رغم أنه شبه معلق، ولا يطبق هذه الأيام، ومدد الأحكام القصوى فيه، لا تتجاوز السنوات العدة، فقد ارتبط إصدار القانون رقم 49 لعام 1980، بالحوادث الأمنية المروّعة التي ارتكبتها ما يسمى بالطليعة المقاتلة التابعة للجماعة، وهو، بالتالي، لم يكن استهدافاً لمكون سوري بعينه، كما يحاول البعض الإيحاء أحياناً واللعب على أوتار بعينها، وغير مبني على دوافع تمييزية محددة تطال مكون بعينه، بل على محض خلفيات وتجاوزات أمنية، بدت خطرة جداً في حينه على السلم والأمن والأمان الوطني، نظراً لما قام به ذاك الفصيل غير المنضبط من حوادث مروعة بحق السوريين، بناء على دوافع وتصورات فئوية مطلقة، وقبل أن يقود ذلك، بزمن طويل، إلى الصدام الكبير، والمواجهة المؤسفة الشاملة، وبقية القصة معروفة للجميع.

ومع إعلانها عن تعليق نشاطها المعارض ضد النظام، وما استتبع ذلك من تفاعلات على صعد عدة، فإن الجماعة، تدخل اليوم، في طور تجديدي، يؤمل ألا يكون تكتيكياً، في علاقتها مع النظام، أولاً، ومع الشعب السوري بشكل عام. غير أن هذا، ومع تثمين، خاص، لخطوة الإخوان التصالحية والإيجابية، وبكل بساطة، لا يكفي. فهناك رزمة من الخطوات الأخرى التي تندرج، بشكل عام، تحت عناوين إعادة التأهيل السياسي والوطني والعقائدي، يجدر بـquot;الإخوةquot; في جماعة الإخوان تبنيها والقيام بها، قبل محاولة الانخراط مجدداً، في عمق الجسد السوري الحساس.

وفي هذا السياق، لا بد من التعريج، أولاً، على خطورة، ومعنى تشكيل أحزاب دينية، في مجتمع سمته الرئيسية التنوع وتعدد الأعراق والطوائف والأديان، كالمجتمع السوري.وهل هناك أصلاً ثمة دواع لقيام تكتلات حزبوية على أسس دينية طالما أن الدساتير الوطنية المفترضة تكفل حق الجميع وتنظر إليهم بالتساوي، وطالما أننا نتحدث عن هم وطني عام، لا عن مصالح واصطفاف فئوي؟ هل هذا الأمر شرعي ومشروع من الأساس؟

وهنا، فمن المفيد، جداً، التذكير، دائماً، أن اسم الجماعة، quot; الإخوان المسلمونquot;، يثير هواجس وتحفظات كثيرة، عند غير مكون سوري، نظراً للبنية الإيديولوجية والعقائدية quot;الخاصةquot; التي يقوم عليها، ونظراً لأنها تحاول تمثيل مكون سوري بعينه، ودون غيره تصل حد إهمال هذا الغير وعدم الاعتراف به ووضعه في مرتبة أدنى. وهي لا تقبل في صفوفها، لذلك، أي مواطن سوري، باستثناء طيف ومكون بعينه، يعتقد، جازماً، بأنه يحتكر الحق والحقيقة والخلاص والنجاة، دون الناس جميعاً، ويضع نفسه لذلك، آلياً، ووصائياً، فوق كافة المكونات الأخرى، ويجيز لنفسه حق قيادة تاريخية وأبدية مطلقة، لكل تلك المكونات، وبكل ما في هذا من تهديد دائم للسلم والأمن الأهلي، وانطواء هذه الميكانيزما على عامل توتير وصدام مستمر. هذا ما يجعل الجماعة في جهة، والمكونات الأخرى في جهة، ويبعدها عن محيطها السوري المتسم بالتعددية والتنوع والتسامح والانفتاح. وهذا يطرح بجدية نقدها الدائم للمادة الثامنة من الدستور السوري، وهي خير من يمارسها، بشكل آخر، ويحرص على التمسك بها، وهي لذلك، ومقارنة، آخر من يحق له نقد هذه المادة. والسؤال الموجه للأخوة في الجماعة، هنا، ماذا لو أراد كل مكون سوري آخر أن يقلدهم،(وهذا حق طبيعي للجميع طالما أنهم يرونه حقاً لهم، والبادئ أظلم)، وقام بتشكيل حزب بناء على منطلقات دينية وفئوية وعرقية غير وطنية كما تفعل الجماعة بالضبط مع غيرها من المكونات، فسيكون لدينا، هندها، على سبيل المثال، لا الحصر، حزب الإخوان العلويين، وأحزاب للإخوان المسيحيين بتفريعاتهم المعروفة أرثوذوكس وموارنة وشرقيين وغربيين وبروتستانت وروم وكاثوليك، وإخوان الدروز، وإخوان الإسماعليين، وإخوان شيعة، وكلدان وآشوريين،.....إلى آخر هذه القائمة التي تطول كثيراً، هل تعلم الجماعة إلام سيؤدي تعميم هذا الأنموذج والسلوك؟ وماذا سيتبقى، عندها، من اسم الوطن السوري، لا بل من الوطن ذاته؟ ولماذا ما هو حلال زلال للبعض حرام ومحظـّر على الغير؟ ومن هنا فإن تغيير اسم الحزب، والجماعة، وفتح باب الانتساب للجماعة أمام كافة المكونات السورية هو التعبير الأمثل عن وطنية هذا الحزب وسوريته، وهو من أولى الخطوات المطلوبة في هذه المرحلة للتأكيد على انتمائهم الوطني لا الفئوي، أو الدولي الآخر، المرتبط بتنظيم أممي عابر للحدود الوطنية، وله أجندة خاصة غير وطنية، لا علاقة لسورية، ولا للشعب السوري الطيب العريق بها، لا من قريب ولا من بعيد. كما أن فك عرى التحالف، والاستتباع، وتلقي الأوامر والتعليمات من التنظيم الدولي، هو، أيضاً، واحد من الأمور الملحـّة، والهامة لانضواء الجماعة تحت المظلة الوطنية السورية، وإبعاد أية شبهات quot;غير وطنيةquot;، وأممية عنها، طالما أن الجماعة لا تنفك على التركيز على الوطنية وتعيد وتزيد في هذا المضمار الفسيح.

