طلب إلي أحد الرفاق الأعزاء أن أكتب عن راهنية البيان الشيوعي، وها أنا ذا ألبي طلب الرفيق العزيز، مؤملاً ألا أفتّ في عضده فيستنكف عن العمل الشيوعي مثل سائر الأحزاب الشيوعية التي استنكفت جميعها بغير حياءٍ أو خجل مستبدلة العمل الشيوعي بالعمل على تحقيق شعارات البورجوازية الوضيعة المتمثلة اعتباطاً بالتعددية والديوقراطية وتداول السلطة وغيرها من شعارات كاذبة غير قابلة للتحقيق، عليّ أن أخشى ذلك رغم ثقتي التامة بثبات الرفيق على مسيرته الشيوعية رغم كل وعورة المسار. بالطبع لم يتوقع الرفيق مني أن أقول له بأنه لم يعد للبيان الشيوعي أية راهنية في العقود الثلاثة الأخيرة، لم يعد له أية راهنية، ولن تعود، ليس لأن المانيفستو خرج على قدميه من مسار التاريخ كما يظهر للبعض، بل لأن العالم، كل العالم، جنح مدفوعاً خارج مسار التاريخ. في يناير 1848 أعلن الشاب كارل ماركس (29 سنة) ورفيقه فردريك إنجلز (27 سنة) في بيانهما الشيوعي (المانيفستو) أن الرأسمالية تتطور وتتسع يوماً بعد يوم وستتطور وتتسع معها بالضرورة طبقة البروليتاريا التي ستقوم في نهاية الأمر بتفكيك النظام الرأسمالي والاستيلاء على أدوات الإنتاج، وتقيم دولتها الدكتاتورية من أجل عبور برزخ الاشتراكية نحو الشيوعية ؛ ولذلك قال الشابان عبارتهما الشهيرة.. quot; الرأسمالية تنتج حفاري قبرها quot;.


كانت قناعة كارل ماركس وفردريك إنجلز هي أن الثورة الإشتراكية لا بدّ أن تكون النهاية الحتمية للنظام الرأسمالي الذي يقوم أساساً على استنزاف عناصر التجديد الحيوي لقوى العمل في البروليتاريا. وعليه ستصل البروليتاريا المستنزفة على الدوام إلى حد تكون عنده عاجزة عن تجديد قوى عمل تفيض عما يغطي إنتاج حاجاتها الحيوية اليومية كي تنتج قيمة فائضة تشكل الربح هدف الرأسماليين الأول والأخير. كل ذي فطنة وعقل راجح لا يمكنه أن يعترض أيما اعتراض على منطق ماركس وإنجلز في الثورة الاشتراكية. إذاً نمط الإنتاج الرأسمالي هو الذي يستحضر الثورة الإشتراكية وليس رغبات ومعتقدات الاشتراكيين أو الشيوعيين مهما كانت أعدادهم كما يفترض الكثيرون. الرأسمالية هي ذاتها الأم التي تحمل بالشيوعية وتضعها، أما الشيوعيون فيقتصر دورهم على قطع الحبل السري وتأمين الرضاعة للوليد الجديد.


أشار ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي إلى صعوبة الصراع بين البروليتاريا وطبقة البورجوازية الوضيعة لكن لم يدر في خلدهما أن البروليتاريا وبعد أن تنتصر في صراعها ضد الطبقة الرأسمالية وتستولي على أدوات الإنتاج يمكن أن تنهزم أمام البورجوازية الوضيعة وهي طبقة هامشية، رغم سعتها الغالبة، لأنها لا تملك من عناصر الإنتاج الحقيقية شيئاً، لا رأس المال ولا أدوات الإنتاج. غير أن هذا ما حدث في الإتحاد السوفياتي لأسباب مختلفة أهمها مؤامرة استفراده بالحرب العظمى. البروليتاريا السوفياتية بعد أن شقّت طريق الثورة الإشتراكية العالمية بنجاح باهر بقيادة لينين وستالين منذ العام 1917 وحتى العام 1954 تكبدت هزائم كبرى أمام البورجوازية السوفياتية الوضيعة بعد أن تسلّم قيادتها المرتد نيكيتا خروشتشوف في العام 1954 وحتى معركتها الأخيرة وانهيار مشروع لينين التاريخي في الثورة الاشتراكية العالمية في العام 1991.


