بعد كل عملية تفجير مروعة يخرج علينا المسؤولين السياسيين والأمنيين مع مدراء مكاتبهم الإعلامية وبالتعاون مع وسائل الإعلام الحكومية وشبه الحكومية وما بينهما، وربما الكثير من الكتاب والمحللين بإطلاق لفظة اليوم الأسود على تلك العملية للإيحاء بأنها مروعة وأن أيامنا كلها ناصعة البياض باستثناء هذه الأيام الموصوفة بالسواد حصريا والتي يذهب ضحيتها دوما وأبدا الأبرياء من الناس الذين لا ناقة لهم ولا جمل لا بالاحتلال ولا بالتحرير، حتى ولو كانت تلك العملية المروعة في قلب المنطقة الخضراء فهي بقدرة قادر لن تستهدف إلا أولئك البسطاء والأبرياء ممن لا علاقة لهم بالدولة إلا كمواطنين قرر الإرهاب وملحقاته ( المندحسة/ المندسة ) هنا وهناك بين طيات وزارتي الدفاع والداخلية ومجالس المحافظات وإداراتها ومستشاريها، الذين قرروا أن يغتالوا ويبعثروا جسد هذا البريء اشلاءا متناثرة في كل العراق من الموصل حتى تخوم رأس البيشة في أقصى الجنوب.


والغريب إن هذه الأيام السوداء وبالذات السلسلة التي بدأت بوزارة الخارجية ويوم احدها الأسود ومن ثم كالح السواد الأخير في الثلاثاء الماضي الذي استهدف المالية والمحكمة وما بينهما، تمتاز بليال ملاح يتمتع فيها ( الرفاق ) من الرجال الملثمين و( المجاهدين ) الذين يمرحون في عاصمتنا ليل نهار، وفي موصلنا بمحافظة نينوى التي يحكمونها من داخل عربات القطار المنتشرة في أرجاء المدينة تحت مظلة الديمقراطية ومباركة البعض في بغداد على خلفية عدو عدوك صديقك، ولديهم كما صرح أخيرا رئيس الوزراء الاتحادي نوري المالكي في مجلس النواب أثناء استضافة أو استجواب القادة الأمنيين، مصانع لصناعة العبوات اللاصقة والمؤقتة وما يلحق هذه المصانع من إدارات وعاملين وشؤون أفراد وحراسات وصادرة وواردة عبر حدودنا مع الشقيقة سوريا ومنفذنا التحفة في ربيعة، بل إن معظم المستشارين هناك هم من كبار ضباط الحرس الجمهوري والتصنيع العسكري والاستخبارات العسكرية العامة أيام الرئيس الضرورة، وكما قيل أنهم يفخخون سياراتهم في مآرب الأهداف أو ليس عنها ببعيد من أوكار لا يعرفها إلا الذين حكموا هذه البلاد أربعون عاما ويعرفون أين يختبئ الهاربون من انكشارية الجيش الشعبي ورفاق العقيدة والسلاح من العسس المعروفين بدرايتهم المتميزة بالأزقة والدهاليز والزوايا المظلمة.
ليس غريبا أن يحدث كل هذا وربما سيحدث الأكثر حدة وبشاعة طالما إنهم يتناحرون في ما بينهم على المال والسلطة و ( يتلكلكون ) لهذا الشيخ أو لتلك العشيرة من أجل مقعد في مجلس النواب أو جيب في قرية أو مدينة لمنافسة فلان أو علان على الجاه والمال والنفوذ بعيدا عن الوطن وجروحه وآهات سكانه، بينما ينهمك أولئك الذين يديرون عجلة الإرهاب وتدمير العراق وفرض الإتاوات في الموصل وبغداد والانبار ومصافي الشمال حيثما يتدفق النفط ومنتجاته والمواد الغذائية وأسطول نقلها لإدامة مصروفات ومرتبات ومصانع العبوات والعاملين في معامل التفخيخ للــ ( المقاومين الأشاوس )، كما أوصاهم رئيسهم ذات يوم غابر، من الدهاليز والزوايا المظلمة والجيوب التي أنشأوها في أجهزة الأمن والدفاع ومجلس النواب ومجالس المحافظات وإداراتها.


حقيقة إن الأيام السوداء تزداد يوما بعد آخر ليس من خلال ما يتم تنفيذه من عمليات كبيرة للإبادة الجماعية وتدمير مباني الوزارات، بل من خلال عملية الاختراق الكبيرة لأهم أجهزة الدولة والبرلمان من قبل بقايا أو مؤيدي النظام السابق أو الانتهازيين والمنافقين ممن يلعبون على كل الحبال ورجال الفساد والإفساد الذين يعملون على تعطيل الدستور تارة بالتعديلات وأخرى بالتسويف في تنفيذ مواده وقوانينه الغاية في الأهمية للانتقال بالعراق إلى بر ألامان وتصفية ذلك الموروث الثقيل من عقود الدكتاتورية السوداء.


[email protected]