سمعت ذات يوم احد معارفي من المسنين وهو يسخر من إجراءات الأمن التي تتخذ لوقف أعمال العنف الجارية في بعض أنحاء البلد معتبرا أن ذلك لا يجدي نفعا لأنه مشروط بإرادة الله تعالى قائلا : متى ما نتوكل على الله يشيع الأمن بيننا ولا نحتاج بعد ذلك لدور أجهزة الأمن.


تذكرت هذا الكلام وأنا استمع إلى الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام عن يوم دموي جديد في بغداد فالتفجيرات مازالت حاضرة رغم إجراءات الحكومة السياسية والأمنية المخصصة لتحقيق الأمن ومما يبدو فان خطة فرض القانون لم تحقق الكثير مما رسمته لنفسها لان القانون مازال ينتهك في جهات كثيرة من بغداد فما حصل من تقلص في أعمال العنف يبدوا أن له علاقة بتوقف بعض الجهات عن العمل المسلح أكثر من كونه نتيجة للنشاطات الأمنية للحكومة وخطة فرض القانون مع أننا لا نجادل على الجهود المخلصة التي تضع في حسبانها تامين مصلحة الوطن وتنفيذ الواجب على أكمل وجه وهي جهود يمكن تلمسها في أكثر من مكان وموقف فما نريد أن نشير إليه هنا هو ذلك الجزء الهامد من عقلنا الأمني الذي جعل إجراءاتنا الأمنية عقيمة وفعالياتنا التعبوية قاصرة عن إدراك المنشود.


فما يحصل في بغداد وجهات أخرى من البلد له علاقة بأكثر من عامل وليس بعامل واحد وحسب فإضافة إلى وجود جهات إرهابية مخربة ودول راعية للإرهاب وثقافة متعصبة مترهلة هناك الخدر واللامبالاة وسوء التعاطي مع المشاكل الأمنية إضافة إلى الفساد الذي يشيع في الكثير من مرافق الدولة مع انحسار ملحوظ في مستوى الجدية والحزم بحيث تشكل هذه العوامل أسباب محركة للعنف وعوامل مغذية له لان وجود القتلة والمجرمين مع ثقافة مترهلة ومتعصبة لا يكفي وحده لإثارة هذا الحجم من العنف ما لم تكن هناك عوامل ساندة وأسباب محركة وإلا لشهدنا مثل ذلك في أماكن أخرى من العالم وبالذات في المناطق التي تنتشر فيها أيدلوجيات التطرف والتعصب كما هو الحال في الكثير من بلدان منطقتنا.


فالذي يزيد من حجم العنف وشدة الإرهاب يرتبط على الأرجح أو بشكل أساس بالظروف التعبوية والأمنية وليس بشكل خالص بالعوامل الثقافية المغذية بدليل أن العراق كان حاضنا منذ القدم لهذا النوع من الثقافة لكنه لم يشهد هذا الكم الهائل من العنف إلا بعد التغيير وخلال فترة التسيب الأمني ما يشير صراحة إلى تأثير العوامل التعبوية في استفحاله.
وبالتالي ليس علينا إلا أن نتخذ احد أمرين إما أن نشدد على العوامل التعبوية والأمنية لتكون البند الأول في حملتنا الأمنية وجهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة أو نترك العنف يفتك بالناس على أمل أن يشملنا الله برحمته وينقذنا منه بقدرته الخالصة فقد نكون بحاجة إلى أن نلمس التغيير في عقولنا قبل أن نلمسه في الفعاليات والإجراءات الميدانية لان ذلك أجدى وانفع وهو أمر قد يحتاج على رأي صاحبنا المسن إلى قدرة فوق قدرة البشر..!