عبد الجبار العتابي من بغداد:ترك مهرجان بغداد السينمائي الدولي الثاني الذي اختتم مؤخرا في بغداد صدى طيبا في الاوساط الثقافية والفنية العراقية التي عدت اقامته خطوة في الاتجاه الصحيح لبناء سينما عراقية تقوم على اسس سليمة وتحتفل بنفسها على الرغم من الظروف غير المناسبة التي لا تمنحها مناخا ملائما لكي تكون، وتقف على قدميها، بل انها تعطي الشباب الامل في اعادة حركة السينما في العراق وتتشعب في ميادين المؤسسات الفنية لتنفض عنها غبار اليأس والقنوط وتتحرك مشاعرها باتجاه تنظيم ما لديها من قدرة على خلق اجواء وتهيئة وسائل وتشجيع طلبة كلية ومعهد الفنون الجميلة، هذه الخطوة المميزة التي اسماها رئيس منظمة (سينمائيون عراقيون بلا حدود) التي نظمت المهرجان بـ (الخروج من عنق الزجاجة) اعطت دافعا قويا للتحضير من الان للدورة اللاحقة التي ستطرأ عليها تحسينات في الموعد والمكان ربما، وفي شروط الاشتراك، وفي الاستعداد الامثل والاوسع لاستقبال ضيوف عرب واجانب من خلال الدعم الحكومي، المهرجان حفز الجميع الى النظر الى الغد، الى العمل منذ الان وتوظيف الجهود والامكانات لانتاج اعمال جديدة وذات قيمة فنية وموضوعية تنتمي الى الانسان وتتسلح بالمعنى الجمالي.

من الجمهور الذي حضر مهرجان بغداد السينمائي

ولكي نكون على مقربة من هذه الخطوة بالاثر الذي تركته، وجدنا ان نتعرف على افكار ومشاعر نخبة من اهل السينما الذي كان لهم دور في هذه الدورة، يقول الدكتورعقيل مهدي عميد كلية الفنون الجميلة ورئيس لجنة التحكيم للمهرجان الذي تحدث لنا قائلا : (المهرجان تطوير لخبرة محلية في هذا الميدان الصعب المركز خاصة ان هناك دولا عريقة بتقديم هذه المهرجانات الدولية والمحلية، وهو الثاني بعد ان أسس لنفسه بعض التقاليد في المهرجان الاول، ويبدو ان لديه توصيات وافكار جديدة للمهرجانات القادمة، حيث شاركت فيه عشر دول بأكثر من ستين فيلما، ومن المفرح ان تكون للفنان السينمائي العراقي الشاب الكثير من حصة المشاركة وتميزت افلام من سواها بمعالجاتها الفنية السينمائية، واضاف مهدي : وكانت لجنة التحكيم التي اتشرف ان اترأسها امام خيارات صعبة في وضع معيار يلم شتات هذه الافلام المختلفة التجارب والمتنوعة الاشكال ذات المضامين المتفاوتة في التزامها وعمقها الحضاري والفلسفي، وقد اتفقنا على ان يكون المعنى الجمالي للفيلم هو الذي يرشح الفيلم لهذه الجائزة او تلك من خلال هذه العينات المشتركة، فتقدمت الرؤية السينمائية حتى وان كان باللونين الاسود والابيض، وانحسرت افلام ملونة لانها لم تعالج فكرة متكاملة فنيا وألتزمت باسلوبية مميزة واضحة).
اما المخرج السينمائي هادي ماهود فقال : (المهرجان خطوة مهمة جدا في هذا الظرف الاستئنائي، وهذا يعني اعلان واضح وصريح للحكومة بأن تنظر بجدية الى السينما، وان لاتترك السينمائيين العراقيين عزلا، يجب ان تقدم رعاية حقيقية للسينما والسينمائيين كي يتحقق كما من الانتاج السينمائي، واضاف ماهود : في هذا المهرجان اجمعت العروض العراقية على قاسم مشترك هو الانتماء المطلق للانسان العراقي، وبذا فهي تستحق بالتالي الدعم من الدولة.
وسألناه عن الخطوات الاساسية لقيام سينما عراقية، فأجاب : الخطوة الاساسية هي دعم المخرجين العراقيين المستقلين، فالسينما لا يصنعها الموظفون، وهذا ما بدا واضحا لسنوات في دائرة السينما والمسرح التي ينبغي حلها لكي يتشكل كيان آخر هو المركز الوطني للسينما يتكون من مجموعة من المفوظين الاكاديميين النزيهين لتدعيم المشاريع الفنية للمخرجين المستقلين وتقديم الدعم المادي لهم لتحقيق مشاريعهم، وايضا ينبغي تأسيس صندوق لدعم السينما يتلقى الدعم من الدولة والمؤسسات التجارية والشركات لتقديم قروض للمنتجين والمخرجين المستقلين، ولذا سنرى في عام كامل حتما عددا من الانتاج السينمائي والافلام العراقية التي تتبارى للوصول الى نوع مميز يحمل هوية وطنية للسينما العراقية).
اماالمخرجة السينمائية الشابة سرى عباس التي شاركت في المهرجان بفيلم وثائقي عنوانه (حقوقهم) فقالت : (يأتي هذا المهرجان في وقت تكاد فيه السينما العراقية تختفي من اجندة الفن العراقي بعد ان تقطعت بها سبل التواصل، وعاشت في شبه سبات منذ سنوات طويلة، هذا المهرجان هو تحفيز وتنشيط للواقع لاسيما انه استقطب العديد من الفنانين السينمائيين الشباب، فأي مهرجان يمثل لاي مخرج مرحلة، ان يعرف اخطاءه وحسناته وما يطوره وبالتأكيد النقد هنا مفيد لاي مخرج، لاسيما بوجود مشاركات دولية التي نطلع عليها ونستفيد منها في تكثيف الفكرة والتقنية، واضافت سرى : المهرجان كان له تأثير في رفع معنويات الفنان العراقي، من خلال التقييم والحضور، وتأكيد على ان الفن موجود بغض النظر عن الظروف الصعبة، واننا نهتم بالسينما ونقيم لها مهرجان وان كنا قد انتجنا افلامنا في ظروف صعبة وانتاجية صعبة، وان استمرارية المهرجان في السنوات المقبلة سيؤدي الى تعاونات دولية وبالتالي الى انتاج افلام عراقية مئة في المئة).

