أحمد حسين: مع احتفالات بولندا عام 2004 بالذكرى المئوية لميلاد الروائي والكاتب المسرحي فيتولد غومبروفيش (بولندا/1904- فرنسا/ 1969) صدرت في وارسو عن دار الحوار الترجمة العربية لمسرحية quot;زواجquot;. وقد قام بالترجمة والتقديم لها جورج يعقوب الأستاذ في معهد الاستشراق في جامعة وارسو. تعد هذه المسرحية التي أنجزها فيتولد غومبروفيتش في منفاه الأرجنتيني أشهر مسرحياته الثلاث التي كتبها طوال حياته. وهي جزء مهم من تراثه الأدبي الذي يشمل القصص القصيرة والروايات واليوميات والمقالات الفكرية والنقدية. وقد رشحه هذا التراث لنيل جائزة نوبل للآداب في سنة 1968، لكنه لم يحظ بها، في الوقت الذي حصل سنة 1967 على الجائزة الأدبية العالمية (بري فورمينتور). لقد تمت ترجمة مسرحية quot;زواجquot; وغيرها من مؤلفات غومبروفيتش بعد رحيله عن عالمنا الى أغلب لغات العالم، ومن بينها اليابانية. أما العربية ونصيبها من الأدب البولندي المترجم فقد ظهرت بوادره منذ سنوات قليلة، وفي هذا المجال تجدر الاشارة الى جهود كل من الكاتب عدنان المبارك والشاعر هاتف الجنابي.
غلاف النسخة العربية من المسرحية
يشير المترجم جورج يعقوب في تقديمه الواسع للمسرحية إلى الصعوبات التي تواجه من يريد أن ينقل نصوص غومبرفيتش المسرحية من البولندية الى العربية، فهذا الأديب (حسب رأى المترجم) يتلذذ في اختراع الكلمات أو تحريفها ليمنحها بعداً جديداًً أو معنى آخر.. بل نراه يذهب في مخبره اللغوي الى تحطيم قواعد اللغة أو الإملاء ليصور الشخصية كما يشاء كفنان يضع كتله اللونية على قماش اللوحة.. بل نجد أحياناًً كيف يرصف الكلمات الرنانة واحدة الى جانب الأخرى في اتساق نحوي وصرفي لا غبار عليهما، ولكنك تجد نفسك أمام quot;كلام فارغquot; تعمده الكاتب طبعاً. لغة غومبروفيتش بكل استثناءاتها وخروجها عن المألوف تندرج في إطار اللغة البولندية السليمة، أو الفصحى ان جاز التعبير. فمسرحية quot;زواجquot; لم تكتب بلهجة عامية بولندية. ومن هنا تبدأ المصاعب للمترجم الى العربية فالمترجم العربي أمام عربية فصحى واحدة وعشرات اللهجات العربية، ومن الطبيعي أن يختار الفصحى ولكن ماذا يفعل أمام بعض الصيغ التي يتعذر التعبيرعنها بالفصحى؟ واذا لجأ المترجم العربي الى لهجة فإلى أي لهجة؟
وأمام هذه الصعوبات :quot;قررت استعمال بعض التعابير العامية المعروفة تماماًً في المشرق العربي، وخشية ألا تكون معروفة في بلدان المغرب العربي فقد قررت أن أصيغها بالفصحى واضعاًً إياها بين قوسين كي يتسنى للقارئ المغاربي أن يفهمها ويصوغها في ذهنه كما يشاء في لهجته وكذلك للمخرجين إن أرادوا يوماً عرض المسرحية كي يتسنى لهم إبدال العامية الشرقية بمغاربيةquot;.
غومبروفيتش والمسرح:
في عام 1933 وهو العام الذي ظهر فيه أول كتاب له في وارسو(مذكرات من مرحلة المراهقة) وبداياته النقدية، أخذ يهتم بالمسرح، فقد كتب أثناء عنايته بوالده المريض أولى مسرحياته (إيفونا أميرة بورغوندا) والتي نشرت في مجلة (سكاماندر) البولندية عام 1938، دون أن تثير اهتمام الأوساط المسرحية في وارسو. وبعد عشرين عاماًً أعيد نشرها في وارسو. وهذه المسرحية تروي قصة أمير يريد التمرد على العادات السائدة في قصره وأن يسيطر على غرائزه التي تقيدها الرسميات والشكليات فيقرر الزواج بفتاة تعيسة، خجولة، غير جميلة لا تفقه شيئاًً بالاتكيت الملكي، ومن عامة الشعب اسمها quot;إيفوناquot; لكن القصر يلفظها. وتكون النتيجة مأسوية تنتهي بقتل quot;إيفوناquot;، لأن القصر بجموده وشكلياته يرفض كل ماهو شخصي أو ذاتي.
