بدايةً، أود أن احييّ الابطال الشرفاء نواب حزب المجتمع الديمقراطي ممثلي الشعب الكردستاني الأبي في السياسة الرسمية بتركيا على موقفهم المشرف الذي ابدوه في وجه العقلية الفاشية والشوفينية للدولة التركية. لقد كان قرار انسحابهم الفعلي والرسمي من المجلس التركي موقفاً يُنتظرُ منهم. مما نعرف عنهم، وما رأيناه من مواقفهم المبدئية التي أبدوها عبر نضالهم السياسي الديمقراطي، خلال هاتين السنتين المنصرميتن من بقائهم تحت قبة البرلمان التركي.

بعد الكثير من الأقاويل و الزوبعة الإعلامية التي أثارتها حكومة العدالة والتنمية، وبطلها رجب طيب أردوغان، حول الانفتاح الكردي و حل المسألة الكردية بالسبل الديمقراطية والسلمية. حيث رأينا تصفيقاً من هنا، وهتافات لهم من هنالك. ولم يبخل بعض من كتابنا الكرد وأشباه المثقفين ومسخ السياسيين الكرد المرتزقة بالترويج للتمثيلية الأردوغانية الرديئة التي لم تجتاز سوى أقاويل لترتقي مستوى التفعيل والقانوني والسياسي.

الحكومة التركية كانت تثير فقاقيع الصابون حول القضية الكردية، والمرتزقة الكرد كانوا يطبلون لها، ويطالبون المناضلين لأجل القضية الوطنية بأن ينضووا تحت جناحي أردوغان، وأن يتخلوا عن النضال والكفاح، على اعتبار quot; لقد تم حل كل شيء و لم يبقى داعٍ للكفاح و النضالquot;، حسب زعمهم. وفي الطرف الآخر، أصرّ الجانب الكردي، بأحزابه المناضلة ونوابه ومؤتمراته ومؤسساته الديمقراطية على الحكومة والدولة التركية أن تقدم الافعال، وتطبيق ما تزعمه على ارض الواقع، وضمانة الانفتاح، بالتغيير الدستوري والقوانيين الرسمية. لكن المماطلة و التصريحات الجوفاء كانت سيدة الموقف في الطرف التركي.

الوعود الواهية لم يتحقق اي شيء منها:

- جرى حديث حول فتح أقسام للغة الكردية في الجامعات. هل تحقق ذلك؟ لا. حتى المدارس الابتدائية لم تحصل على أذن من هذا القبيل!
- تحدثوا مطولاً عن السماح بإعادة تسمية المدن والقرى والأقضية الكردستانية بأسمائها الأصلية. فهل سمحوا بتغيير أسم أي منها، وهل صُدر أي قانون يسمح بذلك؟ لا. والكثير من الطلبات التي قدمها الاهالي حول إعادة أسماء قراهم الكردية قد رُفضت.
- على الرغم من المكانة الحساسة للقائد الكردي الكبير عبدالله أوجلان لدى الشعب الكردستاني و خاصة في اقليم كردستان الشمالية، والمطالب الكردية بضرورة تأمين حرية القائد. لنترك انعتاقه من الأسر، فهل حسّنوا من وضعه في المعتقل؟ لا. غيروا حجرته وهي أسوء بكثير من سابقتها. و قد سماها القائد أوجلان بـ(جحر الموت)!
- تحدثوا مطولاً عن ضرورة تخلي الشعب الكردستاني وحركته التحريرية عن الكفاح المسلح و التحول إلى النضال السياسي الديمقراطي. وهذا مسعى كردي أصيل. وكل المبادرات الكردية تثبت ذلك. لكن هل خلقت الحكومة التركية أرضية النضال السياسي الرسمي؟ لا! ناهيك عن السماح للمقاتلين بممارسة السياسة، فقد أقدمت الدولة التركية على إغلاق أكبر الاحزاب الكردية صاحبة ملايين الناخبين وصاحبة كتلة نيابية في البرلمان، وحظرت على العشرات منهم من ممارسة السياسة.
- وسيقول البعض من المهللين لأردوغان : quot;هنالك قناة تلفزيونية كردية سمج بها الأتراك!quot;.
الأكراد ليسوا بحاجة إلى قناة تلفزيونية لا تبث سوى عن حياة المرتزقة وquot;القورجيةquot; الملطخة أياديهم بدماء الشرفاء من الكردستانيين. فهذه القناة ليست سوى بؤرة لبث أفكار المرتزقة. ثم لا ننسى بأن للشعب الكردستاني العشرات من ألمع وأفضل القنوات الكردية الفضائية. والسؤال المطروح هنال: هل لهذه القناة التي أفتتحها الاتراك اية ضمانة قانونية، حيث ليست هنالك أية وثيقة أو ورقة ثبوتية تمنح الصيغة القانونية لهذه القناة التي قد يغلقها أية حكومة مستقبلية أو حتى عندما يرى أردوغان بأنه لا جدوى منها.

