الى أخي القتيل قاسم

مهرجان للزهور في بغداد*؟ هذا يعني ان الحبيبة تخرج من لون جراحها، هذا يعني ان دمعي وهو ينسكب عليك في كل آذار معطر بورد، كتب أخيرا قصيدته المستحيلة، وهو يعني ان يديك اللتين لطالما أبهجتا التراب برقة اللمسات والحنو على البذور وquot;الإبتسامة الحيية الدائمة والنظرة الآسية الحنون شبه المنكسرةquot; لسواقي الماء وهي تتوزع الحقول الصغيرة أثمرت وقتا من ورد يليق ببلادنا وبحلوتنا العذبة والمعذّبة بغداد حتى وإن جاء بأمل محني الظهر.

في كل آذار تهب فيه نسائم العطر هنا بعد رحيلك كنت أستعيد كم تعبت يداك في الورد، كم خفقتا في الطين، كم انتظرتا في الجوري وكم غنتا في الجيرانيوم وكم علمتنا مؤاخاة البراعم والفراشات والمياسم، وكم اهدتنا عطر الياسمين.

اتذكر كم اثنيت عليّ حين اهديتك quot;واجبا خارجياquot; في مادة العلوم، نلت عليه درجة كاملة وثناء من استاذ المادة ومدير المدرسة الذي طلب مني ايداع الدفتر في ارشيف متوسطة المعتصم، لكنني اشترطت عليه أولا ان اريك الدفتر المعطر بما حببتني اليه وجعلتني ضعيفا حيال رقته. وكان دفترا من 100 صفحة جففت فيه خمسين نوعا من اوراق النباتات، وتوقفت يومها عند عنايتي بشروحي quot;الشعريةquot; لاوراق الزهور: القرنفل، الروز، الياسمين، الجهنمي، الجاردينيا ، الجعفري، حلق السبع والنباتات العطرية التي تزهو فواحة في ليالي بغداد: الشبوي، العطرة والياس وغيرها الكثير الكثير من أفانين الورد في بلادنا البهية.

دفتر من اوراق الورد والزهور بين يديك، هو ما جعلك هانئا وغمرك بسعادة جعلتك تقفز الى رف كتب التراث في مكتبتك العامرة، وقلت لي وانت تحمل كتابا في تاريخ الرحلات الى العراق: اقرأ من هنا... وفيه ما يرويه تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم التنوفي كيف انه وجد في بغداد اسواقا للزهور والرياحين والطيب، وكيف كان العشاق يظهرون في تبادل الهدايا بالزهور كثيرا من الرقة وسمو الذوق ،فترسل المحبوبة باقة من الورد، وكان بعض العشاق من الشعراء يلفون باقات ورودهم بمنديل غالي الثمن مطرز بأبيات من الشعر.

اليوم، يا نديم الورد وصنو العطور الزكية، يا من رقّت يداه في التراب وأفنى عمره في الحقول محاربا الجفاف والملوحة،مثلما أفنى عمره في ورود المعرفة وشجر الكتابة واخضرار العقل والروح، اليوم استعيد يديك الحانيتين على شتلات الورد، اليوم أشم النعناع في فراتك المخضب، النعناع اخضر على جبينك وقد أدماه الرصاص، ناح الجمال عليك وانكسرت غصون الياسمين، ولطالما شقت ذراعاك وانت تزرع ريفهم فأوفوك سنوات الخصوبة، بترعة من دماء. اليوم يا أخي وانا ابتهج بمشهد الزهور في مهرجان ببغداد أقول ان روحي التي ظلت تنتظرنعناع راحتيك، آن لها ان تهنأ بشىء من غرسك الجميل.

علي عبد الامير عجام

هامش:
*شهدت بغداد قبل ايام أول مهرجان دولي للزهور وشاركت فيه 14 دولة.