فيتولد غومبروفيتش مع ريتا في منزلهم
في فانس (جنوب فرنسا)1968
كانت هذه المسرحية آخر أعماله التي كتبها في بولندا، حيث هاجر الى الأرجنتين في عام 1939، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته الأدبية في مدينة بوينس آيرس. وانقطع عن الكتابة المسرحية حتى عام 1945 حيث شرع بكتابة مسرحيته الثانية quot;زواجquot; أثناء فترة نقاهته في كوردوبا. وبفضل الدعم المالي من بعض أصدقائه استطاع أن يترجمها الى الاسبانية وينشرها عام 1948 في بوينس آيرس تحت عنوان quot;الكازامياتquot;. ولم تظهر هذه المسرحية باللغة البولندية إلا في عام 1953 حيث صدرت في باريس عن quot;المعهد الأدبيquot; وهو أشهر مركز للمعارضة البولندية في الخارج أيام النظام الشيوعي السابق. ظهرت هذه المسرحية مع روايته quot;عبر الأطلسيquot; في كتاب واحد أثار في وقتها ضجة في أوساط البولنديين في المهجر، حيث أتهم غومبروفيتش بانتهاك القيم التقليدية المقدسة والعداء لبولندا وللشعب البولندي، ووحده كان quot;المعهد الأدبيquot; في باريس يدعم ابداعاته ويرحب بأعماله.
أما المسرحية الثالثة فهي quot;أوبريتquot; التي كتبها عام 1958 وصدرت بالبولندية عن quot;المعهد الأدبيquot; في باريس عام 1966، ثم نشرت بالفرنسية عام 1969. يصور الكاتب فيها حركة سقوط الأنظمة الدكتاتورية لتنتهي المسرحية بشكل من الأشكال نهاية سعيدة تنبئ بمستقبل مشرق للبشرية.
أول عرض مسرحي لأعمال غومبروفيتش كان في عام 1958 حيث قدم (المسرح الدرامي) في وارسو مسرحية quot;إيفونا أميرة بورغونداquot;. وفي عام 1964 قدم المخرج الأرجنتيني جورج لافيللي عرضاًً لمسرحية quot;زواجquot; على مسرح (ركامييه) في باريس. وفي العام التالي أخرج جورج لافيللي في باريس مسرحية quot;إيفونا أميرة بورغونداquot;، وقــام المخرج السويدي ألف شيوبرغ بتقديم quot;زواجquot; وquot;إيفونا أميرة بورغونداquot; على المسرح الملكي في ستوكهولم في عامي 1965 و1966. وبفضل النجاح الذي حققته مسرحياته إضافة إلى مؤلفاته المترجمة والمنشورة، بدأ غومروفيتش يحصل على التقدير والشهرة في أوروبا والولايات المتحدة. وبعد وفاته في عام 1969 فإن أعماله المسرحية أخذت طريقها الى أهم المسارح في العالم، وقام باخراجها أشهر المخرجين من أمثال السويدي إنغمار برغمان الذي عرض مسرحية quot;إيفونا أميرة بورغونداquot; في ستوكهولم عام 1995 والتي كانت آخر أعماله المسرحية. ومنذ عام 2004 وبرامج المسارح البولندية والأوروبية تكاد لا تخلو من عروض مسرحيات غومبروفيتش الثلاث. ففي يوم 23 من هذا الشهر/اكتوبر/ سيبدأ في ستوكهولم عرض مسرحية quot;زواجquot; من إخراج السويدي نيلس بولتي ضمن مهرجان غومبروفيتش الذي سيستمر حتى العام القادم تحت إشراف المركز البولندي في العاصمة السويدية ومسرح (تورتآترين ). وحسب المعلومات الواردة من مصر، من المؤمل أن تعرض مسرحية quot;زواجquot; في أحد المسارح الطليعية في القاهرة خلال الموسم المسرحي /2009/ 2010.
