أثارت الحكومة العراقية في مؤخرا قضية معسكر اشرف وقاطنيه، الذين يمثلون جماعة إيرانية معارضة كانت موجودة منذ عهد النظام السابق.. النظام الذي خاض حربا ضروس مع إيران اعتمد فيها الطرفان على مختلف الوسائل المتاحة بما في ذلك الوسائل الداخلية من خلال دعمهما للقوى المعارضة في الطرف الأخر، و قد جاء توقيت هذه القضية في وقت تتهيأ فيه القوات العراقية لاستلام ملف الأمن من القوات الأميركية تنفيذا لبنود الاتفاقية المعقودة بين الطرفين، الأمر الذي قد يشير إلى خشية الحكومة العراقية من تحول هذا الملف إلى نقطة ضعف في جسد الحكومة العراقية أو إلى تسببه في توتير العلاقات مع إيران، بعد أن شهدت هذه العلاقات تحسنا مطردا خلال السنوات الأخيرة، لكن الأمور لم تتطور على هذه الشاكلة فقد رافق هذا التحرك الحكومي، صدور نداءات ومناشدات من قيل أطراف عدة سواء داخل العراق أو خارجه، تدعوا الحكومة العراقية إلى التريث وعدم التسرع في تناول هذه القضية، والنظر بعين العطف إلى ما قد ينتظر هؤلاء من مصير مجهول، فيما إذا نفذت الحكومة العراقية تهديدها وطردتهم خارج العراق، بما في ذلك الاحتمال الذي يخشونه كثيرا وهو ترحيلهم إلى إيران، وبالتأكيد فان لموقف الحكومة العراقية أصدائه التي أخذت تسمع هنا أو هناك، سواء من قبل المؤيدين لموقف الحكومة أو المعارضين له، وقدر تعلق الأمر بي كوني مراقب للحدث ومواطن يهمه هذا الأمر، فبقدر ما تعاطفت مع هذا النداءات والمناشدات، تعاطفت أيضا مع الحكومة العراقية التي ربما تواجه اختيارا صعبا، بالنظر إلى سخونة هذه القضية وارتباطها بجدل العلاقة مع إيران، حيث تمارس الحكومة الإيرانية ضغطا واضحا على نظيرتها الحكومة العراقية من اجل إنهاء هذا الملف وحسمه بما يتوافق مع الرغبة الإيرانية، وقد يعد هذا اختبارا لمدى جدية الطرفين بشان مايعلناه من رغبة في تحسين العلاقات وإنهاء مابينهما من مشاكل عالقة متخلفة من سنوات العداء السابقة، و هو مايمثل بالتالي اختبار لمدى قدرة الحكومة العراقية على التعاطي مع هذا الملف الحساس والمعقد وحسمه بشكل اقل إشكالا.


وبالتأكيد يحق للحكومة العراقية كونها المسئولة عن هذا البلد، اتخاذ أي قرار يتعلق بسيادتها على ترابه، ومن ذلك تقرير وجود أو حرية أي جماعة تحمل في نسقها هدفا ما وله تأثير سلبي على مصالح العراق العليا، لكن من الضروري بمكان معاينة هذه المسالة وتفحصها من جميع جوانبها لكي يكون تصرفنا مدروسا ومحكما، فنحن ندرك المأزق الذي تعيشه الحكومة العراقية وحيرتها في التعاطي مع هذا الملف المعقد، فهي لاتريد بالتأكيد إغضاب الجانب الإيراني، وفي نفس الوقت لا تريد أن تفرط بالجانب الأخلاقي من هذه القضية، ولحل هذا الإشكال، يجدر بالحكومة العراقية الالتزام بالأمرين معا، فهي من جانب عليها أن تلزم جماعة اشرف بأصول الإقامة مقابل التزامها هي بأصول الضيافة، بمعنى أن على سكان معسكر اشرف، الامتناع عن القيام بأي عمل يمس سيادة العراق ويتناقض مع علاقات العراق الجديدة مع إيران، مقابل سماحها لهؤلاء بالبقاء في العراق والعيش فيه بأمان، وبالتالي لايجوز للحكومة الإيرانية أن تطالب العراق بأكثر من ذلك، حتى لاتمس بذلك حق العراق السيادي في إيوان واستضافة من يشاء وبما لايتعارض مع مبادئ حسن الجوار، ففي حال قبول جماعة اشرف بذلك ونزولهم عند رغبة الحكومة العراقية، سيكون على العراق أن يلتزم بحمايتهم وإيوائهم قدر بقائهم في الأراضي العراقية، لكن أن رفض هؤلاء الالتزام بما يحدده العراق تحت أي ذريعة أو سبب، ستكون الحكومة العراقية حرة التصرف ومطلقة السراح في التعاطي مع هذا الملف بالشكل الذي يخدم مصلحة العراق، لكن من المرجح أن القضية لن تصل إلى هذا الأمر، فهدف هؤلاء كما هو واضح من تصريحاتهم، لايتعدى الحصول على موضع يامنون به من الخطر، فليس من مصلحتهم استعداء الحكومة العراقية وفتح أكثر من جبهة وهم غارقون بمشاكلهم ويدركون جيدا حالة التعقيد التي يحملها الوضع الجديد، وبالتالي قد يكون بالإمكان تلافي أي إشكال قانوني أو أخلاقي قد ينجم عن سوء التعاطي مع هذه القضية، فأمام العراق فرصة لان يتصرف تصرفا سياسيا وأخلاقيا في أن واحد، فهو مؤهل للحفاظ على التزامه القانوني والأخلاقي تجاه جماعة اشرف وفي ذات الوقت يتلافى أي إحراج بخصوص علاقته مع إيران، فبغض النظر عن السياسة التي تفترض أن ينظر إلى هذه المسالة من زاوية المصلحة العراقية، كوننا نملك الكثير من الملفات العالقة مع إيران التي تحتاج إلى خطوات متقابلة للحل، هناك الجانب الإنساني الذي يجب أن نوليه أهم الاعتبار، لان هؤلاء بحسب العرف ضيوفا دخلوا بيتنا طلبا للحماية، فليس لنا بالتالي أن نكرههم على شيء ماداموا ملتزمين بأصول الضيافة، فالحل بالتأكيد في الاعتصام بالرأي الذي لايجعلنا محرجين من أي قرار قد نتخذه.

باسم محمد حبيب