قبل حصول رواية عزازيل ليوسف زيدان علي جائزة البوكر العربية (الجائزة العالمية للرواية العربية) احتفت الحركة الثقافية والنقدية في مصر والعالم العربي بروايته الفائزة (عزازيل)، وقد حظي الاحتفاء بكتابات نقاد كبار ومشهود لهم بالنزاهة في طرح رؤاهم وأفكارهم علي رأسهم الناقد الكبير د.جابر عصفور، كانت المتابعات للرواية تعالج الرؤية الفنية للرواية ردا علي الحملة التي شنها بعض الأقباط علي ما ورد في الرواية ورأوه يمس صلب العقيدة المسيحية ، وعلي مدار أكثر عام لقيت الرواية تجاوبا كبيرا من قبل القراء العاديين وجمهور المثقفين والكتاب، وتكتشف ذلك في الندوات التي حضرت بنفسي عددا كبيرا منها ورأيت الحماس الكبير للرواية خاصة عند الشباب، وكان من دلائل الاهتمام المثير للانتباه صدور 7 طبعات لها في عام واحد ، وقد تخلل الندوات آراء عالجت الجانب التقني والأسلوبي والفني للرواية وأشادت به ، لكنها في الوقت نفس توقفت كثيرا أمام الرؤية المطروحة حول العقيدة المسيحية ، ولم تظهر أي اختلافات في وجهات النظر ترى في الرواية عملا غير جيد فنيا ، بل كان هناك شبه اجماع سواء في مصر أو عربيا علي أن الرواية استطاعت أن تحقق كتابة مختلفة في نسيجها وغزلها الفني والتقني.
وبعد دخولها للقائمة الطويلة للبوكر (16 رواية) ثم دخولها قائمة أفضل 6 روايات، جاء إعلان فوزها بالجائزة الأولى، وأن يحصل روائي مصري علي جائزة البوكر العربية في دورتيها الأولى والثانية، فهذا مدعاة للفخر والاعتزاز، باعتبار أنه مؤشر قوي علي أن الإبداع المصري لا يزال قادرا علي احتلال الصدارة، الأمر الذي يدعم ويساند الحضور الثقافي والإبداعي المصري عربيا ودوليا ، وكان من المفترض أن يستقبل فوز د.يوسف زيدان بروايته المثيرة للجدل quot;عزازيلquot; استقبالا حافلا ، ليس لشخص صاحب الرواية ولا الرواية ، ولكن لعموم الإبداع المصري عامة والروائي خاصة، في وقت بدأ فيه التساؤل حول تراجع تأثير الدور الثقافي المصري.
لكن ما حدث أنه بعد إعلان حصول الرواية علي الجائزة ، بدأ التشكيك في فنية الرواية وقدرة صاحبها علي تقديم عمل روائي مهم ويشكل إضافة حقيقية لمسيرة الرواية المصرية، جاء ذلك من خلال حملة ضدها تقاد من مصر، ويدعو مصريون كتابا عربا ومصريين للمشاركة في الحملة ، بالنسبة للكتاب العرب الذي يشاركون في الحملة ضد الرواية فمعروف أمرهم ، أحدهم كان يطمع في أن تحصل الرواية المنشورة في داره للفوز بالجائزة ، والآخر بل الآخرون اعتراضا ـ وإن لم يقل ذلك صراحة ـ علي حصول مصر للدورة الثانية علي الجائزة، وهذا لا يخلو أمره من غيرة من الإبداع المصري، لكن أن يقود الحملة مصريون، فهذا ما لا يعقل، لقد صعقت حين بلغني ما يدور في الكواليس من تحريض ودعوة، حيث أشار أحدهم إلي أن قاصا وروائيا تلقي دعوة تستعديه علي الرواية من قاص وروائي يشغل موقعا مهما في الصحافة الأدبية المصرية ، ولم يخطر علي بالي أن يقوم هذا الشخص الأخير ـ غير مكتف بما يكتبه ـ بالاتصال بالكتاب ليدعوهم للكتابة ضد عمل روائي يمثل فوزه تأكيدا علي صدارة الإبداع المصري.
ولأن الروائيين والنقاد المصريين الكبار لم يرضخوا لدعوة الاستعداء، تم اللجوء للصغار من الطامحين لفتات الأخبار الصحفية المصورة والجوائز (المشكوك في مصداقيتها) والحضور الفج للندوات الدولية هنا وهناك ليهاجموا الرواية، لكن انتقاداتهم ضاعت وسط أصوات كبار أكدوا علي أهمية ما حققته الرواية.

لقد أثارت هذه الحملة في ذهني تساؤلات كثيرة عن الأسباب التي تدعو مثقفين مصريين لشن حملة ـ تكاد تكون منظمة ومأمورة ـ للنيل من مصري لمجرد أنه حصل علي جائزة كبيرة، ليس هناك أدني شك في مصدقية لجنة تحكيمها التي قالت كلمتها quot; رواية قطعت شوطا مهما في عصرنة السرد الروائي الكلاسيكي وخلق حكاية من التراث نابضة بالحياة وبدلالات زمن نعيشهquot; ، وتأكد لي ما سبق أن أشرت إليه في مقال سابق بعنوان quot;المسيئون لمصرquot; أن للسلطة الثقافية في مصر دورا في الترويج لتراجع دور مصر الثقافي ، فقد تصور القائمون عليها أنهم آلهة كل شيء منهم وإليهم ، ولا يحق لأحد شخصا ولا يحق لإبداع رواية أو شعرا أو مسرحا أو أي من فنون الإبداع أن يعلو عليهم أو يتجاوزهم أو يحقق قيمة مضافة إلي مسيرة الإبداع ، فهم الآلهة المبدعون الذين ينبغي أن تقدس إبداعاتهم وتعلو كل شيء حتى وإن كانت لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة الإبداع المصري ، وأن كل المبدعين المصريين وحتى العرب مدعوين إلي أن يأخذوا مباركتهم وبركتهم وإذنهم في الكتابة والحصول علي الجوائز والدعوات حتى يحق لهم الوجود والحياة.
إن أمثال هؤلاء ـ وهم نار علي علم ـ يسيئون إلي مصر ـ للأسف ـ وهم مطمئنون إلي أنهم باقون علي كراسيهم في السلطة الثقافية إلي أبد الآبدين، هم المتحكمون في الجوائز والتمثيل الخارجي واللجان الثقافية الحكومية والخاصة والعربية، وللأسف كثيرون من يرضخون لهم خوفا أو طمعا أو تجنبا للمشاكل، فهم يملكون القدرة علي ارتداء كل أنواع الأقنعة الجديد منها والقديم ، ومن ثم قادرون علي التنكيل والإقصاء والمنع بما يملكون من وسائل إعلام وعلاقات واسعة ومؤثرة وقدرة علي حبك المؤامرات والدسائس ضد الآخرين.