مسرح غومبروفيتش مليء بالنبلاء والملوك والأمراء على عكس أعماله الأدبية الأخرى، وهذا الشيء يوحي بأنه اراد أن يستلهم من المسرح الشكسبيري في أعماله الدرامية. فمسرحية quot;زواجquot; تذكرنا بمسرحيات شكسبير وخاصة quot;هاملت quot; وquot;الملك ليرquot; وquot;ماكبث quot;. هنريك بطل المسرحية هو هاملت وقد قذف به في عالم غير عالم شكسبير ولكنه ليس غريباً عنه تماماً. وquot; زواجquot; هي مسرحية تصيغ الحلم لغوياًً فهي حلم وفي الحلم بيت، ووالدان وخطيبة تحت الاحتلال الشيء الذي يقلق هنريك، وهم في الوقت نفسه يتطهرون، الشيء الذي يتوق اليه هنريك. غير ان البعض يرى أن فواجو صديق هنريك يمثل هنريك الشاب، وموت فواجو هو رمز لموت هنريك الشاب. وقد يكون بيت هنريك الذي تحول الى ماخور رمزاً إلى بولندا وطنه. وبشكل عام فإن أغلب شخوص المسرحية هي أصوات تمثل شخصية هنريك، وتجسد ما يختلج في نفسه بل أن هنريك بحد ذاته شخصية من بنات أحلامه لأنه في الوقت الذي يحلم فيه فإنه يعلم أنه يحلم. وهي تشكل أساساًً لتداعيات قد تكون عبثية أحياناًً بل قد تخرج عن الشكل ولكنها تبقى محكومة بمنطق يسيّرها.

مسرحية quot;زواجquot; هي دراما التمزق بين التوق الى أن تكون معروفاًً بالإسم والمطالبة أن تكون مجهولا ً بلا اسم، بين الشكل واللاشكل، بين الهيئة وانعدامها، بين الانضباط والتقيد بالتسلسل الهرمي والانفلات. فكل شيء موجود وغير موجود، فالبطل هنريك يشارك في الحوادث لكنه يقول: quot;عاد الولد الى بيته والبيت لم يعد بيتاًًquot;. وتتحول الأشياء الى نقائضها فالعرس يتحول الى جنازة والسكير الى سفير. نحن إذاً أمام ثنائية معقدة وغنية، فالشخصيات قد تكون منحطة بالفعل أو نبيلة بالفعل، ولكنها شخصيات تلعب دور الانحطاط والنبل. وهي مرة تنشط في الحلم وكأنها تعيش في الواقع، ومرة تضيع في هذا الحلم فلا تعرف هذه الشخصيات أين هي ومن هي. وعالم مسرحية quot;زواجquot; هو عالم مليء بالسوقية والنبل والشهامة والجبن. ونجد لهذه الحالات المعقدة انعكاسها الرائع في اللغة التي يستخدمها غومبروفيتش فهي خليط بين نثر عادي وشعر منثور ذي طابع تأملي جدي أو تعابير سوقية وكلمات محرفة وجلفة، وتجد بين كل هذا وذاك اتساقا عجيبا في جدلية غربية تجمع بين الهزل والتمجيد.
غومبروفيتش وشكلية الانسان:
تدور أعمال غومبروفيتش كلها حول quot; الشكل quot; وquot;عدم النضوجquot; حول الفرد الذي - كما يراه غومبرفيتش - لايمكن أن يظهر على حقيقته لأنه دائما ً يمثل دورا ًما لأنه يخضع للأشكال النفسية والاجتماعية والاعراف والقوالب التي ينتجها الناس من خلال احتكاكهم بعضهم ببعض. ولهذه الأشكال منطقها الذاتي وشعابها وطرق تطورها، التي قد لا يدركها الفرد ويحسبها ضربا ً من الخيال. والأساس في كيفية ظهور الشكل هو مبدأ التوازن أو ردالفعل، ففي كل حركة أو كلمة تبدو من الآخر نرد عليها بشكل أو بآخر وحتى عدم الرد يصبح ردا ً. والشكل بهذه ال
غومبروفيتش مع الشاعر البولندي
جيسواف ميووش في فانس 1968
طريقة ليس قالبا ً يخضع للأعراف أو التقاليد أو بالأحرى ليس عرفا ً أو تقليدا ً لأن الناس في علاقاتهم في ما بينهم يتظاهرون ويمثلون بشكل دائم.
ويرقى التظاهر أو التمثيل المستمر بين الناس الى مصاف الشعائر. فنحن أمام قوة خلاقة لإيماءة أو كلمة قد تأخذ طابعا ً قدسيا ً وسحريا ً، وهو الشيء الذي نجده في مسرحية quot;زواج quot; فحركة من بطل المسرحية quot;هنريك quot; تحول صاحب الماخور الى حاكم، والأب الى ملك، والخادمة المعهورة الى عذراء طاهرة. فالشكل إذا ً يظهر في مجال العلاقات البشرية بشكل رئيس وهو يؤدي في النتيجة الى نسبية الإنسان. فقد أكون نبيلا ً تجاه شخص، ونذيلا ً تجاه الآخر، ومن هنا يمكننا القول : quot;إنني أصنع أو أنتج من قبل الآخرينquot;.
