جمل نارية مثيرة للرعب،منسوبة الى السيد، رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء الحالي لتركيا. أطلقها عام 1997 في احدى خطبه عندما كان رئيساً لاحدى البلديات،أي قبل أن يصعد حزبه الاسلاميquot;العدالة والتنميةquot; الى السلطة عام 2002ويحكم الدولة التركية الحديثة التي أرسى قواعدها كمال أتاتورك على أسس العلمانية والديمقراطية.بهذه المقولات الاسلامية التعبوية، تجاوز اردوغان خطب أكثر الاصوليات الاسلامية تشدداً وتطرفاً.لذلك بقي صداها يتردد في مختلف الأوساط الأوربية،وخاصة اليمينية منها. فمن هذه التصريحات المخيفة استوحى أنصار حزب الشعب اليميني السويسري ملصقات دعائية ظهر فيها أشخاص ملثمين تحيط بهم مآذن مدببة أشبه بالصواريخ على علم سويسري. نشر الحزب هذه الملصقات بكثافة اثناء الحملة التي قادها تحت شعار مناهضة quot;أسلمة سويسراquot;في الاستفتاء الذي جرى في 29 تشرين الثاني الماضي على حظر بناء مزيد من المآذن في سويسرا، وقد نجح الحزب في تحقيق ما أراده من هذا الاستفتاء،اذ حصد نحو 57% من الأصوات لصالح الحظر. اذا كان هذا هو فهم النخب السياسية والثقافية من المسلمين في دولة مثل تركياـ التي تتشدق حكومتها بالنموذج الاسلامي المثالي للديمقراطيةـ لوظيفة المآذن والمساجد،ماذا نتوقع من الجهلة والبسطاء، لا بل ماذا ننتظر من الإرهابيين والمتطرفين من المسلمين؟!. لهذا لم نفاجأ بحصول أولى ردات الفعل الارهابية على quot;الاستفتاء السويسريquot; في تركيا في العاشر من شهر كانون الأول الجاري،حيث اقتحمت مجموعة اسلامية quot;كنيسة سريانيةquot; في مدينة ديار بكر هددت القساوسة والرهبان العاملين فيه ونشرت الرعب بين أبناء الأقلية الآشورية المسيحية المتبقية في مناطقها التاريخية، من بعد الابادة الجماعية وعمليات التطهير العرقي والديني التي تعرضت لها في بدايات القرن الماضي.


أردوغان،الذي أوصلته الديمقراطية التركية مع حزبه الاسلامي الى الحكم،أراد، من هذا الخطاب الجهادي الغير مسبوق في التاريخ الاسلامي، توجيه رسالة الى الشعب التركي المسلم وطمأنته، بأن لا بديل عن quot;الاسلام والثقافة الاسلاميةquot; في تحديد المستقبل السياسي لتركيا وفي صياغة هويتها الوطنية حتى لو دخلت الاتحاد الأوربي.أما حديث حزبه(العدالة والتنمية) عن حرصه على استمرار العلمانية في تركيا وعن الانفتاح والديمقراطية، هي سياسة برغماتية تساعد الحزب وتفيده في تحقيق طموحاته وتطلعاته المحلية والاقليمية والدولية.في ضوء التاريخ السياسي والعسكري للأتراك العثمانيين،يبدو أن أردوغان ومن خلفه حزبه يريدان من دخول تركيا الى الاتحاد الأوربي تحقيق حلم أجدادهم بالسيطرة على quot;القارة العجوزquot;، الحبلى بالاسلام، حيث تتكاثر فيها جاليات اسلامية يتحدر قسم كبير منها من أصول تركية.


