رغم التصريحات المعلنة من اغلب الكتل السياسية بتأييد نظام القائمة المفتوحة، إلا البرلمان يفشل المرة تل والأخرى في تعديل قانون الانتخابات لصالح هذه النظام الذي حاز على تأييد شعبي عريض بالإضافة إلى تأييد المرجعية الدينية، كونه أفضل الخيارات التي تمكن الناخب من اختيار ممثليه بدقة ومرونة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن السبب وراء هذا الفشل المتكرر، وهل يخفي خلفه نوعا من المراوغة التي قد تمارسها بعض الكتل السياسية لإغراض وأهداف معينة، عندما تعلن رغبتها في التعديل لكنها في قرارة ذاتها تؤيد الإبقاء على القانون القديم بل وتعمل على ذلك بالسر لأنه يخدم الكثير من تطلعاتها.


فليس سرا أن معظم الكتل السياسية أيدت في السابق خيار القائمة المغلقة بل وسارت عليه في انتخاباتها السابقة، التي جاءت بأشخاص لم يكن بالإمكان حصولهم على أصوات كثيرة دون اعتماد هذا الخيار، وكان بالإمكان الاستمرار في هذا الخيار بل وتجاهل شتى الضغوط الشعبية التي تريد استبداله، لولا أن وقفت المرجعية موقفا صلبا وأيدت موقف غالبية الشعب العراقي في اختياره للقائمة المفتوحة، الأمر الذي سحب البساط من اغلب القوى التي أرادت تجاهل المطالب الشعبية والمضي قدما في اعتماد الخيار القديم انطلاقا من استهانتها بالقرار الشعبي، لكن على ما يبدوا فان هذه القوى لم تستسلم بعد، فهي ما زالت تراهن على بعض الذرائع لتكون طوع بنانها في الالتفاف على قرار الشعب المؤيد من المرجعية، فقد طفحت على السطح ذريعة كركوك لتكون عذر هذه القوى في عدم اختيارها للقائمة المفتوحة، بحجة أن الأطراف المختلفة لم تستطع التوافق على وضع كركوك في القانون الجديد، والمثير في الأمر أن وضع كركوك ليست له علاقة باختيار أيا من القائمتين، فهو لا يعدوا أن يكون موضوع مساومة لا أكثر، لان القوى التي تثيره لا تستفيد كثيرا من البقاء على خيار القائمة المغلقة الذي له علاقة فقط بالشخصيات المتنفذة ورغبتها في الاستئثار بالمناصب على حساب الآخرين، مستفيدة مما تملكه من أموال ونفوذ حازته من خلال مشاركتها السابقة في العملية السياسية.


وبالتالي فان الصراع بين مؤيدي القائمتين هو في حقيقته صراع بين مجموعة تريد أن تستأثر بالامتيازات ومجموعة تريد أن تشاركها فيها، هذا إذا ما تغاضينا عن الأهمية المستقبلية لنظام القائمة المفتوحة وما تقدمه من ضمانات لنجاح الممارسة الديمقراطية، فهو نظام يوسع من أفق العملية السياسية ويساهم في تطويرها إلى الأفضل، بعد أن يفتح شهية الناس للانتخابات ويحرك المرشحين لتقديم أفضل العروض الممكنة لتكون أمام أعين الناخبين عند قيامهم باختيار مرشحيهم، وبالتأكيد فان فشل التوافق على رأي بشان الانتخابات سوف يعيد الأمر إلى المربع الأول، لان خيار القائمة المغلقة سوف لن يعرض مصداقية القوى السياسية للخطر وحسب بل سيجعلها على الضد من إرادة الشعب، الأمر الذي ستكون عواقبه وخيمة على عموم العملية السياسية وواقع البلد بشكل عام.


لكن الخاسر في كل هذا لن يكون الواقع الديمقراطي وحسب، وإنما كل القوى التي تنفذت من خلاله ووصلت إلى ما وصلت إليه من خلال إرادة الشعب العراقي، فالمفارقة أن يدير هؤلاء أظهرهم للشعب العراقي بعد أن ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من خلاله، فقضية كركوك لا يمكن أن تكون ذريعة مناسبة للإبقاء على القانون القديم، لأنها بالأساس قضية ملتبسة ولا يمكن حلها بالاستناد إلى رغبة من هذا وتنازل من ذاك، إنما تحتاج إلى شعور وقناعة من مجمل القوى المتنازعة على أهمية الوصول إلى حل لهذه القضية الكبيرة، لان أي حل هو في مصلحة الجميع لا سيما إذا انطلق من رؤى سليمة وواقعية.
وبالتالي من الخطأ اعتمادها كورقة ضغط في موضوع هام كموضوع الانتخابات، يشكل في الواقع العمود الفقري للعملية السياسية برمتها ولن تكون قضية كركوك شيئا بإزائه.