في الاسبوع الماضي كانت قاعة البرلمان التركي مسرحاً للمناقشات الصاخبة والتي وصلت أحيانا الى حد التشابك بالأيدي وذلك خلال طرح موضوع quot;حل القضية الكرديةquot; في تركيا. مندوب حزب العدالة والتنمية الحاكم كررأقوال السيد رجب طيب اردوغان: كفى....آن الأوان للتصالح...لا للقتال وسفك الدماء...ومن الآن فصاعداً لن تبكي الأمهات أولادهن....الخ.

أونر أيمنquot;Onur Ouml;ymenquot;نائب رئيس الحزب الجمهوري CHP، الحزب وريث الكماليةquot;Kemalizmquot;، كان رده quot;ألم تبكي الأمهات عند القضاء على ثورة الشيخ سعيد 1925 وثورة ديرسم في 1937...هل طلب أحد من اتاتورك وقف العمليات حتى لا تبكي الأمهات؟quot;.

ومن هنا بدأت العاصفة والتي تبدو أنها لن تهدأ بسهولة....

الدولة التركية بذلت المستحيل من اجل عدم فتح هذا الملف والاطلاع على التاريخ البشع لتلك المجازرالتي إقترفتها بحق الكرد حينها، وخاصة مجازرالإبادة في ديرسم والتي أُبيد فيها 95 ألف من العلويين الكرد المدنيين عن بكرة أبيهم وبوحشية قل مثيلها، حيث بقرت فيها بطون الحوامل وسويت المدينة بالأرض. حوالى ألف من الأطفال الذين هربوا جمعتهم السلطات في محطة مدينة أرزينجان وُرحِلوا بالقطارات الى أماكن بعيدة في الأناضول وحتى الآن لم يتمكن أقارب الضحايا من الحصول إلا على آثارعشرين فردا منهم وذلك من خلال جمعيات إنسانية كرست عملها لإقتفاء آثارهؤلاء الأطفال اليتامى المشردين {هم الآن في سن السبعين} ضحايا المجزرة. كل ذلك حدث بأوامروتخطيط مباشرمن اتاتورك بالذات.

العلويون هم قاعدة إنتخابية عريضة لا يستهان بها للحزب الجمهوري منذ أيام اتاتورك وحتى الآن وذلك بسبب تبني الحزب مبدأ العلمانية، حيث يحدوا العلويين الأمل التخلص من الظلم الذي مارسه العثمانيون السنة عليهم لمدة قرون، بالرغم من المصائب التي لاقوها على أيدي الكماليين أيضاً.

العلويون الكرد غاضبون ويبدوا أنهم سيتركون هذا الحزب الذي فتح جروحهم العميقة، وإذا حدث ذلك فقد يكون من الصعب وصول الحزب الى البرلمان في عام 2011 والمثير هنا هو أن حزب السيد اردوغان إنفتح على العلويين وسمح لهم بفتح دور العبادة الخاصة بهم لممارسة عقائدهم وبحرية ولأول مرة في تاريخ تركيا.

تفسير كلام أويمن، وكما ورد في الصحافة الليبرالية، هو أن حل القضية الكردية لا يتم إلا بالقيام بمجازرجديدة ضد الكرد، على غرار ما حدث في ديرسم، بدلاً من الحملة السلمية الجادة من قبل الحكومة الحالية. وهذا بالذات الذي دفع بالصحافة ومنظمات المجتمع المدني الى فتح ملفات تلك المجازر. البعض شبه أويمن بـquot; آيخمانquot; النازي صاحب المجازرضد اليهود، وألصقت صورأويمن وهو بشوارب هتلرية في كل شوارع ديرسم والتي بُدِلتْ إسمها الى quot;تونجلي Tunjeliquot; عام 1935في عهد اتاتورك.

الكاتب والمفكرأحمد آلتان كتب متسائلاً: quot;هل كان اتاتورك فاشياً؟، ثم يستمر ويقول: في الحقيقة لم نكن نريد أنquot; ننبشquot; في تاريخ اتاتورك، وكنا نود الحفاظ على صورته التي كانت في الأذهان {ساخراً} أيquot;ذلك الأشقرذو العيون الزرقاء والجنتلمن صاحب القلب الطيبquot;، إلا أن الكماليين، الذين فقدوا صوابهم منذ وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم وكعادتهم يحشرون اتاتورك بمناسبة وغير مناسبة في جميع المعارك السياسية ليجعلوا منه ترساً يختبئون وراءه. ولكنهم بفعلتهم تلك يُدْخِلونْ اتاتورك في مرمى النيران، ويضطر المرء الى قول الحقيقة وهي: نعم ما حدث في ديرسم كانت إبادة quot;جينوسيدquot;وبأسلوب همجي تقشعر له الأبدانquot;.

