في الوقت الذي أصبحت فيه الشعارات الإيرانية المعادية للكيان الإسرائيلي البضاعة الأكثر رواجا في سوق التهريج الإعلامي الايراني lsquo; و سمة بارزة من سمات النفاق في السياسة الإيرانية التي وجدت ضالتها عند أصحاب النوايا الحسنة والبسطاء من الناس الذين أغلقوا منافذ العقول وفتحوا أبواب العواطف التي ترقص طرباً عند سماعها عوي الشعارات الإيرانية الفارغة من المضامين والأفعال lsquo; في ظل هذا الواقع المرير تظهر بين الحين والآخر مواقف وتصريحات من قبل نظام الروضة خونية ( الملالي ) تكشف عن عمق الازدواجية و النفاق الذي يطبع مواقف هذا النظام. فالمتتبع لسياسة الإيرانية يعجز عن عد تلك التناقضات وصور النفاق التي غالبا ما تأتي في الأوقات التي تكون فيها التصريحات والشعارات الثورية الإيرانية المعادية للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية في أوج سخونتها. ومثالا على ذلك نجد ان نظام الملالي الذي ابتدأ حربه الملعونة مع العراق تحت يافطة quot; تحرير القدس يمر عبر احتلال كربلاء quot; قد قام في تلك المرحلة بالتعامل مع الكيان الإسرائيلي من خلال شراء أسلحة وعتاد حربي ومواد كيمياوية من الكيان لمحاربة العراق. وفي تلك المرحلة أيضا lsquo; والتي كان فيها التهريج الإعلامي الايراني والشعارات الثورية الصاخبة ضد أمريكا في أعلى مستوياتها lsquo;فقد استقبلت طهران مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس ريغانquot; ماك فارلن quot; الذي زارها حاملا معه صواريخ وأسلحة مختلفة هدية لإيران وقد اعترف الرئيس الايراني الأسبق هاشمي رفسنجاني فيما بعد بهذه الزيارة السرية التي بقي الملالي يصرون على نفيها لمدة طويلة. و رغم العداء المعلن ( ظاهرياً) بين الولايات المتحدة الأمريكيةlsquo; التي دأب الروضة خونية على وصفها بـ quot;الشيطان الأكبر quot; والنظام الإيرانيlsquo; فقد دعمت طهران وتعاونت بفعالية مع الغزو الأمريكي لأفغانستان والإطاحة بحكومة طالبان lsquo; و قد تكرر هذا الموقف في دعمها الغزو الأمريكي للعراق حيث أصبحت شريكا وطرفا أساسيا في عملية الاحتلال وما آلة إليه المأساوية في العراق. و في مرحلة رئاسة محمد خاتمي ( 1997-2005م) التي أراد النظام الإيراني من خلالها تغيير صورته المتشددة بأخرى سميت بـ quot;الإصلاحية quot; لمواكبة الاستعدادات التي كانت تجريها أمريكا والقوى العالمية الكبرى للمنطقة lsquo; فقد أعلنت إيران عن طرحها مشروعا لحل القضية الفلسطينية عبر الاستفتاء على شكل ونظم الدولة lsquo;يشارك فيه الفلسطينيون واليهود على حد سواءlsquo; وكان هذا المشروع قد عد اعتراف إيرانيا واضحاً بشرعية الاستيطان اليهود في فلسطين ومقدمة للاعتراف بالكيان الإسرائيلي.
و في يوليو 2008م صرح نائب الرئيس الإيراني quot; رحيم اسفنديار مشائي quot; ان إيران صديقة الشعب الإسرائيلي quot; lsquo; و جاء هذا التصريح في الوقت الذي كان فيه صدى تصريحات احمدي نجاد ضد الكيان الإسرائيلي تلعلع في سماء الصحافة والإعلام الإيراني و أصبح فيها أذناب الملالي في داخل إيران وخارجها يرقصون طربا على صدى تصريحات نجاد تلك الذي أنكر فيها مذبحة اليهود quot; الهلكوست quot; والتي عاد فيما بعد الكثير من القادة الإيرانيون وعلى رأسهم فيما ذهب المستشار الأعلى لمرشد الثورة الإيراني علي خامنئي ووزير خارجية إيران السابق الدكتورquot; علي ولايتي quot; الى تأييد وقع المحرقة وإدانتها. علما ان لا إيران ولا العرب ولا المسلمون عامة متهمون بارتكاب هذه المجزرة lsquo; وإنما المتهم فيها ألمانيا النازية وقد قبلت ألمانيا مسؤولية تلك المحرقة lsquo; فلماذا أصبح احمدي نجاد أكثر ألمانية من الألمان أنفسهم في نفيه للمحرقة lsquo;. فإذن أليس هذا من أوجه النفاق الإيراني؟.
