صلاح هاشم من باريس: شعرت بسعادة غامرة ، عندما قرأت الخبر التالي الذي نشرته جريدة quot; ايلاف quot; الاليكترونية المعروفة بتاريخ الجمعة 31 يوليو 2009 ، بخصوص فوز الناقد السينمائي المصري الكبير الصديق أمير العمري المقيم في لندن بجائزة quot; قلم الاهقار الذهبي laquo; في الدورة الثالثة لمهرجان وهران السينمائي في الجزائر. والحقيقة ان مصدر سعادتي وفخري بحصوله علي تلك الجائزة، هو اعتزازي أولاً بصداقتي لأمير منذ زمن بعيد، ولأنه أمير من النوع الذي لاينسى أبدا اصدقائه، فهو يذكر دوما بهم، ويتذكرهم، ويحبهم كما هم، وليس كما يحب أمير أن يكونوا مثله أو على ذوقه أو شاكلته، ولذلك يتركهم أمير (على هواهم) أوعلى سجيتهم، وهو شيء جميل ومتميز عنده، فهو لا يسعي أبدا لتغيير أصدقائه، ولا يطلب منهم ان يتمثلوا رأيه، أو يشاركوه وجهة نظره، في الحياة والسينما والافلام، ولهذا السبب أحمل لأمير محبة وتقدير خاصين. غير أن أمير، وهو جانب مهم جدا في شخصيته، يتميز عن بقية أصدقائي بميزة خاصة ومهمة، ألا وهي أنه يشجع أصدقائه المقربين علي الابداع والعمل والكتابة، وقد كانت سعادتي كبيرة جدا بزيارته حديثا الي باريس، فقد تجولنا وتصعلكنا كالعادة في حواريها وشوارها، وتحدثنا في أمور شتي من ضمنها تربية العيال و الفن والافلام، ولم نتعب من المشي والكلام. ومن خلال حواراتنا التي لم تنقطع، كنت اشعر بان تلك الحوارات المفتوحة علي الحياة والهواء الطلق تحت سماء باريس، يجب ان تسجل على الفور، وهكذا كان يري صديقنا المخرج السينمائي العراقي الكبير سعد سلمان quot;دردماتquot; في باريس حتى لا تضيع، وأنها تحفز، ولو بشكل غير مباشر، تحفز وتشجع أيضاً على الابداع والعمل والكتابة، كما انها تشي في ذات الوقت بقلب انساني كبير عند quot;أبو ريمquot; يجعلك تحبه أكثر..

كتابات ذات طابع خاص
فرحت في الحقيقة لأمير، عندما قرأت الخبر المنشور في quot;ايلافquot;، كما لو كنت أنا الذي فزت بالجائزة، فامير صاحب قلم أصيل، ومتميز، وله quot;نفسquot; خاص في الكتابة، كتابة تفكر، وتوظف السينما كأداة تفكير، بل وتشعر وأنت تقرأ أحيانا مقالاته، بأنه كان يمكن بأن يضيف اليها من عنده الكثير، الكثير من بنات أفكاره ومواقفه وقناعاته، بالاضافة الى الافكار التي تضمنتها تلك المقالات من قبل، ومن هنا تنشأ متعة اللقاء والحديث معه، والصعلكة في صحبته في شوارع المدينة، حيث لا ينتهي معه أبدا حبل الكلام عن الحياة والسياسة والافلام ومغامرة الكتابة..
هذه المغامرة المسنودة عند أمير علي ثقافة سينمائية موسوعية، ومعرفة واجادة للغة اجنبية، وتجربة حياة سينمائية وغير سينمائية عريضة ، وفضول معرفي لا حد له ..
لكني أحببت بعد ان اطلعت علي الخبر المذكور، ودهشت للأمر، أحببت أن استوضح أمير أكثر في ما يتعلق بتلك الجائزة، وبخاصة بعد أن ذكر لي حين التقينا في باريس، بانه اعتذر عن حضور مهرجان وهران السينمائي الثالث في الجزائر، والمشاركة في احدي ندواته..
فكتبت اليه أسأله بعد ان هنأته بالفوز أولا، كيف يرضى بالحصول علي جائزة مالية (5 آلاف دولار) في مسابقة لم يبلغني بمشاركته فيها، وفي مهرجان اعتذر عن عدم حضوره، فأرسل الي أمير العمري الرد التالي الذي يقول فيه:
لماذا والى متي يكون النقاد في المهرجانات للفرجة فقط؟
يقول أمير العمري:
quot;..عزيزي صلاح
لم تشأ كل الظروف والترتيبات أن أشارك في مهرجان وهران السينمائي الثالث، وقد اضطررت بالتالي لعشرات الأسباب الخاصة بالعمل، وبانشغالي في مهرجان آخر انهمكت بالعمل فيه، وأيضا بسبب تعذر الاتصال المستمر مع ادارة مهرجان وهران، لترتيب التغطية الاعلامية التليفزيونية اليومية التي كنا في بي بي سي نعتزم القيام بها، وتركيز المهرجان على موضوع اشتراكي في حلقة النقد السينمائي.. بينما لم أتمكن من كتابة البحث المطلوب في حينه، وغير ذلك من أسباب، حالت دون ذهابي.