انغلاق وليس انفتاح

أردوغان وحكومته المتأسلمة، منذ شهور، يعزفان على وتر الانفتاح الكردي، ثم غيروا الموجة إلى الانفتاح الديمقراطي، وثم إلى مشروع الوحدة القومية. اي ان مشروع اردوغان لم يكن سوى فقاعة صابون تزداد صغراً في الحجم. يعني انه انغلاق يرتدي لبوس الانفتاح!. يعني، يمكن تسمية مشروع اردوغان، انه بمثابة مخاض جبل، وولادة فأر. نتيجة حملات التسويق والترويج لاردوغان. ويبدو أن الذهنية التركية الحاكمة (لا أقصد هنا الشعب التركي) غير مستعدة للقبول بالشعب الكردي كشريك له في الوطن. هذه العقلية المريضة لا تنظر إلى الأقوام الاخرى إلا أن تكون تابعة وعبدة لهم.

لقد quot;ذاب الثلج وبان المرجquot;. وظهر الانفتاح التركي على حقيقته، و كشف أردوغان وجهه الحقيقي. ورأينا بأنه لم يكن سوى سقوطاً في ثقبٍ أسود. الانفتاح، هو أن تنفتح على الآخر وتترك له حرية التعبير عن هويته وشخصيته القومية والدينية والفكرية ومطاليبه وحقوقه. لكن الانفتاح على الطريقة الاردوغانية ليس سوى إنغلاق وخنق من كافة النواحي. الانفتاح الاردوغاني يعني إغلاق الاحزاب الرسمية الكردية، و إغلاق الصحف وإغلاق المنطقة الكردية و تركها تحت رحمة العسكر، والسعي إلى تصفية الإرادة الحرة للشعب الكردستاني، وتضييق الخناق على النضال الثوري الكردستاني، والتحرش بحساسيات الكرد، ومحاولة الاعتداء على خطوطهم الحمر.

برلمان للاتراك فقط

قررت المحكمة الدستورية، و بكل أصوات أعضائها الاحد عشر، حظر حزب المجتمع الديمقراطي، ورفع الحصانة عن أثنين من النواب الكرد، ومنع العشرات من قادته من مزاولة العمل السياسي، ومن ضمنهم رئيس الحزب أحمد تورك. فما معنى رفع الحصانة عن أثنين من أعضاء البرلمان؟ الهدف من وراء ذلك هو إسقاط الكتلة البرلمانية للشعب الكردي وحرمانه من العمل المؤثر تحت قبة البرلمان. وإغلاق الحزب كان قبل كل شيء بهدف الضغط على الساسة الكرد و شل الارادة الحرة لهم، كي تتثنى للأحزاب التركية الفاشية وحزب أردوغان الانفراد بالساحة الكردستانية في الشمال الكردستاني. فهذا القرار كان سياسياً وعنصرياً، جملة وتفصيلاً، وليس له أي خلفية أخلاقية أو حقوقية بحسب القوانين الدولية والمعايير الاوروبية. خاصة وأن مادة القانون التي أعتمدت عليها المحكمة الدستورية في قرارها يعتمد على الدستور الذي وضعه جنرالات الجونتا العسكرية لإنقلاب 12 أيلول 1980الفاشي. فالذهنية الحاكمة لا تتحمل تواجد عدة نواب كرد أحرار في البرلمان، ولا حزب كردي حر في شمالي كردستان، ولا صحافة كردية أو حتى تركية مستقلة، تصرح بالحقائق، ثم يقولون لك: انفتاح على الاكراد!!؟ وتركيا معروفة عالمياً بسجلها المليء بالأصفار في حقوق الانسان والديمقراطية و حرية التعبير.
خلاصة القول ان حظر حزب المجتمع الديمقراطي ليس نهاية للسياسة الكردية الديمقراطية، و استقالة النواب الكرد من البرلمان لا يعني انسحابهم من العمل والنضال السياسي والوطني لأجل الحرية والديمقراطية. ولا يعني هذا كله نصراً لأردوغان وحكومته ولا نجاحاً للعدالة والديمقراطية التي يحلم بها الشعب الكردي، وكافة الشعوب في المنطقة. بل خسر أردوغان و الدولة التركية واجهض جنين الديمقراطية في تركيا وأنفتح الثقب الأسود أمام الحكومة. ولا مفرّ لها من الخلاص نهائياً من هذا الثقب.

صحفي كردي جبال قنديل