لا جدال، على أن من حق المسلمين وغير المسلمين في بناء مراكز العبادة الخاصة بهم في أوربا وغيرها وبالطريقة التي تلبي ذوقهم الفني وتعبر عن تراثهم.لكن عندما يظهر بين المسلمين من يسعى لتحويل المآذن والمساجد من منابر للسلام والتسامح بين شعوب وأديان وأمم العالم الى منابر للتطرف والاستعلاء الديني وتهديد الآخرين واستفزازهم، عندها سيكون من حق الأوربيين أن يحظروا بناء المآذن وأيضاً المساجد، ورفض قبول بينهم دول اسلامية كبيرة لها تطلعات توسعية مثل تركيا. يذكر أن الرئيس الفرنسي الأسبق quot;فاليري جيسكار ديستانquot; كان قد أعلن quot; أن قبول تركيا في الاتحاد الأوربي،سيشكل نهاية أوروباquot; معتبراً أن لتركيا quot;ثقافة ونمط حياة مختلفةquot;. حتى الذين اعترضوا على نتائج الاستفتاء، من السويسريين ومن الأوربيين عموماً، لم يكن موقفهم نابعاً من حرصهم على المآذن، وانما بسبب الخوف من المضاعفات والمخاطر، التي قد يجلبها قانون الحظر، على سويسرا والغرب عموماً.هذا ما عبرت عنه وزيرة الخارجية السويسرية التي أكدت أن حظر بناء المآذن quot;يعرض أمن البلاد للخطرquot;. وفي الاطار ذاته اعتبر الاساقفة السويسريون في بيان لهم، ان الاستفتاء حول حظر بناء المآذن quot;سيفاقمquot; وضع المسيحيين في الدول الاسلامية.


في ضوء نتائج الاستفتاء السويسري، واجراءات أخرى مماثلة في دول أوربية عديدة،مست حقوق الجاليات الاسلامية،(حظر الرموز الدينية في المدارس الفرنسية)،يمكن القول،بأن ثمة quot;صحوة مسيحيةquot; بدأت تخرج من رحم العلمانية الأوربية المتطرفة في الإلحاد.هذه الصحوة المسيحية هي الأخرى لا تخلو من نزعة التطرف، تجلت في مقتل المواطنة الألمانية المصريةquot;مروة الشربينيquot; قبل أشهر على يد متطرف ألماني.هذه الصحوة المسيحية،تبدو وكأنها رداً على quot;صحوة اسلاميةquot;بالغة التشدد والتطرف، بدأت تؤثر بشكل واضح على طريقة تفكير وحياة الجاليات الاسلامية المنتشرة بكثرة في المجتمعات الغربية. للاستفتاء السويسري على حظر بناء المآذن في المساجد فيه مس لمشاعر المسلمين، لكن من الخطأ النظر اليه على أنه موقف عنصري تجاه quot;الاسلام والمسلمينquot;.لأنه مجرد اجراء وقائي،يأتي في اطار تحرك أوربي رسمي و شعبي يهدف الى تحصين الهويات الوطنية للمجتمعات الأوربية وحماية العلمانية من تأثيرات الثقافات الأخرى الدخيلة عليها والمختلفة عنها، كالثقافة الاسلامية،القادمة مع الجاليات الاسلامية الرافضة للاندماج بالمجتمعات الأوربية.اذ،تتمسك هذه الجاليات بالتقاليد والمفاهيم الاسلامية،وغالباً تمارسها بشكل مبالغ فيه وأحياناً بطريقة استفزازية للآخرين مثل،ارتداء البرقع أو النقاب،و (اقامة الصلات الجماعية في ساحات وشوارع المدن الأوربية)،فضلاً عن ارتباط الجاليات الاسلامية بأعمال العنف والتطرف وجرائم كثيرة يرتكبها مسلمو أوروبا باسم الشرف،وغيرها من الممارسات الظلامية والصيحات التكفيرية المتنافية مع المفاهيم الديمقراطية والمتناقضة مع قيم الحداثة ومبادئ العلمانية التي باتت من أركان وثوابت الهويات والثقافات الوطنية للدول والمجتمعات الغربية.وفي هذا السياق،كان الرئيس الفرنسي أكثر صراحة بموقفه المرحب بالديمقراطية السويسرية.فقد حذر ساركوزي المسلمين في فرنسا من مخاطر التشدد والتطرف ودعاهم إلى أن يأخذوا بالاعتبار الارث quot;المسيحيquot; لفرنسا.قال quot;انه في بلدنا حيث تركت الحضارة المسيحية اثرا عميقا الى هذا الحد، وحيث قيم الجمهورية تشكل جزءا لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، كل ما يمكن ان يبدو وكأنه تحد لهذا الارث ولهذه القيم مصيره الفشلquot;. طبعاً،كان لتفجيرات 11ايلول 2001 الارهابية في الولايات المتحدة الأمريكية ولاحقاً التفجيرات الارهابية في العديد من العواصم الأوربية مثل (مدريد و باريس ولندن)،الدور الأبرز في تنبيه حكومات وشعوب الأمريكية والأوربية الى المضاعفات، الاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية، للجاليات الاسلامية لديها.


