-1-
البارحة.. أو ربما ما قبلها بليلة، اطل علينا من إحدى قنوات التلفاز نجم صحفي بارز بارع من صحفيي الخليج الطيبين.. رجل إعلام مسؤول في دولة ثرية غاية الثراء، خسرت في بحر إسبوع كماً هائلاً من المليارات إثر الأزمة الإقتصادية الحادة التي سببها كازينو القمار الأميركي ( البورصة والرهن العقاري ومضاربات اصحاب البنوك ).


هذا النجم الجميل الجليل المبارك يلوم إيران لأنها لم تطلق صواريخها صوب إسرائيل لتزيلها من الوجود..!
الحقيقة شعرت بالإزدراء الشديد لمثل هذا الطيب ومن يمثل من زعماء قبائل يعتاشون على التجارة والمقامرة بلا أدنى حسّ بالكرامة لشعوبهم وأوطانهم وأمتهم ومسؤولياتهم التاريخية والإنسانية..!


ذات هذا الرجل (ومن يمثل) كان قبل سنوات يعتاش على رحيق الدم العراقي والإيراني في حرب السنوات الثمانية، وذات هذا الرجل ومن يمثل لجأ إلى الأمريكان وأساطيل الأمريكان ومارينزهم لتحرير بلده من صدام حسين ورُفض في حينها أي جهد أو مسعى لمعالجة الإشكاليات بالحسنى وضمن البيت العربي الواحد...!


وذات هذا الرجل وجملة من جيرانه الصغار الطيبون، إعتاشوا سنوات عديدة على محاربة السوفييت على البعد، في إفغانستان وتناسوا الجوار القريب... الجوار العربي الرازح تحت نير الإحتلال الصهيوني..!


شعرت بالإزدراء لأن هؤلاء التجار.. تجار البترول واليخوت والسياحة والإرهاب والتكفير والتهديد والوعيد بنار الرحمن ذو العرش المكين..!


هؤلاء التجار يعلقون دوما هموم الكرامة والوطن والحرية والشرف على غريب بعيد يقايضونه بالبترول أو يشتغلون وكلاء له في إدارة بلدانهم مقابل الحماية..!
ذات هؤلاء.. ذات من كانوا يحتمون بصدام وذات من جلبوا يوما جنود الملك حسين ( رحمه الله ) لقمع القلاقل الوطنية في بلدانهم، ذاتهم ينتظرون من إيران اليوم أن تحرر لهم فلسطين..!


قطعا.. في ذات نفسه (هو ومن يمثل من اهل حكم )، لا يتوقع من إيران أن تكون بمثل هذا الغباء لتنزلق إلى حرب ينتظرها الغرب وإسرائيل بمنتهى اللهفة، اليوم قبل الغد..!


وذاته المتحذلق الجميل.. يقول في نفسه لو إنها قبلت التحدي ( وقد تحداها في الآونة الأخيرة الكثيرون من إعلاميي السلاطين ) فإنها ستنكسر كما كسر عبد الناصر وجيش الكنانة في خمسة ايام.. وساعتها.. ساعتها يحصل ذات ما حصل للإتحاد سوفيتي حين خرج من إفغانستان على يد الأمريكان وحلفائهم من الإرهابيين من ابناء بلده وبلدان الجوار من اتباع الطائفة المنصورة..!
اي تتفتت إيران ويسقط النظام القوي المتماسك الموشك على إنتاج قنبلته النووية..!


ساعتها يهنأ تجار ومروجو سباقات اليخوت ويأمنوا من شرّها لنصف قرن على الأقل كما أمنوا من شرّ السوفييت والعراق واليمن الجنوبي وعبد الناصر ذاته واليسار العربي..!

ادفع لمن يرتهنني ويقاتل نيابة عني.. بينما امكث انا حيث انا ويمكث شعبي حيث هو، يلوك الضحالة والبؤس والتخلف والهمجية، يسوطه الأشياخ بأسواط اللعنة ليل نهار، ملاحقين انفاسه وخطواته وخلجات روحه..!


لا حراك إيجابي إنساني تقدمي يحصل في تلك البلدان.. رغم كل الثراء..!
لا تقدم في مضمار الحريات الإنسانية.. لا إبداع علمي أو فني.. لا إبتكار.. لا إضافات لرصيد البشرية من الفكر والفن والعلم والصناعة..!



ولا تطور في مضمار السمعة العالمية.. دبلومسيا أو سياسيا أو إنسانيا من خلال مساهمات كبيرة في مجال حماية البيئة أو دعم منظمات حقوق الإنسان أو غيرها من الأنشطة الإنسانية الأممية الأخرى..!
ربما المساهمة الوحيدة هي بناء جوامع في الغرب لإنتاج الإرهابيين.. ولا مزيد..!

