مجازر، قتلى، طائرات، اباده، دماء، قنابل، مقابل باربي الموساد الاسرائيلي ليفني تتراقص و تتمايل تلوك في فمها مواقف العرب و ترفض قرارات مجلس الامن لتذكرنا بجولدا مائير. و يستمر ارتفاع عدد الشهداء، و تختلف فضائية العربية و الجزيرة على الابطال الذين ازهقت ارواحهم هل هي مهنية التسمية ( قتلى) ام احقية النتائج(شهداء).


اما الموضوع الاساس quot;غزة quot; فيأتي في مرحلة السبق الصحفي و التغطية الاعلامية لجذب المشاهد بين التعبئة و الاستمتاع بالقتل و صوت هدير الطائرات و صور الرؤساء ووزراء الخارجية العرب يقبلون بعضهم في المطارات استقبالا ووداعا و منهمكون في الحديث عبر الخلويات.


غزة تعتصر و ابطالها يفضلون الاستشهاد السريع على الحياة البطيئة الاستسلامية، و اسرائيل تمرح و تسرح بين جبن الاداء العربي و بطيء الاجتماعات القممية المؤجلة الى ما بعد صلاة الجمعه القادم، صلاه الغائب على روح الوطن العربي الواحد باتجاه قبلة زورو المنتظر، اوباما الامريكي الافريقي سوبر مان الانتصار لتتصدر تصريحاته يوم الاثنين 12 يناير 2009 الاثير والقائلة : quot;اختيار كلب للعائلة اهم و اصعب من اختيار وزير التجارة الامريكي quot;!!. هو فعلا محق في ذلك و يعبر عن راي الشارع العربي.
لقد وصفت ليفني quot;الوزراء العرب quot; بأنهم في احتفال كرنفالي يستمتعون بما لذ من الطعام و الشراب في الولايات المتحدة على جانب اجتماعات quot;غزة quot; لوقف تهريب الاسلحة الى الارهابيين. لم يعد الاعتداء على فلسطين وانما ساهم في تقزيمه الاعلام العربي الى كلمة واحده هي quot;غزةquot; و تناسوا فلسطين.


و اقصد القول هنا، ان الاعتداء الاسرائيلي هو على فلسطين التى يجب ان تذكر دوما في كل تحليل و كل لقاء و كل برنامج، و ان كانت غزة بصمودها اكبر من الوطن العربي مجتمعا.


و الاغرب ان اله الاعلام الاسرائيلية تدعي انها تدافع عن نفسها ضد صواريخ quot;حماسquot; و تناسى العالم ان اسرائيل احتلت و اغتصبت الارض الفلسطينية،و فوق كل هذا تريد الدفاع عن ما اغتصبته عوضا عن ان تعيد الحق الى اصحابه.
وهنا وقع الاخوة في الاختلاف عن سبب كل ما يحدث و ساهم الاعلام العربي في تكريس هذا الفهم الخاطيء من منطلق ديمقراطية الحوار بين الاشقاء.


الف قتيل، موسوعة جينيس للقذارة الدولية، دخلتها اسرائيل بموافقه عربية على التخاذل، فبعض دولها مكبله باتفاقات و اخرى بمصالح امريكية و غيرها بخيانات و الشعب العربي يحشد المظاهرات والتعبئة الفمية ( من الفم ) و النتيجه في اول جولة حصد ملايين الدولارات و تبرعات لبناء ما دمر وانشاء مساكن و بنايات و ابراج. انها غزة ياساده و ليست هونج كونج. انها حرب و ليست برنامج من يربح المليون.


لقد تحول الوضع الى رسائل نصية عبر الهواتف، قاطعوا المنتجات الامريكية، و اقيموا الصلاة، و شاركوا في المظاهرات، و تبرعوا لبناء المساجد،انقلوا الجامعية العربية الى فنزويلا، شاركوا في التصويت لطرد السفير الاسرائيلي، شاركوا في التصويت على موقع السي ان ان، و غيرها في اكبر حمله اعلانية ربحيه لصالح شركات الهواتف الخلوية التى هي جزء من المنظومة الامريكية للاتصالات و الاقمار الصناعية. و يستمر القصف و العرب يرسلون الرسائل عبر الخلويات.


الشعب بحاجة الى سلاح، اطباء، نجده، مهندسون اعمار، مواقف دولية فوريه و الزام، لا فقط بطاطاين و بطاريات و علب فول و خيم و غيرها. بالمناسبة فأن الاقلام الرصاص ممنوع ان تكون من التبرعات لانها تستخدم لصناع رصاص و فشك.
للاسف لم يبق الا خطباء عبر الفضائيات يجيشون غيرهم للحرب و الصمود و بعضهم يلتحفون فنادق الخمس النجوم و سيارات المرسيدس الحكومية مع الحرس و السائقين و يعقدون مؤتمرات تلفزيونية لاستعراض قوة الخطابة و حسن الحديث الملهب للجماهير دون اي فائدة.


