قيل الكثير حول نتائج quot;الانتخاباتquot; النيابية اللبنانية الأخيرة وما أفرزته، بما في ذلك النسبة المئوية للمقترعين والنسب المئوية التى نالتها الكتل النيابية والنواب المنفردون. وفي كل ما قيل، قليل كان الكلام حول من لم يقترعوا في هذه الإنتخابات. بحسب النتائج الرسمية اقترع 54،8 لـ 128 نائباً بينهم 71 لفريق 14 آذار و 57 لفريق 8 آذار. ووفق عدد المقترعين تكون النسبة المئوية التي نالها النائب المنتخب 0،42 من مجموع المقترعين، بينما سيمثل النائب العتيد ما نسبته 0،78 من مجموع المواطنين اللبنانيين. بكلام آخر، لو اقترع من لم يقترع من المدرجة أسماءهم على لوائح الشطب والذين يشكلون 45،2 من مجموع من يحق لهم الاقتراع، لكان بامكانهم انتخاب 108 نواب وفق نسبة الأصوات التي نالها النائب المنتخب. وبكلام أدقّ سيكونوا الفريق الأكبر مقابل كلي الفريين المنتخبين.

إن أصوات هؤلاء المقاطعين هي أهمّ من أصوات المقترعين، بما تشكله من موقف أكثر وضوحاً من مواقف كل المقترعين. حيث لا العصبيّات الطائفيّة والمذهبيّة استفزتهم ولا المال السياسي والإنتخابي أغراهم للتصويت لأحد الفريقين الرئيسيين، وهم على بعد أمتار من صناديق الاقتراع. ولو استطاع الفريقان فعل ذلك لوفروا مئات ملايين الدولارات التي صرفت لشراء الذمم في المغتربات، ولوفروا الكثير من جهود وعناء السفر وحرق الأعصاب ومخاطر الفضائح التي لا يشكل نقل نفوس عشرات آلاف المقترعين، من دائرة إلى أخرى، سوى أبشع تجلّياتها. والأهمّ من أصوات من اقترعوا ومن لم يقترعوا هي العشرة آلاف صوت ونيف لأصحاب الأوراق البيضاء التي أسقطت في صناديق الاقتراع.

وإذا ما احتسبنا مئات الآلاف من اللبنانيين الذين اقترعوا، ترهيباً أو ترغيباً، وأضفنا إليهم الممنوعين من التصويت من الشابات والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 21، خارج الفريقين، وجمعنا أولئك وهؤلاء إلى من أصرّوا على اللاّإقتراع، لأمكن المرء أن يجزم بأنّ نتائج الانتخابات الأخيرة، لم تكن سوى quot;لاquot; كبيرة لشرعية وصلاحية هذا النظام الطائفيّ - القبليّ - الكومبرادوريّ، بما فيه قانونه الانتخابي. ولا تلغي هذا الاستنتاج كل quot;الهمروجاتquot; المحلّيّة والاقليميّة والدولية حول quot;ديمقراطية ونزاهةquot; هذه الانتخابات.

سيسْتَسْهلُ العديدون الرّد على هذا الإدّعاء، بأنه غير واقعي وبأنه حتى في quot;أعتى وأعرق الديمقراطياتquot; لا تصل نسبة المقترعين حدود ما وصلته في الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة. لكن هذا الرّد سيكون مردوداً، بوصف quot;أعتى وأعرق الديمقراطياتquot; التي نحاول التشبّه بها، تنقصها العراقة، لنفس الدليل. أمّا بالنسبة للذين سيردّون بمقارنة quot;الديمقراطيةquot; اللبنانية مع الأنظمة quot;الشموليّةquot; وquot;الديكتاتوريةquot; العربيّة وغير العربيّة، فالحجّة أيضاً مردودة، لأنه هناك خيط أرفع من الشعاع الواحد، يفصل بين دكتاتورية الحزب الواحد ودكتاتورية الحزبين الوحيدين، والفرق الأوضح بينهما ليس الكبت والقمع بعينهما، بل أدواتهما ووسائلهما.

ففي quot;الديمقراطيّة الأستراليةquot; على سبيل المثال، يستطيع اعلام ماردوخ وبّاكر وفيرفاكس، أن يقرر نتائج الانتخابات قبل أسبوع واحد من موعدها، بإشغال الرأي العام بأتفه القضايا وحرف اقتراعه عن مساراته الفعليّة، مقابل ألاّ يكون لها موعداً على الاطلاق في بلد كالعربيّة السعودية. أوليس جدير بنا أن نسأل لماذا تتأرجح السلطة، لعقود وقرون من الزمن، في انكلترا أو الولايات المتحدة أو سواهما من quot;الديمقراطيات الغربيةquot; بين الحزبين الرئيسسين لا غيرهما؟! ليس هنا مكان ووقت الإجابة على هذا السؤال الذي لا يجب، في مطلق الأحوال، أن يغيب عن البال.

من أطرف التعليقات التي سمعتها حول quot;الديمقراطيةquot; اللبنانيّة، هو تشبيهها بمصمّم أزياء من أصل لبنانيّ، يعيش في أوروبا، تضاهي تصاميمه عراءً تصاميم نظرائه الأوروبيين لكنه مستعد أن يرتكب quot;جريمة شرفquot; إذا ما ارتدت زوجته أو أخته quot;المايوهquot; أو quot;الجينزquot;.

تصبحون على ورقة بيضاء...على صوت أكثرية صامتة...على وطن!

حبيب فارس

أستراليا