-2-

في وثائق الدبلوماسية الأمريكية التي افرج عنها قبل ايام ونشرتها الصحافة العالمية وبينها الشرق الأوسط اللندنية.. يرد عشرات بل مثات المرات في محادثات العرب مع المسؤولين الأمريكان، يرد ذكر خوف الأحبة الحكام العرب من السوفييت والشيوعية واليسار العربي وبينه بعث العراق وبعث سوريا..!


ويرد مرّات ومرّات عديدة ذكر فضل العرب على الأمريكان في محاربة السوفييت وحرصهم على عدم إنتصار الشيوعية أو اليسار في بلدان العروبة..!
ويحاولون أن يقايضوا هذا الفضل ببعض المكاسب في ما يخص القضية الفلسطينية..!


ودائما.. دائما على لسان كيسنجر ونيكسون وآخرون، يعتذر الأمريكان بلطف قائلين :
- لا نستطيع.. اللوبي اليهودي قوي في بلدنا.. لا يمكن أن نجبر إسرائيل على شيء.. اصبروا علينا قليلا.. اصبروا..!
وصبر العرب.. وتكررت الهزائم.. واستمرت إمدادات السلاح المتطور لإسرائيل.. وأستمر الفيتو الأمريكي.. وأستمر الإبتزاز الأمريكي..!


اتساءل.. لماذا وضع العرب كل عنبهم في السلّة الأمريكية؟


لماذا لم نتواصل مع السوفييت والصين وكوريا الشمالية واوربا الشرقية ( سابقا )..!
ولماذا حتى اليوم لا زال كل العنب في السلة الأمريكية، ولا زلنا حتى اليوم غير مهتمين بالتعاون مع الدول الحرّة المستقلة التي لا يقل بعضها تطورا عن امريكا في مضمار التكنولوجيا... روسيا.. الصين.. الهند.. إيران... باكستان... تركيا..؟
لماذا نظل مرتهنين للأميركان بينما هم ذاتهم مرتهنون لإسرائيل وسماسرة المال الكبار..؟

-3-

يشهد الله أنني لست من دعاة الحروب أو المتمنين لها، ولا اروم البتة أن يتعرض اهلنا في الخليج العربي الطيب المبارك للأذى، ولا اشك مطلقا في أنهم كانت لهم على الدوام يدا كريمة مع الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، لكن.. ما يغيض النفس تلك الإتكالية الشديدة على الصديق الأمريكي العاجز عن الإيفاء البتة وإن بعشر معشار ما دلقه العرب والخليجيون في المقدمة منهم من مليارات من الدولارت وأطنان مليونية من البترول الرخيص في جوف آلته الحربية والصناعية التي كانت على الدوام تصرف فائضها في الفم الإسرائيلي الرافض بالمطلق لأي سلام عادل مع العرب..!


هذه الإتكالية وهذا الإرتهان، لا يعود عليهم وعلى العرب عامة وعلى قضايا المنطقة المصيرية إلا بمزيد من الخسارة والخذلان..!
هذه الإتكالية أفضت إلى تنامي الإذلال والمهانة من قبل الحليف..!


وإلى سخرية العالم كله منكم وإشمئزاز الشعوب وبينها شعوبكم ذاتها، من سلوكياتكم الغريبة غير المفهومة..!
أما الجانب الآخر الذي تزعمون أنه مغامر متهور فإنه بالعكس يلقى من الأمريكان والغرب عامة إحتراما وتقديرا ويفاوضهم سرا وعلنا من أجل كسب ودّهم وإستجداء ادوارهم في تبريد الأوضاع المتفجرة..!
لماذا؟


لأن هؤلاء غير مرتهنين البتة للغرب.. إقتصادهم متحرر من ربقة الإقتصاد الغربي.. دولاراتهم في بلدانهم أو في اماكن آمنة، ثرواتهم تصرف بشكل حسن على تعزيز إستقلاليتهم وحرية شعوبهم، إقتصادهم متنوع وعلاقاتهم متنوعة وليست في سلة واحدة..!


حري بكم ايها الأحبة أن تتعظون من درس غزّة الأخير وما سيليه من دروس عديدة لا نشك في أنها ستفضي في القريب إلى إكتساح إيران لكم وبقناعة ورضى شعوبكم ذاتها بعد أن بلغ بكم الإعتدال مبلغ الهوان والمهانة وحسبنا الله ونعم الوكيل..!

كامل السعدون