وغومبروفيتش لاينكر على الإنسان سعيه الى الأصالة والابتعاد عن الزيف ولكنه ينفي امكانية التوصل الى ذلك. لأنه في لعبة وتمثيل دائمين. هي اللعبة إذا ً لعبة المرايا والأقنعة، فإن أزلت قناعا ً وجدت تحته قناعا ً آخر. لذلك لا يحاول غومبروفيتش إزالة هذه الأقنعة ليظهر الإنسان على طبيعته. انه السجن الكبير للشكل الذي نحاول جاهدين أن نتخلص منه دون جدوى. فإذا طرحنا عن أنفسنا الحركات والإشارات والتعابير التي نختفي خلفها سوف لن يبقى منا شيء على الإطلاق. الشكل كما يفهمه غومبروفيتش هو مجموع الوسائل للتعبير عن ذواتنا بكلمة، أو فكرة أو اشارة أو قرارات نتخذها أو أعمال نقوم بها. الشكل هو الثوب الذي نرتديه كي نستر عرينا المخجل.. نحن إذا ً أمام تناقض طبيعي بين الأصالة والشكل والذي تجسده مسرحية quot; أوبريت quot; حيث التناقض الواضح بين العُري والتستر بالثياب.
في صالة العرض:
تتكون مسرحية quot;زواجquot; من ثلاثة فصول، في الفصل الاول :أمامنا الجندي البولندي هنريك في فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية وهو يحلم ببيته في بولندا ووالديه. وفي هذا الحلم يظهر البيت وكأنه تحول الى خمارة، وأن أبويه أصبحا ساقيين فيها.. يدرك هنريك بصعوبة أن خادمة الخمارة هي خطيبته مانيا. وفجأة يدخل سكير على رأس مجموعة من السكيرين ويحاول أن يتحرش بمانيا فيمنعه الأب، فيبدأ السكير حينها باضطهاده. لكن الأب يصرخ وهو في حالة رعب، أنه ذو حصانة ولايمكن مسه، فيصرخ السكيرون بأنه ذو حصانة كالملك. عندها يركع هنريك أمام أبيه بعد أن تشبع بحالة من حالات الجلال والعظمة. وفي اللحظة التي يقَدم فيها هنريك شعائر الولاء لأبيه، يعلن أنه ذو حصانة. والحصانة هذه تمنع السكير من لمسه، وبهذا يستطيع أن يتجنب اضطهاده. وهنا تبدأ مشاعرهنريك تضعف تجاه أبيه، فيقترح عليه أبوه الاتفاق التالي : أنت تعترف بي ملكاً، وأنا وبفضل سلطاتي الملكية سأرد لخطيبتك - العذراء- شرفها ونقاوتها اللذين فقدتهما في الخمارة. سأحولها الى عذراء ذات حصانة، وسآمر بزفكما quot;زفافا ً لائقاًquot; يقدس ويطهر من كل شيء.
مشهد من مسرحية quot; زواج quot; إخراج السويدي
ألف شيوبرغ /ستوكهولم/1965
في الفصل الثاني: تبدأ مشاهد الإعداد لزواج لائق لهنريك من مانيا، وأثناء ذلك تتعرض سلطة الملك للخطر فهناك مؤامرة تحاك من قبل الوجهاء. وهنا يشعر هنريك أن كل شيء يتعلق بموقفه من منامه، وهل سيقف موقفاًً حكيماًً أم غبياً، فيلقي كلمة حكيمة وبفضل ذلك يستطيع السيطرة على تهور الخونة. وفي هذه اللحظة المقررة للزواج، يقتحم السكير الذي تمكن من الهرب من السجن بمساعدة الخونة المكان ويهجم على الملك محاولا لمسه بإصبعه المهول. يهرع هنريك لمساعدة أبيه وخطيبته، ويبدأ الواقع يترنح بين الغباء والحكمة... السكير ينهزم أمام حكمة هنريك ويتظاهر أنه يتراجع، ويطلب منه الكلام على انفراد كي يستطيع بطريقة أخرى وبالحيلة أن يصل الى مبتغاه. يبدأ المشهد يتطور الى لقاء شرب الشاي لفترة ما بعد الظهر. وهنا يحاول السكير اغراء هنريك: ساعدنا بالإطاحة بهذا الملك الضعيف الأعزل.. ونحن سنجعل منك ملكاًً تستطيع أن تمنح بركة الزواج بنفسك ولنفسك بفضل قوتك أنت. تتملك هنريك النشوة والمرح، ليس بفضل النبيذ.. بل بفضل اللعبة ذاتها، ويبدأ ينجر لهذه اللعبة الى أن يبدو وكأنه أذعن لدسائس السكير: سيخون أباه ويعلن نفسه ملكاًً... لكنه ينسحب في اللحظة الأخيرة.. أنه لن يخون. أما الملك - الأب - فإنه لايستطيع السيطرة على مخاوفه الملكية المهولة وتبدأ عملية الخوف من ابنه التي تصنع من هنريك خائناً حقيقيا فيقف ضد أبيه ويطيح بعرشه ويعلن نفسه ملكاًً. وبعد أن سيطر على الموقف عليه أن يزوج نفسه بنفسه. غير أن السكير يحاول بشكل مصطنع أن يوحي بوجود علاقة بين فواجو صديق هنريك ومانيا وذلك أمام البلاط، مما يقذف هنريك في جحيم الغيرة.