بالنسبة لموقف الحكومات العربية والاسلامية الرافض للاستفتاء السويسري، يأتي في اطار التضليل الذي تمارسه على شعوبها المقهورة في الداخل أولاً،وعلى الجاليات الاسلامية التي هربت أصلاً من ظلم وقمع هذه الحكومات والجوع الذي فرضته عليها، ثانياً.فالجاليات الاسلامية في الغرب- رغم بعض الاجراءات البسيطة والمحدودة التي بدأت تلجأ اليها الحكومات الأوربية للحد من مظاهر التطرف الديني ولحفظ أمن المجتمع- تتمتع بكافة حقوقها المدنية و الدينية وتوفر لها كل أسباب الراحة والأمان والاستقرار ومتاح لها كامل الحرية وجميع الأطر الديمقراطية،بما فيها الاحتجاج والتظاهر السلمي، للدفاع عن حقوقها والاعتراض على كل اجراء ينال من هذه الحقوق.وهي (الجاليات الاسلامية)ليست بحاجة الى الخطابات والشعارات الخاوية الصادرة عن أنظمة عربية واسلامية لاديمقراطية وفاقدة للشرعية،هي آخر من يحق له الحديث عن الحقوق والحريات الدينية، لأن جميعها تضطهد، بنسب متفاوتة،مواطنيها المسيحيين وغير المسلمين عموماً وتحرمهم من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الدينية، وحكومات بعض الدول الاسلامية الى تاريخه لا تسمح ببناء كنائس ومراكز عبادة لغير المسلمين على أراضيها.ومن المؤسف حقاً،أن يصل موقف بعض القادة العرب والمسلمين الى درجة التحريض على ممارسة مزيد من الاضطهاد الديني على مسيحيي المشرق.وهنا أشير الى تصريحات الرئيس الليبيquot;معمر القذافيquot;التي اعتبر فيها بان الاستفتاء السويسري اعطى ذريعة للدول الاسلامية لمنع بناء الكنائس و ان سويسرا اعطت بهذا الاستفتاء quot;حجة قوية جداquot; لتنظيم القاعدة quot;لإعلان الجهاد على أوروباquot;.طبعاً،وكما في كل حدث أو اجراء يحصل في دول الغرب يمس المشاعر الدينية للمسلمين(الرسوم الدنمركية،محاضرة البابا بندكتيوس،.. حظر النقاب والحجاب)، ستستغل قضية المآذن السويسرية من قبل الأصولية الاسلامية والتنظيمات الارهابية، مثل quot;القاعدةquot; وغيرها، التي اعتبرت الاستفتاء السويسريquot; حملة صليبية صهيونية جديدة على الإسلام والمسلمينquot;.وتوظيف قضية المآذن في حروبها الدينية والأيديولوجية المفتوحة مع دول الغرب الأمريكي الأوربي ولتعبئة الشعوب الاسلامية في هذه المعركة التي تتمحور بجوهرهاquot;على من يجب أن يحكم العالمquot;.
أخيراً:لتبقى المآذن والكنائس وكل المعابد الأخرى لكل الديانات، منابر للسلام والتسامح بين شعوب وأمم وديانات الأرض.

سوريا
مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]