انهيار مشروع لينين لم يكن بالطبع هزيمة كبرى للبروليتاريا السوفياتية فقط، بل كان أيضاً هزيمة لطبقة البروليتاريا المتحدة في العالم كله. عندما نادى لينين في يناير 1919 بالثورة الاشتراكية العالمية استهدف أولاً تفكيك النظام الرأسمالي العالمي كخطوة أولى على طريق عبور الإشتراكية نحو الشيوعية. وفي العام 1921 أكد لينين أن الثورة الإشتراكية العالمية الدائمة لا تستمر فقط في مراكز رأس المال المتقدمة على أيدي البروليتاريا فيها، بل تستمر أيضاً في البلدان المستعمرة والتابعة على أيدي البورجوازية التي تقوم بدورها في تفكيك النظام الرأسمالي العالمي من خلال نهوضها للتحرر الوطني وحرمان مراكز الرأسمالية من مكبات نفاياتها وهي فائض الإنتاج. خروج الإتحاد السوفياتي من الحرب العالمية الثانية كأقوى قوة في الأرض بعد أن انهارت أمام النازي أكبر امبراطوريتين استعماريتين، بريطانيا وفرنسا، أمدّ حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بالقوى الكافية والسند الأمين للتحرر من ربقة الاستعمار والشروع في بناء إقتصاداتها الوطنية بمعزل تام عن فيض الإنتاج في المراكز الرأسمالية، الأمر الذي أوصل الرأسمالية العالمية إلى حتفها. أمسكت الأزمة القاضية بخناقها في العام 1971 واستمرت في نزاعها الأخير حتى العام 1975 حين أعلن الخمسة الكبار (G5) في مؤتمر رامبوييه/باريس وفاتها الحقيقية. قرر الخمسة الكبار إفاضة إنتاجهم على الدول المستقلة حديثاً دون مردود حقيقي سوى تسجيل أرقام دفترية كديون على عملاء غير مليئين وغير قادرين على السداد. ماتت الرأسمالية وبقي منها، على سبيل الذكرى، أرقام في دفاتر قديمة تشير إلى ديون هالكة.


قبل مؤتمر رامبوييه بمائة يوم فقط عقد مؤتمر هلسنكي حيث بدت القيادة السوفياتية بشخص رفيق المرتد خروشتشوف وقرينه، ليونيد بريجينيف، تركض لاهثة لملاقاة الإمبريالية في منتصف الطريق. خاطب بريجينيف في المؤتمر أساطين الرأسمالية الإمبريالية المنهارة قائلاً.. quot; تعالوا نتلاقى في منتصف الطريق ولن يخسر أي منا شيئاً بل سنكون حميعاً من الرابحين quot;. بريجينيف يوجه نداءه هذا إلى أساطين الرأسمالية الإمبريالية وفي ذهنه أن الإتحاد السوفياتي لم يعد دولة اشتراكية وإلا لكان يخسر ويخسر كثيراً بملاقاة الرأسمالية الإمبريالية في منتصف الطريق عداك عن وعدها بالربح!


في مطالع خمسينيات القرن الماضي يتذكر مجايلوها مثلي جيداً أن الشيوعيين في كل من فرنسا وإيطاليا كانوا يحتلون نصف عدد مقاعد البرلمان في كلا البلدين وكان استيلاؤهم على السلطة في تينك الدولتين الرأسماليتين الكبيرتين مسألة وقت، ريثما تتم تسوية الأمور ربما في بلدان أوروبا الشرقية التي كانت قد دخلت حديثاً في المعسكر الاشتراكي بنتيجة الحرب. لدى استلام خروشتشوف مقاليد القيادة للثورة الاشتراكية في العام 1954 بدأت الحركة الشيوعية بالتراجع بصورة تراجيدية على المستوى العالمي. فبالإضافة إلى الإنشقاق المصيري الخطير بين الصين والإتحاد السوفياتي والإنقلابات العسكرية الرجعية في العديد من الدول التقدمية في آسيا وأفريقيا، فقد تفشى ما يسمى بالشيوعية الأوروبية بين الشيوعيين في غرب القارة الأوروبية، التي لم تكن إلا امتداداً لردة خروشتشوف الخيانية ونقلاً عن هرطقات اليميني الخائن إدوارد برنشتاين وأولها الإنتقال السلمي إلى الإشتراكية، وصولاً إلى بريجينيف يشغل كرسي ستالين ويتضرع لأساطين الرأسمالية في مؤتمر هلسنكي 1975 بأن يقبلوا به بين صفوفهم وأن يلاقوه في منتصف الطريق لخير الرأسمالية العالمية وخير طبقته البورجوازية الوضيعة المنحطة في الإتحاد السوفياتي.