هذا، وتنطوي التركيبة الإيديولوجية المعلنة للجماعة، والتي تشكل العماد الروحي للتنظيم، وكما هو معلوم، على بنية عقائدية محددة، قائمة على التمييز، والتفضيل لمكوّن بعينه يستثني الآخرين من هذا ويسقطهم من كافة حساباته. وتعتقد الجماعة أنها تتحلى بسمات خاصة لا تتوفر لسواها، وهي لذلك تصطدم كثيراً مع أهداف ومبادئ العيش المشترك والتآلف بين المكونات الوطنية السورية المختلفة، ولا تحقق بسلوكها الفئوي شيئاً من تلك المبادئ والأهداف. وسيؤدي تفعيل، والتأكيد على التمسك بتلك السمات التفضيلية والتمييزية المرفوضة في كافة الدساتير والشرائع الأرضية والسماوية، إلى حدوث اضطرابات وصراعات مجتمعية لا حصر ولا نهاية لها. ومن هنا فإن إعادة نظر جديـّة وعملية بتلك التركيبة الإيديولوجية الإشكالية، وإبداء رأي واضح فيها قائم على منطلقات إنسانية ووطنية، ووضع الضوابط العملية الصارمة لضمان عدم حدوث انفلاتات نطبيقية، وبما يكفل عدم اصطدامها، مستقبلاً، مع مبادئ العيش الوطني المشترك، هو أمر أكثر من ملح ومطلوب. ويجب التأكيد هنا، على احترام الخصوصيات الروحية والعقائدية، بما فيه حرية الاعتقاد، واللا اعتقاد للجميع، لكن ما يتحفظ عليه، دائماً، هو استخدام، واستغلال العقائد وتوظيفها السياسي.

ولعل تحديد المسؤولية العلني في حوادث الثمانينات، والاعتذار عنها، أو عن الجزء الخاص بالجماعة، والذي يؤكد مسؤوليتها عن ذلك، وبما لا يدع مجالاً للشك والتأويل، هو الآخر، أمر أكثر من حيوي، وخطوة أكثر من ضرورية، وهي تعبير، ولا شك عن إيجابية قصوى تحاول الجماعة إظهارها، والظهور بها.

يتفهم كثيرون، كل مشاكل الإخوان، وما حاق بوضع هذا التنظيم بشكل عام، وهناك رغبة وطنية عامة، وصادقة لدى الجميع، لتجاوز هذا الملف المنغـّص والحساس، غير أن هناك استحقاقات كثيرة، أيضاً، يجب على الإخوان دفعها، قبل غيرهم، إذا ما كان هناك نية صادقة فعلاً، لطي هذه الصفحة المريرة والسوداء من تاريخ سوريا الحديث.

نضال نعيسة
[email protected]