وحديثنا الاخير كان مع عمار العرادي مدير منظمة سينمائيون عراقيون بلا حدود الذي كشف لنا قيمة هذا المهرجان في دورته الثانية والدورة الثالثة التي ستعقد عام 2009 في وقت مختلف، يقول : (خرجنا من الجلسة النقدية التي كانت ضمن منهاج المهرجان بتوصيات من اهمها انشاء مركز وطني للفيلم العراقي تتولاه امانة عامة تشرف على تطوير السينما وتحديد اهدافها وستراتيجياتها، ودعم السينما من خلال تخصيص مبالغ من الميزانية لانتاج افلام روائية، وان تهتم الدولة بمعاهد وكليات الفنون الجميلة والاهتمام بالبنية التحتية للسينما وتوفير الاجهزة والمعدات الخاصة بالسينما ودعم مؤسسات المجتمع المدني التي لديها مشاريع سينمائية وان تقوم البنوك باقراض الجهات والاشخاص الذين يهتمون بالسينما، وكذلك احتضان الطاقات الشبابية واختيار مجموعة من الشباب المخرجين، واضاف العرادي حول تحضيراته للدورة المقبلة : هناك ضغط عليّ ان يكون المهرجان سنويا ولكنني ارى من اللائق له ان يكون كل سنتين،لذلك سيكون موعد الدورة الثالثة عام 2009 ولكن سنقيمه في الشهر الرابع (نيسان) كي نبتعد عن زحام المهرجانات الدولية التي تقام دائما في الشهور الثلاثة الاخيرة من كل عام، وحيث ان الجو في بغداد سيكون طيبا، لاحار ولا بارد، والنهار اطول ومن الممكن ان نكسب ساعتين على الاقل في عرض الافلام مساء، وانا الان في صدد لقاء الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء لمناقشة تحضيرات الدورة الثالثة ومسألة الضيوف العرب والاجانب من اجل ان تكون المشاركة اوسع، فهذا بحاجة الى ميزانية، وكي لا نقول لمن لديه رغبة بالحضور اننا لا نقدر، فهذا لايجوز، واكد العرادي عن تمنياته للدورة الثالثة قائلا : مادامنا خرجنا من عنق الزجاجة فهناك تطور، ومثلما تطور المهرجان في الدورة الثانية، بالتأكيد ستكون استعداداتنا افضل ونحسن الشروط التي نضعها للافلام المشاركة، واذا ما تحسن الشارع العراقي، فبالامكان استغلال صالة سينما (اطلس) لعرض الافلام خارج المسابقة، وسوف نراهن على جهود الجميع في انجاح المهرجان لكي يكون مؤثرا ومفيدا). * اختتم المهرجان ونال كل مجتهد نصيبه، ولكن رائحة السينما ظلت تفوح في الامكنة والنفوس عابقة بأملها ورجائها ان تقام الدورة الاخرى في حضن مساءات بغداد وبحضور دولي اوسع وان تكون هنالك افلام روائية عراقية متألقة.