وهناك الكثير من المواقف المماثلة التي طبعت السياسة الإيرانية خلال السنوات الثلاثين الماضية من عمر نظام الروضة خونية lsquo; غير ان هذا النفاق لم ينتهي عند تلك المواقف التي اشرنا إليها وإنما بقي متواصلا بصور وأشكالا مختلفة lsquo; و آخر ما صدر من هذه المواقف الإيرانية النفاقية lsquo;هو استيراد البرتقال الإسرائيلي وعرضها في سوق الفواكه المركزي في طهران الذي يخضع مباشرة لأمانة العاصمة lsquo;كما جرى توزيعه في أسواق مدن أخرى.
وعلى الرغم من ان البرتقال المستورد كان معبئ في أكياس ورقية كتب عليها بعبارة واضحة ( jaffa sweetie israel-po ) فقد قامت الهيئة المشرفة على الحملة الانتخابية لاحمدي نجاد بتوزيعه البرتقال الإسرائيلي مجانا كدعاية انتخابية له و ذلك تزامناً مع زيارة احمدي نجاد لمدينة اسلامشهر. وكان قد سبق لمركزquot; نجاد quot; الانتخابي ان قام بتوزيع أطنان من البطاطس المستوردة بصورة مجانية في العديد من المدن الإيرانية مما أثار ذلك تهكم واستياء أطراف عديدة في معسكر المتشددين.
علما ان البضائع الإسرائيلية ترويج في إيران منذ فترة طويلة، وهي لا تقتصر على الحمضيات بل تشمل أيضا أجهزة إلكترونية ومنتجات زراعية وأسمدة ناهيك عن المعدات العسكرية.
رد الفعل الرسمي على فضيحة استيراد البرتقال الإسرائيلي lsquo; والذي تزامن مع شعارات الرئيس الإيراني التي أطلقها ضد الكيان الإسرائيلي في مؤتمر دوربان 2 الذي انعقد في جنيف قبل أيام lsquo; جاء باهتاً و مضحكا في الوقت نفسهاlsquo;حيث صرح نائب رئيس الجمارك الإيرانية محمد رضا نادري: quot; ان البرتقال قد تم استيراده عن طريق أمارة دبي و لا بد أن هذا قد حدث بطريق الخطاء ونحن نحقق بالأمرquot;!!.
أما مدير المؤسسة العامة لتوزيع الفواكه في بلدية طهران السيد quot; صفائي quot; فقد أعرب لوكالة أنباء مهر الإيرانية عن أسفه لهذا الأمر وأعلن ان أوامر قد صدرت لشرطة البلديات بجمع وسحب البرتقال الإسرائيلي من الأسواق وإغلاق مخازن التوزيع. علما ان وسائل اعلام إيرانية عديدة قد أكدت ان دخول حمولة البرتقال الإسرائيلي جرى عن طريق ميناء بندر عباس وان مستوردها واحد من كبار تجار الموز المشهورين في إيرانlsquo; وقد ذكرت الأحرف الثلاثة الأولى من اسمه الكامل وهو laquo;ا. ق. جraquo;.
كان هذا مجمل رد الفعل الرسمي على فضيحة استيراد البرتقال الإسرائيلي و التي من المؤكد أنها كانت عملية مدروسة هدفها التخفيف من أثار تصريحات احمدي نجاد الأخيرة في مؤتمر مناهضة العنصرية ضد إسرائيل lsquo; وان الحكومة الإيرانية أردت ان تبعث من خلال السماح باستيراد شحنة البرتقال وتوزيعها من قبل حملة نجاد الانتخابية lsquo; برسالة الى الإسرائيليين تقول فيها ان ما تسمعونه من تصريحات معادية لكم تبقى هواء في شبك أما موقفنا الحقيقي منكم فهو يترجم عبر الصفقات السرية. علما ان السنوات الأربعة الأخيرة من عهد احمدي نجاد lsquo; وعلى الرغم من الحدة الكلامية ضد إسرائيل lsquo; فقد كان فترة ذهبية بالنسبة للشركات اليهودية بشأن علاقاتها التجارية مع إيران. فعلى سبيل المثال فقد تم ولأول مرة بعد الثورة الإيرانية فتح فروع لشركة quot;quot; نستله quot; في طهران ومدن أخرى. ومعلوم ان نسبة 1/50 في المئة من أصول شركة نستله تعود لشركة quot; Osem quot; الإسرائيلية المشهور في الصناعات الغذائية وهي موضوعة على القائمة العربية للمقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل.
أما شركة quot; بنيتون quot; الايطالية والتي هي الأخرى على قائمة الشركات الداعمة لإسرائيل فقد فتحت لها أربعة فروع لبيع الملابس في طهران وحدها lsquo;وقد تعرضت بعضها لهجمات من قبل متظاهرين أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة.
و بعد هذا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه على أنصار النظام الإيراني الذين أعمت شعارات احمدي نجاد الكاذبة lsquo; بصائرهم وأضاعت بوصلتهمlsquo; ترى ماهو تفسيركم لكل هذا النفاق الإيراني التي تعادي الكيان الإسرائيلي بالعلن وتصافحه بالسر؟.


صباح الموسوي
كاتب احوازي