الرأسمالية العالمية تنهار في منتصف السبعينيات فلماذا يسلّم اساطينها مقاليد الدولة في بلادهم للبروليتاريا التي كانت قد انهزمت شر هزيمة على أيدي البورجوازية الوضيعة السوفياتية، ولديهم قائدها العالمي يستعطفهم لأن يقبلوه في صفوفهم!؟ لديهم هم أيضاً في بلادهم مثل هذه البورجوازية الوضيعة ولعلها تتكفل بهزيمة البروليتاريا في بلادهم هم أيضاً. الرأسماليون يعادون البورجوازية الوضيعة أكثر مما يعادون العمال لكن دولة البورجوازية الوضيعة (دولة الرفاه : Welfare State) قد تسمح بإحياء النظام الرأسمالي من جديد كما أمّلوا، في حين دولة دكتاتورية البروليتاريا تقضي على كل أثر للرأسمالية. انهار النظام الرأسمالي في السبعينيات لكن ليس لصالح البروليتاريا المهزومة بل لصالح الطبقة الوسطى أو البورجوازية الوضيعة، الوضيعة وضاعة إنتاجها، إنتاج الخدمات الفردي الذي يتم بمعزل عن رأس المال وعن أدوات الإنتاج والذي لا يحمل بالشيوعية عكس النظام الرأسمالي. البيان الشيوعي لم يعد ذا راهنية في مجتمعات الطبقة الوسطى quot; المعتمدة quot; على الإنتاج الفردي غير البروليتاري وغير الرأسمالي والذي صارت إليه المجتمعات الرأسمالية المتقدمة سابقاً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها. البيان الشيوعي نادى عمال العالم لأن يتحدوا كي يحطموا أغلالهم المتمثلة بنظام الإنتاج الرأسمالي، إلا أن عمال العالم اليوم ليسوا على المسرح الدولي. لقد غابوا يستريحون وراء الكواليس، والنظام الرأسمالي لم يعد هو النظام السائد ولم يعد يملي العلاقات الاجتماعية كما العلاقات الدولية. الإنتاج السائد اليوم في العالم باستثناء شرق آسيا هو إنتاج الخدمات الفردي الذي لا تنتجه البروليتاريا ولا يتضمن فائض القيمة الذي هو محرك الثورة الاشتراكية موضوعة البيان الشيوعي (المانيفستو).


قلنا في المقدمة أن البيان الشيوعي (المانيفستو) لم يخرج على قدميه من مسار التاريخ بل إن العالم، كل العالم باقتصاداته وسياساته، هو من جنح مدفوعاً خارج مسار التاريخ، دفعته الطبقة البورجوازية الوضيعة السوفياتية من جهة، وأساطين الرأسمالية الإمبريالية من جهة أخرى. يبدو أن الأقدار سخرت من البشرية سخرية سمجة ومرة فدفعت بالعالم ليجنح خارج مسار التاريخ حيث قفزت طبقة البورجوازية الوضيعة لإدارة دفة السفينة الجانحة وهي الطبقة المفلسة في علم الملاحة والتي لن تجر السفينة إلاّ إلى التهلكة. قبطان السفينة هو من يقودها إلى شاطئ السلامة، والطبقة الحاكمة هي الطبقة التي توفر عبر أسلوبها الخاص في الإنتاج أسباب العيش لشعبها. البورجوازية الوضيعة لا تنتج إلا الخدمات والخدمات ليست من أسباب العيش. ما كانت الخدمات يوماً ضرورية إلا لتخدم الإنتاج الحقيقي، الإنتاج المادي ولذلك كان اسمها الخدمات وعندما يغيب الإنتاج المادي لا يعود إنتاج الخدمات بغير الضرر والخسارة على المجتمع. حتى تلك الخدمات التي على صلة مباشرة برفاهية الإنسان كالفنون الجميلة مثلاً إنما يتم إنتاجها في التحليل الأخير من أجل تشذيب وتهذيب الروح الإنسانية وإعدادها للعمل والإبداع في إنتاج أسباب الحياة، وهي حصراً الإنتاج المادي. قد لا يوافق البعض على مثل هذا التحليل لكنهم عندما يتذكرون أن البشرية كانت قد عاشت آلاف السنين في عهود العبودية دون أن تعرف أو تنتج أي نوع من الخدمات باستثناء الدين والتديّن، الإنتاج الوحيد الذي أنتجه السادة، وليس العبيد، لاستخدامة أداة قمع للعبيد وقد عبّر تماماً عن هذا المعنى مؤسس المسيحية ورسولها بولص إذ قال في رسالته لأهل أفيسوس.. quot; على العبيد أن يطيعوا أسيادهم quot;، وقال أيضاً في رسالته إلى الرومان.. quot; أن أمر السادة هو أمر من الله quot;، عندما يتذكرون ذلك سيدركون جيداً أن الخدمات ليست من أسباب الحياة ؛ بل إن النظام الرأسمالي الذي أثرى العالم ثراءً غير مسبوق لم يُعنَ أبداً بإنتاج الخدمات.