المؤامرة القادمة و المفتعله هي للانتقاص من هبية مصر و سمعتها و توريطها و محاولة لجرها الى المجهول بعد ان قدمت مائة و عشرين الف شهيد في اربع حروب لاجل فلسطين و العرب، و التمهيد لنظام بديل يقصي الهاشميون من الحكم في الاردن الذي استوعب الفلسطينيون المهجرون، وبعد ان اقيم الوطن البديل في الاردن و تمثل في رؤساء الحكومات و اعضاء مجلس الامة من لاجئيين 1967 تاتي مرحلة النظام البديل و خلخلة الشارع الاردني، ومن ثم ضرب لبنان و الانقضاض على سوريا في خطوة استباقية نحو ايران، و الادهى ان الاطراف المهدده منقسمه على بعضها و تتهم كل منها الاخرى..!!
و المستفيد الاوحد هو اسرائيل الساعية الى انهاء حالة الصراع الوهمي quot;الاسرائيلي العربي quot; و تحويله الى صراع عربي عربي عبر الفضائيات و ساحات الشهداء و مدافن التاريخ.


هذا التاريخ الذي يعيدني ربما اكثرمن اربعين عاما عندما كنت اذهب و انا طفل صغير الى سينما مترو في مدينة الاسكندرية كل يوم جمعه بعد الصلاه و الغذاء مع اصدقائي، و في نصف الفيلم، كانت هنالك استراحة قصيرة بين الفيلم حتى يتمكن عامل السينما من تغيير اسطوانة الفيلم(البكره ) ووضع الجزء الثاني. كان يتم انارة السينما في تلك الفترة لدقائق، ويقوم بائع يحمل صينية من الخشب معلقة بحبل رفيع في عنقه صارخا، شيبس، بيبسي، كولا. و كان الجميع يتاهفت على الشراء.تذكرة الصالة كانت تسع قروش ونصف و البلكون ( الطابق العلوي حيث كنا نجلس) اربعة عشر قرشا.


تذكرت هذا الصوت، لاننا نعيش في سينما اليوم، بعد ان تجردنا من احاسيسنا، و اعتقدنا بالخطاء اننا نرى فيلما سينمائيا عن بلده ما اسمها quot;غزةquot; تدميها جراحها و نرى عروس شريرة هي باربي الموساد الاسرائيلي، امرأة ذكية و جميلة وقوية الشخصية، و صنيعه المخابرات الاسرائيلية تصدر اوامرها بالضر ب الصاروخي و القتل الوحشي و نحن متفرجون مستمتعون بالبيبسي و الشيبس و الكولا في سينما صهيونيه quot;اونطه quot;.


لقد تحولت قضية غزة الى حفلات عشاء حول التلفاز من بيت الى اخرعند البعض، مليء بالطعام و المشروبات، تنتحب النساء امام الشاشة و تجهش بالبكاء، و يشتم الرجال القادة العرب و اسرائيل، و بعدها يتناولون العشاء للحديث عن خطاب من هنا و اخر من هناك و يبدأ السجال و الاختلاف و ربما الخناق. و هنالك من يرفض الاكل و الشراب و يصوم داعيا ربه الى حل.
و في اليوم التالي يذهبون الى اعمالهم و يتم جمع تبرعات الاطفال في المدارس او الى الهلال الاحمرو تنتشر في الصحف ارقام التبرعات و اسماء المتبرعين مع اعداد من قتل و استشهد، ويستمر مسلسل الموت في درس حسابي لتعليم quot;الجمع quot; لقاده محو الامية الوطنية.


غزة تنادي المشاهدين لان يستيقظو ا من الحلم فان القصف حقيقي و القتل حقيقي و الشهاده واجبه كما هوواجب العمل الدبلوماسي الحقيقي،اما الجزء الثاني من الفيلم فيتم الاعداد له للانقضاض على دول مجاورة و تقويضها..


باربي الموساد الجزء الثاني به لقطات تصلي الجميلةquot; ليفنيquot; في الاردن و تزور الازهر في مصرعلى حصان ابيض تشبها بنابليون، وتتلقى الورود في ساحة مرج عيون و تمضي اجازة الكريسمس في طهران و تقيم علاقة مع قائد فرسان بني يعرب ترحيبا به في فندق كامب ديفيد قبل ان يلقي نظرة وداع على القدس و هي تسقيه كأسا مسمومه.
بيبسي، شيبس، كولا،استراحه ثم نعود للفيلم.

د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]