أما الصحفي الشهير طه آكيولquot;Taha Akyolquot; والذي كان سابقاً قيادياً في الحزب العنصري MHP وكمالياً حتى العظم ولمدة عقود{الآن ليبرالي متذبذب} فيقول: quot;اتاتورك كان رجلاً دموياً، لا يؤمن بالديمقراطية ولابالحرية وهو الذي خلق عبادة الفرد في تركياquot;.

رئيس الحكومة السيد اردوغان قال حرفياً: ما حصل في ديرسم كانت إبادة وحشية وهي نقطة سوداء في تاريخنا، ومن يفتخربهذه المجزرة ليست لديه ذرة من الإنسانية.

الصحافة التركية لاتزال تنشرغسيل اتاتورك والتاريخ الدموي لتركيا في عهده.

لننهي الحديث بما قاله إحسان صبري جاغلايانغلquot;Chaglayangilquot; الذي كان رئيس الأمن في مدينة آلعزيز{المدينة الجارة لديرسم} أثناء إنتفاضة ديرسم، وأصبح فيما بعد وزيراً للخارجة ولسنوات عديدة في الستينات: quot;اتاتورك كان يشرف على الحملة العسكرية شخصياً. لقد تم إستعمال الغاز السام وكان الأهالي يموتون كالفئرانquot;. ثم يكمل الحديث عن كيفية إعدام الشيخ سيد رضا قائد الإنتفاضة ويقول: quot;في كل ميدان في المدينة تم إقامة أربعة منصات للإعدام. الأوامر كانت تنص على إعدام كل فرد على حدة وأن لا يشاهدوا بعضهم. كان معنا الواليquot;المحافظquot; وجلاد من الغجر. الجلاد طلب ليرة واحدة لكل حالة إعدام، قبلنا طلبه. في الساعة الثانية عشرة منتصف الليل ذهبنا الى السجن. أخذنا السجناء الى المحكمة. لم يكونوا يفهمون اللغة التركية. صدرحكم الإعدام بحق سبعة منهم. الحاكم نطق بالحكم quot;تنفيذ عقوبة الموتquot;دون ذكر لفظة quot;إعدامquot; التي تستعمل في التركية أيضاً. الضحايا قالوا فيما بينهم quot;ليس هناك حكم الإعدامquot; وإستبشروا خيراً. أخذنا سيد رضا معنا بسيارة الجيب العسكرية. بعد قليل وصلنا الى الميدان.عندما شاهد منصات الإعدام عرف الشيخ بما يجري، وقال: ستعدموننا...ثم ألتفت الي قائلاً: هل أنت أتيت من أنقرة لتنفيد حكم الإعدام؟.....تبادلنا النظرات.....هذه أول مرة في حياتي أقف فيها وجهاً لوجه مع شخص في طريقه الى الإعدام......وإبتسم الشيخ ساخراً مني. في هذه الأثناء كان يتم تنفيذ الإعدام بشخص آخر في الميدان ولكن الحبل قد إنقطع مرتين وطال الوقت. وحتى لا يرى سيد رضا ذلك وقفت أمام نافذة السيارة. جاء دور سيد رضا وأخرجناه الى الميدان. كان الجو بارداً والميدان خالٍ تماماً، لا أحد هناك. ولكن الشيخ بدأ يخطب وكأن الميدان مكتظ بالبشر وقال:
quot;نحن أولاد كربلاء، بلا خطايا، هذا ظلم، هذه جريمةquot;{بكلمات كردية تركية} إقشعر جسدي كله ووقف شعر جلدي كله.... بدأ هذا الرجل الكهل يمشي الى منصة الإعدام طب... طب.. طبquot;TAP..TAP..TAPquot; {واصفاً وقع صدى قدميه على الأرض وهي ترجمة حرفية للراوي وزير االخارجية الأسبق} لا يلوي على شيء... دفع بالجلاد الغجري جانباُ........علق الحبل على عنقه........ثم ضرب الكرسي بقدمه......وأعدم نفسه بنفسه....... كان من الصعب علي أن أتألم لهذا الرجل الذي قتل ضباطاً أتراكاً...ولكني لم أستطع كبح شعوري بإحترام هذه الجرأة الخارقة لهذا الرجل المسن....إضطربت حالتي النفسية...وطلبت من المرافق نقلي الى الفندق فوراً....quot;.

هذه هي رواية الجلاد.....تصوروا ما حدث على أرض الواقع إذن.

[email protected]