فالح الحمراني من موسكو: صدرت في موسكو بالروسية مجموعة منتخبة من قصائد الشاعر الرحال نزار قباني من ترجمة احد المعجبين بالشاعر السوري، المترجم والمستعرب الروسي يفجيني دياكونوف. ودياكونوف شاعر ومنظر في ميدان ترجمة الشعر و نظرية الشعر المقارن ويمارس التدريس في قسم اللغة العربية بالجامعة العسكرية ومعهد الاستشراق.
وانتخب المترجم قصائد من مختلف دواوين نزار تعطي صورة شاملة ودقيقة لابداعات الشاعر وتعكس تلون ابداعاته وتطور رؤيته الشعرية. وقد ساعد على ذلك سهولة وما تتسم به قصيدة القباني من مباشرة، والتي حظيت بتقديرات متباينة بل ومتناقضة في مجال تنظير ونقد الشعر العربي الحديث.
وشمل الكتاب الصادر عن دار نشر بيبلوس كونسالتينج بموسكو على مقدمة و 17 قصيدة. وركز المترجم على نقل روح القصيدة القبانية وما اتسمت بها من خفة واجواء انفعالية من دون ان يتقيد بحرفية النص.انها اعادة قراءة لحد ما. واعتقد انه نجح بذلك. ان المترجم صاغ شعر نزار بما يتناسب واذن المتلقي الروسي محافظا في الوقت نفسه على روح القصيدة القبانية. وجاءت الاشعار ذات ايقاع خفيف وسريع مشحونه بالانفعالات والمشاعر التي اعتادها القارئ العربي باشعار نزار قباني، بغض النظر عن محتوياتها.
وتضمن ديوان نزار بالروسية قصائد مثل: جسمك خارطتي وبيروت حبيبتي ومدرسة الحب ورسالة من تحت الماء وقارئة الفنجان وقولي احبك ونهر الاحزان وايظن وخبز وحشيش ومطر واشهد الا امراة الا انت واختاري وحارقة روما وقصائد حب قصيرة جدا.
ومن دون شك ان اقتصار المجموعة على هذه القصائد لاتعطي صورة متكاملة عن عوالم نزار الشعرية، وتطرحه فقط كشاعر يتغنى بالمرأة جسدا وشوقا لقربها. ربما كانت هذه مرحلة من مراحل الشاعر تخطاها كما هو معروف بشكل حاد بعد انتكاسة حزيران 1967 ودشنها بقصيدته الطويلة الشهيرة quot; على هوامش دفتر النكسةquot;، ورفدها بقصائده الاخرى خلال اقامته في لندن ونشرت جلها مجلة quot; الناقدquot; التي غابت وللاسف عن الوجود بعد كانت نافذة جرئية للادب والفكر العربي المعاصر.رغم ان المترجم يمر بسرعة على ذلك التطور في شعر نزار من في مقدمته للمجموعة.
وكرس المترجم للمجموعة مقدمة فاضية عن ادب نزار قباني ومكانته في الشعر العربي الحديث. وادرج قباني ضمن كوكبة الشعراء العرب المشهورين الذين اسسوا لانطلاقة الشعر الحديث ووضع مفهوم حديث للقيصدة العربية بعيدا عن المفهوم الكلاسيكي لها.
ويقول دياكونوف في مقدمته ان عام 1955 شهد واقعة احدثت انعطافا في حياة نزار قباني، ففي ذلك العام كتب قصيدته الطويلة quot;خبز وحشيش وقمرquot;، التي احدثت اصداءا متباينة في العالم العربي. ونوقشت هذه القصيدة بين جدران البرلمان السوري وحينها طالب البرلمانيون بفصل نزار قباني من وظيفته الدبلوماسية. فالقصيدة لم تمثل عملا شعريا وحسب وانما عكست موقفا فكريا. وحين تقرءها بتمعتن تسمع فيها اصداء طروحات المفكر الروسي التنويري الكبير بيتر تشادايف (1794ـ 1756). وانعكست تلك الافكار اكثر في قصيدة quot;هوامش على دفتر النكسةquot;. التي كرست لهزيمة العرب في الحرب مع اسرائيل عام 1967.
ووفقا لتقديرات المستعرب الروسي فان نزار ظهر في سماء الشعر شاعرا مجددا ووقف مباشرة الى صف الشعراء المجددين مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وغيرهم. وكان نزار قباني والكلام مازال لدياكوف نفسه واحد من اوائل الشعراء العرب الذين رفضوا الاسلوب الكلاسيكي للقصيدة الذي وضعت لها اطر ثابة تمثلت بالتفعيلة الفراهيدية والقافية، لايمكن الخروج عنها.وانضم القباني الى حركة ما سمى بالشعر الحر. وتخلى ايضا عن بنية بيت القصيدة العربية الكلاسيكية المتكون من شطرين. وتبنى معمارية حرة للقصيدة تتمثل ان الشعر نابع من كينونة الشاعر ومن تجربته الروحية والحياتية وتتوزع اجزاء قصيدته وفق نسق حر. وبهذا فان القصيدة العربية كسبت اشكال ومضامين جديدة مشحونة بفكر الشاعر وروحه.
ورصد المترجم ان نزار في اطار تطوره الشعرى راح يكتب ايضا قصيدة النثر، دون ان يتخلى عن النغمه المعروفة في الشعر العربي الكلاسيكي.
وقال ان نزار تعرض لنقد المؤسسات الثقافية العربية المحافظة والمزمتة بسبب استخدامها كلمات اللغة اليومية في قصائدة. ويرى ان لغة نزار هي لغة المثقفين العرب، التي تنأى بنفسها في آن واحد عن اللغة الاكاديمية المقعرة وعن اللغة quot;السوقيةquot; التي تستخدمها شرائح المجتمع الغير متعلمة.
بهذه الصورة الفارهة يقدم المستعرب دياكوف الراحل نزار قباني اللقارئ الروسي، ونأمل ان تكون بداية لصدور اعمال ادباء عرب اخرين، بعد انقطاع ممتد على مدى زهاء عقدين.