إعلان رامبوييه الذي قضى عملياً بتسليم مقاليد الدولة للطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، هو أشبه ما يكون بتلقيح بغلة من قبل حصان شائخ مكدود. البغلة عاقر ولن تلد مهراً والطبقة الوسطى عاقر ولن تبني نظام إنتاج قابلاً للحياة. تشيع الطبقة الوسطى بأنها حامل بجنين تسميه quot; إقتصاد المعرفة quot; غير أن الفحص الطبي الدقيق يؤكد أن هذا إنما هو حمل كاذب، فالمعرفة لا تصنع اقتصاداً، الشغل هو ما يصنع الاقتصاد. والشغل هو ما يصنع المعرفة. عاش الإنسان ملايين السنين يأكل ويشرب وينام كالحيوانات الأخرى قبل أن يعرف الحرف. يدعي عساكر البورجوازية الوضيعة في محاولة سخيفة لتحصين مقولتهم باقتصاد المعرفة بأن المعرفة قد أخذت تكون العامل الحدي في قيمة السلعة، ويرمي بالطبع مثل هذا الإدعاء الكاذب إلى ترسيخ الطبقة الوسطى كقائد للمجتمع، بدلاً عن البروليتاريا،كونها المنتج الحصري للمعرفة! لو أن مثل هذا الإدعاء صحيحاً لما دُفعت الأمم المتحدة لتسن حقوقاً كاذبة هي حقوق الملكية الفكرية (المعرفة) تحميها عقوبات رادعة. لو كانت المعرفة هي العامل الحدي في تحديد قيمة السلعة لتُرك الأمر للسوق الحرة تقرر ذلك. لكن دولة الطبقة الوسطى خرّبت السوق وطمست قانون القيمة الرأسمالية. تجارتها الخدماتية اقتضت ذلك من أجل استنزاف البروليتاريا حتى الرمق الأخير.


بشرنا كارل ماركس وفردريك إنجلز في بيانهما الشيوعي أن التناقض الرئيس في النظام الرأسمالي سينحل عن طريق الثورة الاشتراكية تقودها البروليتاريا ضد الرأسماليين، إلا أنه ولبالغ أسفنا وسوء حظ البشرية جمعاء فقد غاب النقيضان بموت النقيض الرأسمالي وبانزواء البروليتاريا وراء الكواليس. كان الرأسماليون يسرقون من العمال فائض القيمة (الربح) من خلال نظام إنتاج منتظم الشرعية وله شرعية تاريخية، أما اليوم فإن منتجي الخدمات وهم الطبقة الوسطى يفترسون بكل ما في الكلمة من معاني الوحشية، يفترسون العمال من خلال غياب أي نظام للإنتناج يحظى بأدنى شرعية من مختلف الشرائع سوى شريعة الغاب.


