الحديث المتصاعد عن ضرورة التغيير الشامل في مؤسسة جامعة الدول العربية لم يعد همسا بل تصاعد لآفاق إعلامية و سياسية تنبيء بأن تلك الجامعة التي هي أقدم عمرا بشهور من منظمة الأمم المتحدة ذاتها قد ظلت كما هي منذ نشأتها عصية على التغيير و أنها خلال مسيرتها التاريخية الطويلة التي تجاوزت الخمسة و ستين عاما لم تستطع أبدا أن ترتقي للهدف المنشود وهو أن تكون جامعة للشعوب العربية بل ظلت جامعة للأنظمة العربية! وثمة فروق كبيرة بين الحالتين؟ فعقدة وعقيدة جنسية ألأمين العام فضلا عن عقدة إجماع القرارات وليس الأغلبية قد ظلتا على الدوام الهاجس ألأكبر لتلك الجامعة التي ساهم الإنكليز في إنشائها منذ البداية كجزء من ترتيبات شرق أوسط جديد لما بعد الحرب العالمية الثانية وظل أمناؤها العامون منذ عبد الرحمن باشا عزام وحتى عمرو باشا موسى من حملة الجنسية المصرية بل أن حتى حركة الضباط الأحرار في مصر قد إستوعبت تلك الجامعة لتصدر لها أحد أمنائها العامين من بين صفوفها وهو اليوزباشي أو البكباشي ( محمود رياض )! و بإستثناء الفترة التي أعقبت قرارات قمة بغداد عام 1978 و طرد مصر من الجامعة و تحويلها لتونس و تعيين الأمين العام البديل من دولة المقر البديل وهو الشاذلي القليبي فإن القيادة العليا لتلك الجامعة كانت مصرية بإمتياز بل أنني لا أتردد عن القول أبدا بأنها قد أضحت فرعا تابعا لوزارة الخارجية المصرية! كما أنها لم تستطع أن تفرز هوية مستقلة واضحة لا في قراراتها و لا في أي شيء آخر ! وظلت كالشارع العربي تماما لا تصدر القرارات و لا تساهم في صياغة المتغيرات بل تتلقاها و تتعامل معها وفقا للفعل ورد الفعل، في أكبر أزمة مرت بها الجامعة العربية وكانت مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لزيارة القدس عام 1977 لم تستطع الجامعة أن تكون صوتا سياسيا لمنظمة إقليمية لها رؤيتها الخاصة بل خضعت وقتها لبلطجة أنظمة ماكان يعرف بأنظمة الصمود و التصدي التي لم تصمد لشيء و لم تتصد لأحد وهي أنظمة العراق و سوريا و ليبيا و اليمن الجنوبي و الجزائر،التي قامت بطرد مصر من الجامعة في خطوة رعناء لم يكن هنالك ما يبررها، لقد إجتهد الرئيس السادات و أتخذ قرارا إرتأى فيه المصلحة لشعبه ولكن ماذنب الشعب العربي المصري أن يطرد من تلك المؤسسة بطريقة مهينة وحيث عاش العالم العربي بعدها مرحلة الحروب الإقليمية الكبرى بدءا من الحرب العراقية / الإيرانية عام 1980 ثم غزو إسرائيل لبيروت و إحتلالها في صيف 1982 و تدهور الموقف في جبهة الحرب العراقية / الإيرانية في نفس الفترة إضافة لتصاعد الصراع بين ألأنظمة العربية التي أغلقت الحدود بالكامل في وجه شعوبها كما كان الحال بين نظامي البعث في العراق و الشام منذ عام 1980 وحتى عام 1997!، في تلك الفترة لم تستطع الجامعة العربية أن تفرز أي متغير إيجابي أو تعدل ميثاقها أو حتى أن تثبت وجودها كما جاء الغزو العسكري العراقي للكويت في 2/8/ 1990 ليصيب تلك الجامعة بعد أن عادت للقاهرة في مقتل و ليضيع الأمين العام الأسبق عصمت عبد المجيد في الطوشة و الهوشة العربية المستمرة و لتكون تلك الجامعة شاهد ما شافش حاجة على فظاعة ما حصل، و بعد أن جاء وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو باشا الذي يحبه كثيرا الرفيق ( شعبولا ) حيث سوق له الدعاية الإنتخابية بسيمفونيته الشهيرة ( أنا بأكره إسرائيل و بحب عمرو موسى ) لم يستطع أن يفرض التغيير و لا حتى التطوير، وظلت القضية قضية بروتوكولية بحتة و كان الصراع الرئيسي حول تمويل ميزانية الجامعة العربية الخاوية وفي عهد عمرو باشا تم إحتلال العراق و تدهورت أوضاعه و لم تستطع الجامعة سوى إصدار التصريحات الساخنة دون أي برنامج حقيقي للتدخل و إصلاح ذات البين، الزمن قد تغير بالكامل وهنالك دول كبرى إختفت من الخارطة الدولية بينما ظل حال الجامعة راكدا كالمستنقع لا يغير مائه و قضية سيطرة جنسية عربية واحدة على منصب الأمين العام هو ثغرة خطيرة ينبغي أن تعالج ضمن إطار تداولي كما هو الحال مثلا في منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، لماذا يحرم العراقي أو المغربي أو الكويتي أو اليمني أو السوري و ألأردني من منصب ألأمين العام؟ القضية ليست سيطرة دولة و جنسية معينة بل قضية المشاركة الجماعية و إبعاد عقدة دولة المقر عن الموضوع و لكي يكون للمنصب مصداقيته و إبتعاده عن الضغوط المعروفة، خليفة عمرو باشا موسى يجب أن يكون من جنسية عربية اخرى و إلا فإن الجامعة و الماء من حولها قوم نيام حولهم ماء!! و تغيير جنسية ألأمين العام هو البداية الحقيقية لتطوير حقيقي يشمل جميع هياكل تلك المنظمة العريقة تاريخيا، أما الإصرار على عقدة ( أنا الأعظم و الأكبر و الأحق ) فهي مأساة تؤشر لضياع الجامعة كما ضاع العراق بالكامل... ودمتم.. اللهم إجعل كلامنا خفيفا عليهم..!.. مع الإعتذار للموسيقار الكبير شعبان عبد الرحيم..!.