقوة السلاح.. ولكنه من عند الله القادر على كل شئ.. ليقطع طرفاً من الذين كفروا.. ليهدم ركناً من أركان الكفر والشرك والتطاول على الله.. أو يكبتهم.. يخزيهم بالهزيمة الساحقة على يد قلة عددية.. فينقلبوا خائبين مهزومين لم يفلحوا فى القضاء على الدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم..


إن آيات القرآن الكريم تنطبق بشكل مذهل على أهل غزة الأبطال الذين لا يخشون من بأس جيش الصهيونية الصليبية العالمية.. الذين يصبرون على ما ابتلاهم به الله.. الذين يدافعون عن وطنهم وأولادهم ونسائهم وشيوخهم.. الذين يزيدهم الحصار والتجويع بطولة ومقاومة..


إن ثبات أهل غزة لا يمكن تفسيره بأنه ثبات من عند أنفسهم.. ولكنه تثبيت من الله تعالى لهم أو كما قال :
quot; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ quot; ( محمد : 7 ndash; 11 ).


لقد صدق أهل غزة كلام الله.. وصبروا على البلاء والكرب.. فكان لزاماً على الله أن ينصرهم ويثبت أقدامهم ويجعلهم يواجهون عدوهم الصهيونى الصليبى بمنتهى الإقدام والشجاعة ؛ فالله مولاهم والكفار لا مولى لهم..
إن أهل غزة يؤكدون إعجاز القرآن الكريم، وما به من آيات كريمات نراها على أرض الواقع سواء فى المقاومة أو الصبر على البلاء والثبات فى مواجهة العدوان الغشوم..


ولتذكروا يا أهل غزة دائماً قول الحق سبحانه وتعالى : quot; أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ quot; ( القرة : 214 ).
فإن نصر الله قريب.. وصبراً آل غزة فإن موعدكم الجنة.

محمود القاعود