لكني شاركت بالفعل في مسابقة أفضل مقال بمقالي عن فيلم quot;الزمن الباقيquot; لسبب رئيسي، هو اهتمامي الكبير بفكرة حصول النقاد أخيرا، على تقدير حقيقي في مهرجان عربي من خلال مسابقة، وليس من خلال اختيارات أصحاب المهرجان، وهو ما كنت أطالب به، وهذا من أهم الجوانب التي ابتكرها مهرجان وهران الذي لم يسبق لي حضوره بالمناسبة.
إنني أرى أن النقاد، الذين يصنعون السينمائيين ويساهمون بدور بارز في لفت الأنظار إلى أفلام كثيرة ومخرجيها، لا يلقون نفس ما يلقاه السينمائيون عادة من احتفاء وتقدير بمنحهم جوائز مالية. وكنت دائما أرى أنه لابد من تقدير جهود النقاد، وتكريم هذا الجهد بما يليق، أي عن طريق تخصيص جوائز مالية أيضا على غرار ما يحصل عليه السينمائيون. وسواء حصلت أنا على الجائزة، أم حصل عليها غيري من النقاد، فهذا يعد تكريما لنا جميعا ولما نقوم به.
في المقابل يجب أن أعترف بأنني لم أكن سعيدا، عندما علمت أن مشاركة عشرة من النقاد في ندوة حول السينما العربية ويطلب من كل منهم إعداد ورقة بحث يساهم بها، بكل ما يقتضيه هذا من جهد وعمل شاق قد يستغرق أكثر من اسبوعين إذا كان الناقد فعلا يتعامل بالجدية المطلوبة مع مادته، وعلمت أن المشاركة ستكون بدون أي مقابل مالي. وكان يجب في اعتقادي أن يقدر المهرجان هذا الجهد الخاص من المساهمات، وألا يقال إن هذا الجهد سيكون quot;تطوعياquot;، فما معنى quot;التطوعquot; هنا خاصة وكيف يمكن ان يكون المقابل للجهد المبذول لكتابة المادة المطلوبة مجرد quot;تقدير رمزيquot;، ولماذا يطلب من أي ناقد أو كاتب محترف التفرغ للقيام بجهد تطوعي، في حين أن المهرجان يعلن أن لديه ميزانية تبلغ 2 مليون دولار؟
ولماذا لا يخصص المهرجان عشرين ألف دولار مثلا كمكافآت للنقاد؟ هل وجود النقاد الذين يساهمون في وجود المهرجانات وترسيخها، حتى ولو عن طريق انتقادها، أصبح وجودا رمزيا، هل يكفي دعوتهم للفرجة على تكريم السينمائيين (بالجوائز والتقدير والأموال أيضا!!). وحديثي هنا لا ينحصر فقط في مهرجان معين، بل يشمل معظم المهرجانات العربية. والموضوع بأكمله كما أشرت، يتعلق بمكافآت رمزية في النهاية، فهل ترقى في النهاية جوائز النقد أو مكافآت النقاد إلى ما يحصل عليه السينمائيون!
وأنا لا أتكلم عن المال من أجل المال، فهذه المبالغ لا تغني أحدا منا.
وأخيرا.. ولعلمك الخاص، حتى هذه اللحظة أنا قرأت ما نشر عن حصولي على جائزة ذات قيمة مالية منحتها لجنة تحكيم في مهرجان وهران، ولم يمنحها المهرجان، لكني لم أسمع ولا كلمة واحدة، ولم أتلق أي رسالة من المهرجان تفيد حصولي على هذه الجائزة، ولا من الذي استلمها نيابة عني مثلا.. لا شيء على الاطلاق من جانب المهرجان، بل صمت مطبق.. فما معنى هذا؟ هل فوجيء المهرجان بحصول ناقد مستقل لم يحضر المهرجان، على هذه الجائزة من لجنة تحكيم لم يعلن عن أسمائها مسبقا، ولم أكن أعرف ممن تتكون أصلا!
لا أعرف
وتقبل تحياتي
أمير العمري
..
كل هذه التساؤلات المهمة التي يطرحها أمير العمري هنا في تعليقه هي مايجب أن ينشغل به كل نقاد السينما الجادين المحترفين بالفعل، والمطلوب الآن موقف محدد وموحد تجاه تلك المهرجانات التي لا تحترم النقاد، ولا تعجبها آرائهم وانتقاداتهم على مساخرها وميزانياتها وحفلاتها الاستعراضية، وتريد أن يعملوا ويكتبوا ببلاش. وباب التعليقات مفتوح في مدونةquot;سينما ايزيسquot; للناقد صلاح هاشمللتعقيب والنقاش والردود لمن شاء وبانتظار رد ادارة مهرجان وهران على ماجاء في التعقيب وعله يخرج عن صمته.