خلال دورة اقتصادية واحدة 1975 2008، أي ثلاثة وثلاثون عاماً بتقدير الخبراء، بادت كل فرائس الغابة ولم يعد هناك ما يسد شراهة الطبقة الوسطى. ها هو العالم اليوم يتلوى فقراً وبات يعتمد على إنتاج عمال شرق آسيا بعد أن انكمشت طبقة الروليتاريا في أوروبا والولايات المتحدة وتوحشت الطبقة الوسطى فيها في الاستهلاك. تحدث البيان الشيوعي عن أزمة الرأسمالية بصورة غَرَق الأسواق المحلية في مراكز الرأسمالية بالإنتاج الرأسمالي السلعي، أما اليوم فإننا نرى جفاف هذه الأسواق من السلع الرأسمالية واستغراقها في إنتاج الخدمات غير الرأسمالية وهو ما انعكس في الأزمة المالية الماثلة حيث افترضت السلطات المعنية أن الخدمات تصنع الثروة كما السلع بل فضلتها على السلع وفرضت مبادلة جائرة جداً مع السلع. الطبقة الوسطى حيثما كانت استهلكت فيضاً من السلع دون مقابل أو دون بدل عادل على أقل تقدير. الأزمة الماثلة هي المعاكس تماماً لأزمة الرأسمالية، الموضوعة الرئيسة في البيان الشيوعي.


قلت أن راهنية البيان الشيوعي لن تعود من جديد وذلك لأن الرأسمالية لن تُبعث من جديد. والذين يقولون أن العولمة هي تجديد لحيوية النظام الرأسمالي، هم لا يفقهون شرطاً واحداً من شروط نظام الإنتاج الرأسمالي. لو عرفوا أن الشرط القومي هو شرط أساسي من شروط النظام الرأسمالي، فالجيش القومي أداة رئيسية من أدوات النظام الرأسمالي تعمل على تأمين الأسواق الخارجية لفائض الإنتاج وحيث الشرطة القومية أداة رئيسية أخرى لقمع البروليتاريا، لو عرفوا ذلك لأدركوا تماماً أن حركة العولمة إنما هي حركة انهيار الرأسمالية.


تحدث البيان الشيوعي عن الصراع بين الرأسماليين من جهة والعمال البروليتاريا من جهة أخرى وقال بأن البروليتاريا ستحسم الصراع لصالحها. لم ينتهِ الصراع إلى الحسم بعد أن ظل صراعاً متعادلاً لقرن طويل، خلافاً لما كان قد قرر المانيفستو، فكان أن تلاشت طبقة الرأسماليين وانزوت فلول طبقة البروليتاريا فيما وراء الكواليس وغاب تماماً شبح الثورة الإشتراكية من كل أفق. العالم اليوم في انتظار أن تتعرّف البروليتاريا على وسائل الصراع ضد الطبقة الوسطى. لذلك، الماركسيون الحقيقيون الذين استرشدوا على الدوام بهدي المانيفستو مدعوون اليوم لأن يهبوا إلى البحث الكثيف المتصل بكل جهودهم عن كل أدوات الصراع التي ستستخدمها البروليتاريا ضد الطبقة الوسطى المتغولة والتي تدفع بالعالم إلى الدمار التام. الخيار الذي طرحه الكثيرون القائل : quot; الاشتراكية أو الدمار quot; قد غدا خياراً أوحداً يقول : quot; الشيوعية أو الدمار quot; إذ بعد محو الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، لن يكون هناك على الجدول أي طبقة أخرى للمحو.


قال البيان الشيوعي أن طبقة الرأسماليين ستنقرض وقد انقرضت فعلا جرّاء تداعيات مشروع لينين في الإتحاد السوفياتي، لكن ذلك لم يفض إلى العبور الإشتراكي بسبب ظروف استجدت على المشروع اللينيني. لعل البشرية تستغني عن مثل هذا العبور المشروط بدولة دكتاتورية البروليتاريا لتصل إلى الشيوعية مباشرة لكن ذلك لن يتحقق قبل إعادة وسيلة الإنتاج الجمعي البروليتاري إلى أفضل مما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي، وهذا بالطبع هو أصعب الواجبات التي يطرحها التاريخ على البشرية. وسائل الإنتاج المتهالكة اليوم في طول العالم وعرضه تفرض على الشيوعيين الحقيقيقيين الذين استناروا بمانيفستو ماركس وإنجلز أن يهبوا إلى إنقاذ العالم من التهلكة الحقيقية قبل فوات الأوان.


فـؤاد النمـري

www.geocities.com/fuadnimri01