في فترة رئاسته الاولى أجاب الرئيس حسني مبارك عن سؤال لكبير المعلقين السياسيين في محطة سي بي إس التليفزيونية الامريكية، كان السؤال عمَّا يريد بالضبط من واشنطن؟ ورد الرئيس قائلاً: إنه يريد الدعم ليس أكثر, الآن وبعد مرور خمس ولايات متتالية على وجوده في السلطة، فإن مبارك الأب يريد الدعم لمبارك الابن، وبالرغم من أن الرئيس يقول دائماً إنَّ طرح نجله كخليفة محتمل غير موجود سوى في ذهن المعارضة، فإنَّ كلامه لا يعكس الواقع، فمبارك يرى أن نجله هو الأصلح لتولي السلطة بعد أن صرح في السابق بأنه لم يعثر في مصر كلها على شخص يصلح نائباً له وهذا يفسر عدم تعيينه نائباً له حتى الآن.


ومهما يُقال عن أن الرئيس الأب غير متحمس لأن يتولى الابن السلطة فإن كل الشواهد تؤكد أن هذا الكلام غير صحيح، وأن الابن يشارك بالفعل في الحكم منذ توليه منصب رئيس لجنة السياسات ثم أمين عام مساعد الحزب الوطني الحاكم، وهذا الامر لم يبدأ من فراغ بل تدرج في مراحل عدة، والبداية كانت إنشاء جمعية جيل المستقبل عام 1998 ومقرها جامعة القاهرة للايحاء بأن المجتمع المدني هو منطلق جمال لممارسة دوره المرسوم, ثم انضمامه للحزب الحاكم عام 2000 وتشكيل لجنة السياسات واختيار عناصر من النخبة تقود حركة الاصلاح داخل الحزب الوطني فيما سمي بالفكر الجديد.


المرحلة الحاسمة في هذا المشهد المأساوي كانت اجراء تعديلات دستورية سمحت بانتخاب رئيس الجمهورية من بين عدة مرشحين، ليلعب مبارك الابن دوراً بارزاً في قيادة حملة والده الانتخابية، وليصعد في سلم القيادة، ليصبح أميناً مساعداً لرئيس الحزب الوطني، ثم عضواً في الهيئة العليا للحزب الحاكم وتصبح كل الفرص متاحة أمامه حين يقرر الحزب الحاكم ترشيح جمال في انتخابات عام 2011 حين تنتهي فترة ولاية مبارك الأب.


وهذه الفرص المتاحة لن يستفيد منها سوى مبارك الابن والسبب واضح وهو أنه ليس من السهل ـ حسب النص الحالي للمادة 76 من الدستور التي تم تعديلها مرتين ـ على أحد الترشح وليس لأحد الحق في الترشح سوى القيادات الحزبية وبشروط تعجيزية تجعل من الصعب على أي من تلك القيادات أو حتى الشخصيات المستقلة أن تخوض غمار معركة الداخل فيها مفقود لا محالة.


بالنسبة لمرشحي الأحزاب السياسية، فيجب أن تتوافر فيهم شروط من بينها.. أن يكون مضي على تأسيس الحزب خمسة أعوام متتالية قبل إعلان فتح باب الترشيح، وأن يكون الحزب طوال هذه السنوات الخمس قد مارس دوره دون توقف، وأن يكون لديه ثلاثة في المئة من مجموع مقاعد الناخبين في مجلسي الشعب والشورى، وأن يكون المرشح عضو في الهيئة العليا للحزب وأمضي سنة كاملة على الأقل.


لكن يبدو أن ترزية المادة 76 قد أدركوا أن شرط الحصول على ثلاثة في المئة لا ينطبق إلا على الحزب الوطني، لذلك تضمنت المادة استثناء يسمح لكل حزب حصل على مقعد واحد على الأقل في أي من المجلسين أن يتقدم بمرشح للرئاسة، وهو استثناء يسري فقط لعشر سنوات ابتداء من 2007 أي حتى عام 2017، لذلك بامكان الدولة التدخل وتجميد نشاط أي حزب خلال السنوات التي تسبق باب الترشيح والشاهد على ذلك ما حدث مع حزب الغد الأمر الذي يجعل الترشيح قاصراً فقط على مرشحي الحزب الوطني.
أما المرشحون المستقلون، فيجب على أي مرشح الحصول على تأييد مائتين وخمسين عضواً على الاقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية بالمحافظات، وألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين عضواً من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين عضواً من أعضاء مجلس الشورى وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبي محلي للمحافظة من بين أربعة عشر محافظة على الأقل، وزاد الامر تعقيداً، حين حظر المشرع منع التأييد لأكثر من مرشح، الأمر الذي يستحيل معه، لأي شخص أن يتقدم للترشيح لمنصب الرئاسية إلا بموافقة الحزب الوطني.


وإذا نظرنا إلى خريطة الأحزاب في مصر نجد أن هناك أربعة وعشرين حزباً، نشأت قبل عام 2007 يحق لها أن تتقدم بمرشح لانتخابات الرئاسة باستثناء حزب الغد، الذي تعرض للتجميد وحزب الجبهة الديمقراطية الذي نشأ عام 2007 أي أنه لن يكون قد أكمل خمس سنوات على تأسيسه عام 2011، فضلاً عن أن هذه الأحزاب ليس لها حضور جماهيري في الشارع وخلافاتها والصراع الزائف بين أعضائها على صفحات الصحف من المضحكات المبكيات، وليس لها تمثيل نيابي في البرلمان، وهو ما يجعل الغلبة للحزب الوطني ويؤكد في الوقت نفسه أن التعديلات الدستورية ستحمل جمال مبارك إلى سدة الحكم.


كما أن التغييرات الاقتصادية والبيع العشوائي لمؤسسات القطاع العام تسير في نفس الاتجاه، وهو ما يحمل خطراً كبيراً، لأن المال هو الذي سيحكم وليس مبارك الابن الذي سيكون مجرد صورة لخليط من رجال أعمال أثروا على حساب الشعب وجمعوا المليارات خلال فترة حكم الرئيس مبارك، من خلال المضاربة في أسواق العقارات والبورصة، كما أن معظمهم وكلاء لشركات دولية.


هذه الطبقة تدرك أن مصالحها مرتبطة بالنظام الحاكم وأن أي تغيير جذري في هيكل النظام قد يلحق الضرر الفادح بمصالحها، لذا سيكون مبارك الابن المنقذ لها للحفاظ على الامتيازات التي تتمتع بها، وليس المخلص لما تعانيه مصر من تردي في كافة المجالات، كما أن مثقفي السلطة مستعدون لتقديم جمال للرأي العام في أبهى صورة.
إنني كمواطن مصري، أتمنى فرصاً حقيقية للوصول إلى الرئاسة، لكل من يتقدم للترشيح، تماماً كما هي فرصة جمال مبارك، وأن يكون الرئيس المقبل لمصر سواء أكان جمال مبارك أم غيره، تعبيراً عن إرادة شعبية حقيقية في انتخابات حرة نزيهة، وأن يكون هذا الرئيس قادراً على إحداث التغيير الشامل والنهوص بمصر إلى المكانة التي تستحقها على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية.

فؤاد التوني
إعلامي مصري