quot;مع شديد احترامى وتقديري للأحزاب السياسية المصرية أنا رجل مستقل، ولا أستطيع أن أخوض الانتخابات إلا كمستقل.. أنا رجل قانون، والقانوني لا يدخل منافسة أو عملية سياسية في إطار يفتقد الشرعيةquot;.


quot;المسألة ليست موقفي الشخصي، فالتغيير لابد أن يتم بإرادة شعبية جماعية في إطار سلمى ومتحضر، وأنا مستعد للتحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور (هشتغل مع الناس) وإذا استطاع الشعب أن يغير الدستور سأكون في خدمتهquot;
بهذه التصريحات التي أدلى بها لجريدة المصري اليوم، حسم المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجدال الذي يشغل الأحزاب المصرية، والتي تباينت ردود فعلها بين من طالب بضمه، ومن رفض ذلك، فاستبعد الرجل أن يخوض الانتخابات الرئاسية من خلال الأحزاب، وقال إنه يفضل أن يخوضها كمستقل وهو يعلم أن هذا الأمر مستحيل في ظل الدستور الحالي.


البرادعي إذن رمى الكره في ملعب الجماهير المصرية التي رشحته، ورأت فيه الأمل في التغيير، وقال إنه مستعد للعمل مع الناس لإحداث التغيير عبر إرادة شعبية جماعية في إطار سلمي، مشيرا إلى انه إذا استطاع الشعب المصري أن يغير الدستور سيكون في خدمته، وإذا فشل فسيظل على موقفه حتى النهاية، وسيخدم وطنه في أي موقع.
وأقول للبرادعي إنه يكفي أن تعود إلى وطنك، وتخوض التجربة، وتشارك الشعب معركته من اجل التغيير، متحملا جميع العوائق التي تعترض طريقك، واضعاً في اعتبارك أن الشروط التي تطالب بها للترشيح لن تتحقق، لذلك خض التجربة كمستقل، في ظل الدستور الحالي، وعندما يراك العالم تصارع من اجل استيفاء الشروط كمستقل بالحصول على تأييد مائتين وخمسين عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى، والمجالس المحلية للمحافظات حينئذ ستقدم دليلا واقعيا على أن التعييرات الدستورية الأخيرة مفصلة على مرشح بعينه، وهذا ما يكشف عورات الدستور، وقتها حاول أن تشارك في صنع التغيير بالانضمام إلى القوى الوطنية الجادة لحلحلة هذا النظام، والخروج من النفق المظلم وهذا بحد ذاته سيكون مكسبا كبيرا.


واعتقد أن الترشيح كمستقل خطوة إيجابية على الطريق الصحيح، لأنه يرمي بحجر في الحياة السياسية الراكدة في مصر، على الرغم من أن قادة الأحزاب يرون في تصريحاته تسفيهاً لجهود الأحزاب القائمة، والمعارك الشرسة التي خاضتها من أجل الحصول على مكاسب.
والمراقب للخريطة الحزبية في مصر، يجد أربعة وعشرين حزبا، نشأت قبل عام ألفين وسبعة، ويحق لها التقدم بمرشح لانتخابات الرئاسة، باستثناء حزب الغد الذي تعرض للتجميد، وحزب الجبهة الديمقراطية الذي نشأ عام 2007، وبالتالي لن يكون بإمكانه تقديم مرشح لأنه لن يكون قد مضي خمس سنوات على تأسيسه عام 20011 موعد انتخابات الرئاسة.


ولا يخفى على احد أن هذه الأحزاب ليس لها حضور جماهيري في الشارع المصري، وليس لها تمثيل نيابي في البرلمان، وأعضاء هذه الأحزاب في صراع على زعامة وهمية، والاتهامات المتبادلة بينها وبين الحكومة متواصلة، فالحكومة ترى أن هذه الأحزاب تثري التجربة الديمقراطية، وأحزاب المعارضة تتهم الحكومة باستغلال قانون الطوارىء في منعها من التلاحم مع الجماهير.


وما بين هذه الاتهامات، يعزو كثيرون تعثر التجربة الحزبية إلى الحكومة والمعارضة معا، فالأولى متمسكة بالقوانين الاستثنائية ولا تسمح بتداول السلطة، والثانية لا تهتم بطرح برامج سياسية تقنع الجماهير للالتفاف حولها، فأصبحت هذه الأحزاب مجرد ديكور لتجميل النظام السياسي، وسط عزوف الجماهير المصرية عن المشاركة في الحياة السياسية، والإحساس بالاغتراب لدى فئات واسعة من المجتمع المصري خاصة الشباب الذين ظهر لهم البرادعي كأمل في التغيير.


إن الحملة التي يتعرض لها البرادعي من جانب رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف الحكومية، تكشف مدى الجرم الذي يرتكبه هؤلاء في حق مصر، لأنهم يحجرون على حق المصريين في اختيار رئيس من بين مرشحين حقيقيين، ويوجهون في نفس الوقت رسالة لكل من تسول له نفسه الإقدام على مثل هذه الخطوة، كما أن من شأن هذا الهجوم أن يزيد الإحباط واليأس بين من يعيشون على التراب المصري، سواء من يحكمون، ومن يحلمون بالحكم، من يدعون إلى الاستمرار، ومن ينادون بالتغيير.


ومن الواضح أن الشخص الوحيد الذي لم يصبه اليأس هو الرئيس مبارك، لأنه لا يزال قادرا على التحرك، وهو صاحب التعديلات الدستورية، التي أطلقها في فبراير عام 2005، وهو أيضا الوحيد القادر على القيام بمبادرة أخرى لتصحيح المسار قبل انتخابات 2011، لتغيير المادتين 76 و77 من الدستور والمواد الأخرى التي تعطي صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية، فهل يفعلها الرئيس ويجدد لشعبه وأمته الأمل في بناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يليق بمصر في القرن الحادي والعشرين؟


إعلامي مصري