لا أعرف كيف يمكن لدولة بحجم مصر أن تستفز كل هذا الاستفزاز من محطة تليفزيون؟ من يتابع تصريحات المسؤولين سوف يكتشف أن قناة الجزيرة هي عدو مصر رقم واحد. ومن يشاهد الإعلام الرسمي سوف يدهشه حملات السب واللعن في المحطة وكانها المسئولة عن كل مصائبنا. الجميع سياسيون وإعلاميون شاركوا في الهجوم على قناة الجزيرة وكأن بينهم وبينها تار بايت.


والسؤال المطروح لماذا هذا الهجوم المحموم على محطة تليفزيون كل جريمتها انها تقدم الرأي والرأي الآخر؟ هل هي عقدة من أي نجاح إعلامي عربي أم ان المطلوب أن يقف العالم العربي من المحيط إلى الخليج في طابور واحد وراء أي موقف مصري؟!


لو كان هذا فعلا هو المطلوب فالمؤكد اننا لا ندرك طبيعة العالم الذي نعيش فيه. الدول العظمى نفسها عجزت عن حشد العالم وراء سياساتها ومواقفها. في أزمة غزة كان طبيعيا ان ينقسم العالم العربي إلى معسكرين أو أكثر. وكان بديهيا أن تتعدد الآراء والاتجاهات والمواقف. وكما في كل ازمة تحركت كل دولة وفق قناعاتها وحساباتها وتحالفاتها ومصالحها. وكان واضحا ان الجميع يبحثون عن حلول مختلفة لاحتواء الأزمة!


لكننا في مصر تعاملنا مع ما يحدث في غزة وكأننا وحدنا الخبراء في نزع فتيل الأزمة. وحاولنا تسويق ما لدينا من حلول باعتبارها المخرج الوحيد بينما العالم يبحث عن أكثر من مخرج. وتصورنا كما في أزمات سابقة أن رؤيتنا هي الموقف الصحيح الوحيد وما عداه أوهام وأباطيل.


ولعل هذا ما جعلنا نتعامل بحساسية مع الوساطة التركية مع اننا أول من دعونا الأتراك للتدخل، كما دفعنا للتعامل بحساسية مع قمة الدوحة مع ان قطر لم تدعي احتكار حل الأزمة لأنها بصراحة أكبر من قدراتها وامكاناتها، ثم كانت صدمتنا حين وقعت إسرائيل وأمريكا مذكرة التفاهم الخاصة بضبط الحدود دون اي تنسيق معنا، وأخيرا كانت المفاجأة حين قررت تل ابيب وقف إطلاق النار من جانب واحد في تجاهل للمبادرة المصرية.


في كل هذه المواقف شن الإعلام المصري هجوما عنيفا على قناة الجزيرة متجاهلا انها مجرد محطة تليفزيون تنقل الأحداث ولا تصنعها، وبدلا من عرض وجهة النظر المصرية بطريقة مقنعة اكتفينا بتوزيع الاتهامات. بل إن وسائل إعلامنا تفرغت لحملات السب والقذف بدلا من اقناع الرأي العام العربي بموقفنا!


أنا لا تربطني علاقة من أي نوع مع قناة الجزيرة ولكنني أعتقد انها نجحت في الوصول إلى كل بيت في العالم العربي. ربما لأنها تبنت وجهة نظر الشعوب وليس الحكومات، وربما لأنها اعتمدت على طرح الرأي والرأي الاخر، ولعل هذا ما جعلها المنافس الحقيقي لمحطات تليفزيونية عربية اخرى، لكنها - والحق يقال ndash; منافسة بلا عقد ولا مركبات نقص ولا كلاكيع!


أعتقد أنه آن الأوان لأن نعالج في مصر نظرتنا الأحادية للأمور وأن نخفف شعورنا المتضخم بالأنا، وأن نفكر في إقناع الناس بوجهات نظرنا بدلا من محاولة فرضها بالقوة، لا يكفي أن نشن حملات إعلامية عنيفة لإقناع المنطقة بوجهة نظرنا، هذه سياسة إعلامية فاشلة تذكرنا بمرحلة الستينات التي ماتت وشبعت موتا. علينا أن نستفيد من انتشار أي محطة تليفزيون ناجحة لتسويق سياساتنا، والأهم من ذلك أن نحاول تعويض الفارق الكبير في المستوى بين الإعلام المصري والإعلام الناجح في بلدان عربية أخرى.


من غير المعقول أن نتحرك سياسيا وإعلاميا وكاننا نعاني من عقدة اسمها قناة الجزيرة، فدولة بحجم مصر لا يجب أن تستفزها محطة تليفزيون!

عبد العزيز محمود

[email protected]