إعلان تركيا متمثلة بمحكمتها العليا حل حزب المجتمع الديمقراطي الذي يشغل نوابه 21 مقعدا من أصل 550، وشطب وإلغاء عضوية زعيم الحزب أحمد تورك ونائبه إيسال توغولك وتخيير الأعضاء الباقين بين الاستقالة من الحزب والاستمرار في البرلمان أو تقديم استقالاتهم الإجبارية من مجلس النواب التركي، طبعا ودائما الأسباب الموجبة هي التعاون مع المتمردين أو المخربين الذين يهددون استقلال البلاد؟


تذكرنا مثل هذه القرارات بما كان يحصل هنا في العراق أيام حكم حزب البعث ورئيسيه البكر وصدام في عملية تصنيع الأحزاب أو حلها، ويبدو إنها سمة مشتركة بين كل الأنظمة الشمولية أو العنصرية في العالم بصرف النظر عن نسبة أو كمية فيتامين الديمقراطية الموجودة في دماء هذه الأنظمة فهناك دوما مضادات قوية لذلك الفيتامين تتواجد في الوقت المناسب لاتخاذ مثل هذه القرارات في الهجوم والإبادة.


ففي منتصف السبعينات من القرن الماضي وحينما حان موعد استحقاقات بعض من التطبيقات الديمقراطية لتنفيذ اتفاقية 11 آذار لعام 1970م بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادة الحركة التحررية الكوردية آنذاك، بدأ الحكومة المركزية واجهزتها في اختلاق مشاكل وتعقيدات وشراء ذمم كوادر عاملة في الطرف الثاني انتهت بأصدار قانون من طرف واحد لما أطلق عليه في حينه قانون الحكم الذاتي بعد أن نجح في صناعة واستنساخ أحزاب لا تملك حتى أسمائها من خلال عملية اختراق بائسة لبعض المفاصل الهشة في الحركة والحزب بعد عام 1973م.


ومن خلال تلك العملية سارع الى تشكيل جبهة لتلك الاحزاب أطلق عليها ( الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ) التي من المفترض أن تضم كل الفعاليات السياسية في تحالف ضد الاستعمار والرجعية والامبريالية كما كانت تثقف اجهزة الاعلام وتدعي الحكومة وحزبها القائد، وسرعان ما اضمحلت تلك الاحزاب ولم يبقَ من جبهة النظام الا مقرها العام ومعاشات موظفيها وبعض من البروتوكولات مع مجموعة من ما يشابه تلك الجبهة في اوربا الشرقية التي تبخرت هي الاخرى مع احزابها المستنسخة حينما اصبح الاتحاد السوفييتي مجموعة من الدول المستقلة؟.


في تركيا كانت الاخبار الواردة منذ فترة ليست بقصيرة تؤشر حراكا باتجاه القضية الكردية هناك وتطورا في الرؤية وبزاوية نظر تختلف الى حد ما عن تلك الزوايا التي ينظر منها العسكر والجندرمة وملحقاتهم من الاحزاب المصابة بالستكماتزم السياسي التي تدير نافورة الدماء مع الكرد وحزب العمال الكردستاني منذ ما يقرب من ربع قرن، دون تحقيق أي هدف او نصر عسكري أو سياسي الا افواج من القتلى والمعاقين.


يتمنى الكثير من محبي تركيا والنظام الديمقراطي فيها سواء من كان من مواطنيها او من اصدقائها أن تزال وتندثر بقايا هذه الثقافة التي لا تليق بدولة تروم اللحاق بمجموعة الدول الاكثر رقيا في العالم بل ولتصبح عضوا في نادي الحضارة والتقدم الاجتماعي والانساني والاقتصادي، وان الاستمرار بهكذا سلوكيات سيساعد على نمو التطرف ( الفعل ورد الفعل ) مما يؤخر برامجها الاقتصادية والتحديثية، ولعل في درس العراق عبرة كبيرة في ما يتعلق بتعامل الانظمة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى سقوط نموذجها البعثي في نيسان 2003م مع الشعب العراقي عموما والكرد بشكل خاص وما آلت اليه تلك السياسة من تدمير للبلاد وقواها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وما صاحب ذلك من فشل ذريع في كل مناحي الحياة، حيث فشلت كل تلك المحاولات والاساليب في سحق القوى السياسية المعارضة سواء بحلها أو زج اعضائها ومؤيديها في السجون والمعتقلات كما حصل للشيوعيين العراقيين واعضاء حزب الدعوة والمجلس الاعلى وبقية الوطنيين والديمقراطيين العراقيين، أو كما حصل في جرائم الابادة الجماعية للسكان في كوردستان العراق في الانفال سيئة الصيت وحملات الابادة بالاسلحة الكيمياوية وعمليات التقتيل المنظم لكوادر الاحزاب الكردستانية اضافة الى ترحيل مئات الاف من السكان الاصليين من قراهم ومدنهم كما حصل في محافظات الموصل وكركوك وديالى وبغداد.
كل تلك السياسات التي امتدت لعشرات السنين وراح ضحيتها مئات الالاف من خيرة ابناء العراق وكوردستان لم تنجح بكل ما استخدم فيها من مليارات الدولارات في المجال الامني أو العسكري او الاقتصادي، من أن تنهي قضية الشعب أو تسحق قواه السياسية سواء بالتقتيل او الاعتقال أو الحل او استنساخ البدائل الهزيلة، ولذلك نرى ان المسافة بين استانبول والاتحاد الاوربي ستكون أقصر بكثير لو اختصرت القوى الفاعلة في الحكم الطريق الى حل حضاري للمسألة الكردية كما فعل العراقيون في تجربتهم الرائدة، لا بحل الاحزاب المعارضة وفصل ناشطيها او شن حملات عسكرية فعلها النظام السابق وغيره ولم تؤد بهم وبالبلاد الا الى الدمار وضياع الامن والسلام.