سيرة مكان باسلوب انسيابي

فالح الحمراني من موسكو: صدر توا في موسكو عمل القاص والصحفي العماني محمد الرحبي quot; بوح سلمىquot; وربما هو الاول العمل الادبي العماني من نوعه بالروسية او من بين الاوائل. وينطوي صدور عمل quot; بوح سلمىquot; لمحمد الرحبي على اهمية كبيرة، من كون ان الدولة تولت عضد هذا الاصدار بالروسية، في وقت شحت او حتى انعدمت ترجمة الاعمال الادبية العربية للروسية منذ اكبر من قرن, واتمنى ان تحذوا باقي الحكومات العربية حذوا حكومة السلطان قابوس بن سعيد وتدعم ترجمة ونشر اعمال أُدبائها بالروسية. علما ان معالي عبد العزيز الرواس المستشار الثقافي لجلالة السلطان قابوس تبنى شخصيا المشروع وقدم الدعم الشامل لترجمته وطبعه، واشير لهذا في مقدمة الكتاب. الى ذلك فان quot; بوح سلمى quot; عملا حبذ المؤلف ان يطلق عليه quot;سيرة مكانquot;. فالعمل، رغم انه يبدو من ناحية بفصله الاول quot; بوح quot; يبدو سيرة ذاتية الا انه في فصله الثاني quot; سلمىquot;، يتحول الى قصص قصيرة جدا متلاحمة بالمضمون، تكون تتمة لتلك العوالم والاجواء التي كونت صاحب السيرة الذاتية ـ الكاتب في quot; بوحquot;.
ان quot;بوح سلمىquot; ربما يشكل نوع ادبي ياخذ اصوله من السيرة الذاتية للكاتب. بيد انه يبتعد عن شكل quot;ايام quot;طه حسين و quot; سبعونquot; ميخائيل نعيمة وابراهيم الكاتب للمازني، ويطرح عملا يزاوج بين سيرة الاديب الذاتية والمادة كطرح ادبي يتفادى المباشرة والسرد فردي /الشخصاني انه يبعد بذلك نحو القضايا الانسانية العامة من خلال مفردات المكان الخاصة وسعى تجاوز الوضع المعطى والبحث عن عالم اخرمع الاحتفاظ بجمالية الماضي رغم ما اعتورها من ظروف وتقاليد، كانت غير قاسية،وهذا ما يخلق لدى القارئ ما يسمى quot; بالرعشة quot; او quot; الصدمةquot; او قل المتعة، عند القراءة.
نرحل مع محمد الرحبي في اكثر من مئة صفحة في جولة تمر في مراحل كشوفات، سارد القص الذي يتقمصه الكاتب، للمكان والناس وكانه كاميرا سينمائية تدور لتستوعب كل ما يدور حولها وتفرزه باسلوب يحمل القارئ مسؤولية الحكم. وهذه ميزة من افضليات العمل الفني عموما، حينما ينآى الفنان عن تسليط حكمه على القارئ بصورة متعسفة وفظة ومباشرة، انه يقف جانبا ليوفر للقارئ حرية تلقي عمله والحكم على ما يدور فيه. واعتقد ان الرحبي نجح ببلوغ بذلك. ويلوح لي ان الاديب بلغ ذلك عبر اللغة الانسيابية المتلونة التي تحولت الى موسيقى هادئة تنز تارة بالفرح وبالاسى مرة اخرى. عدسة القاص (الحاكي) ترصد التحولات في الحياة الشخصية ممتزجة بمصير شعب باكمله او انها جزء لا يتجزء منها. فانجزات الدولة، التي يريطها القاص بتنفيذ quot; برنامج السلطان قابوس بن سعيد النهضويquot; ودخوله حيز التنفيذ تنعكس بشكل مباشر على حياة الانسان الفرد،تخلصه من قبضة ظلامية القرون الوسطى التي كانت جاثمة، والشعور بانفتاح افاق جديدة للغذاء الروحي للانسان/ المواطن.
وحالف الحظ ان ترجمة quot; بوح سلمىquot; للقاص العماني محمد الرحبي، تمت على يد مترجم يمتلك حس رفيع للغة، اللغة عموما. وهو الى جانب العربية يتقن الفرنسية والايطالية والفرنسية. وقد سبق للمترجم فلاديمير فولاساتوف ان ترجم بامتياز للروسية اعمال جبران خليل جبران وامين الريحاني وجبرا ابراهيم جبرا. فجائت باعتراف محررة النسخة الروسية جانا فاسيلفنا بلغة عذبة نبعث على الفرح لدى المتلقي الروسي.
انني على قناعة بان صدور quot; بوح سلمىquot; بالروسية وقبلها اشعار نزار قباني تشكل بداية واعدة لنقل الادب العربي الحديث للناطقين بالروسية، وستنشط اكثر اذا اخذت حكومات ومؤسسات ثقافية للناطقين بالضاد على مسؤوليتها ترجمة تلك الاعمال، فلادب افضل وسيلة لتعارف الشعوب وتمتين العلاقات بين الثقافات والحوار يين الحضارات.