صم quot;الإسلاميونquot;، وتحديدا فصيلهم الإخواني، آذاننا في عهود quot;الديكتاتورية البائدةquot; بدفاعهم المستميت عن القضية الفلسطينية، وعدائهم المعلن والصريح للكيان الصهيوني وانتقدوا بشدة الأنظمة التي كانت تسوس الديار في مصر و تونس، على ما اعتبروه خضوعا من قبلها لإملاءات الغرب ممثلا بالأساس بالولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. بل وذهبوا بعيدا إلى حد اتهامها بالعمالة للكيان الصهيوني وتوعدوها بالويل والثبور.
فخلنا أن هؤلاء القوم quot;سيلقون بإسرائيل في البحرquot; إذا شاء القدر وتسلموا يوما مقاليد الحكم في بلدانهم، وأنهم سيمضون بعيدا في الضغط على الولايات المتحدة لإجبار كيانها الغاصب على احترام الحقوق الفلسطينية والإذعان للمواثيق والقرارات الدولية. أو أنهم سيعلنون quot;الجهادquot; ويرسلون بأتباعهم ومريديهم إلى ساحات الوغى في بيت المقدس وتخومها لمقارعة الصهاينة من أجل استرداد الحق السليب واسترجاع الكرامة المهدورة ممن عبث بالمقدسات ولم يعر اهتماما لانتهاك الحرمات.
لكنهم وبمجرد أن تربعوا على العروش تنكروا لما صدحوا به وكسبوا من أجله الأنصار. ففي مصر هدموا أنفاق غزة، ذلك الشريان الحيوي الذي يقتات منه من أنهكهم الحصار، وبعث مرسيهم برسائل الغرام لحكام تل أبيب مزدانة بعبارات غزل يخجل مبارك نفسه من تردادها. وفي تونس استماتوا من أجل عدم إدراج فصل في الدستور يجرم التطبيع إرضاء لمن نصبهم على quot;عروشهم الخاويةquot;، وحجتهم التي ضحكوا بها على الذقون، أن الأمر من اختصاص القوانين العادية ولا يجب أن تخوض الدساتير في التفاصيل وإنما يُقتصر في صياغتها على العموميات، وهي مغالطة باعتبار احتواء بعض دساتير ديمقراطيات عريقة على مسائل تفصيلية اقتضتها الضرورة وحاجة المجتمع، على غرار مسألة تقسيم المياه في دستور إحدى البلدان السكندنافية.

كما أنهم ضربوا القضية الفلسطينية في مقتل حين انتصروا لفصيل فلسطيني دون الآخرين. وقد كان من المفروض أن يعملوا على المصالحة بين الأخوين اللدودين فتح وحماس عوض تنظيم التظاهرات دون علم سلطة رام الله، على غرار ذلك المتعلق بالأسرى، والذي أشرف على افتتاحه ساكن قرطاج المنصف المرزوقي شخصيا، والذي لم يستفد منه سوى الإحتلال الذي يسعى منذ سنوات إلى تعميق الشرخ بين الفرقاء وإجهاض جميع المساعي الهادفة إلى المصالحة بين الفلسطينيين.
كما أنهم أساؤوا أيضا لحركة حماس نفسها حين أرادوا إقحامها في تحالفهم الهادف إلى الإطاحة بنظام الأسد، رغم أن للحركة علاقات إستراتيجية بهذا النظام الذي يدعمها بمعية ملالي طهران. فحماس اليوم، ونتيجة لانجرارها خلف مخططات الإخوان باتت معزولة، فلا إخوانها قادرون على مد يد العون لها والتنكر لأولياء نعمتهم في واشنطن، ولا حلفاء الأمس في محور دمشق طهران حزب الله مستعدون ليكونوا كدأبهم سندا للحركة إلا في حدود ما تقتضيه مصالحهم.
وحتى ما يعتبره آل النهضة وإخوانهم في مصر quot;إنجازاquot; للقضية الفلسطينية ويتبجحون به في منابرهم الإعلامية والمتمثل في زيارة وزرائهم لقطاع غزة المنكوب إبان أزمته الأخيرة مع تل أبيب، يدرك القاصي والداني أنه ما كان ليتم لولا حصولهم على ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي. والغافل وحده من يتصور أن نهضة تونس وإخوان مصر قادرون على التمرد على ولي نعمتهم العم سام، ويعلم الله وحده ما كان الهدف غير المعلن من تلك الزيارة، حيث يتحدث البعض على أن غايتها بالأساس كانت إكساب هؤلاء ألقا قوميا كان يريده من ضخ لهم الأموال للوصول إلى السلطة لدعم استحواذهم عليها. كما ذهب البعض إلى الحديث عن ذهابهم في مهمة لإقناع الحركة الإسلامية الحاكمة في القطاع بإبداء بعض اللين مع المطالب الإسرائيلية وفك الإرتباط مع الجانبين السوري والإيراني.
فحال القضية الفلسطينية بعد حكم الإخوان في تونس ومصر ليس أفضل مما كان عليه قبل وصولهم، بل لعله ازداد سوء. فقد أفقدوا حماس بعض قوتها التي استمدتها من تحالفها مع إيران وسوريا وحزب الله اللبناني (بقطع النظر عن موقفنا من هؤلاء) دون أن يقدموا لها البديل. وزادوا فرقاء الوطن السليب فرقة، وبالتالي فإن وعودهم بشأن هذه القضية قبل الوصول إلى السلطة أصبحت مجرد شعارات جوفاء وكلمة حق أريد بها إسقاط أسلافهم الذين حكموا البلاد ساسوا شؤون العباد.