في الفصل الثالث: يظهرهنريك كطاغية، ويعد لزواجه وعندما يفهم أن الناس يرفعون الانسان إلى كائن متعال ويسلحونه بالسلطة، بل ويحولونه الى إله، عندها يقرر إكراه رعيته بأن تضخ فيه الألوهية عن طريق التقديس والطاعة ليتمكن من منح نفسه بركة الزواج ويكون زواجه مقدساًً حقاًً يعيد الطهارة والبتولة الى خطيبته. ولكن الغيرة تضعف كيانه.. ويعمل الوالدان على تأجيج نيران الشك في قلبه انتقاماًً منه بسبب الاضطهاد والتعذيب. وفي هذه الحالة لايستطيع أي شيء أن يعيده الى هدوئه وقوته سوى موت فواجو. ولكي يكون موت فواجو تأكيداًً نهائياًً للسلطة الملكية، فإن على فواجو أن يقتل نفسه بأمر من هنريك. وفعلا ً يسر هنريك لـفواجو بهذه الفكرة، وهو يعلم أنها ليست مسألة جدية. وفي اللحظة الحاسمة التي يريد فيها هنريك تزويج نفسه، وبسبب عذاباته وتأنيب ضميره وغيرته، يبدأ بالانهيار أمام ضربات السكير الذي جدد حربه. وفي هذه اللحظة نرى جثة فواجو: لقد انتحر الصديق لكي يحقق إرادة الطاغية.

مشهد آخر من المسرحية للمخرج
ألف شيوبرغ 7 ـــ 9 : 3مشاهد من مسرحية
quot; زواج quot; للمخرج البولندي
فالدمار زافوجينسكي /بولندا/ 2007.
لايعرف هنريك هل ما يجري حوله حقيقة أم لا.. نحن أمام عالم الخيال والحلم والكذب، عالم الشكل، ولكنه عالم يتوافق مع واقع ما يعبر عن شيء ما. وتحت وطأة فعلته الساحقة (موت فواجو) التي ارتكبها.. ولم يرتكبها، فعلة صدرت منه ولكنها تختلف عنه، تحت وطأة هذا كله يعلن هنريك نفسه بريئاً. ولكنه في الوقت نفسه يخضع نفسه للمنطق الشكلي لهذه الحالة، ولضغط الشكل الذي حدد له دور قاتل، نجده يأمر بسجن نفسه.
في المشهد الأخير من هذا الفصل يقف هنريك إلى جانب أمه ويصيح : quot;عبثاًً أريد أن أخرج من ذاتي اليكم.. سجين أنا.. رغم براءتي ماذا أردت أن أقول؟.. حين أقف هنا هكذا وأتكلم.. أريد أن تلمسني من أياديكم.
(يضع الحراس الذين يقفون خلفه أياديهم على كتفه)
لحظة.. هذا ليس كل شيء.. إذا كان قد تم القبض علي هنا.. لترتفع اذاًً فعلتي هناك بعيداًً (يرفعون جسد فواجو) وتحركوا مع هذا المارش الجنائزي quot;.
الزواج الذي أراده هنريك لنفسه في هذا الفصل الأخير من المسرحية ماهو إلا نتيجة لفكرته القائلة إن الله لم يخلق الانسان، بل الانسان خلق الله. ولذلك فان الزواج يتم في كنيسة دنيوية كبديل للكنيسة الربانية. وبشكل عام ينصح غومبروفيتش النقاد والمشاهدين ألا يغرقوا في تفسيرات عميقة وعقيمة، وينصحهم أن يفهموا السطح قبل أن يغوصوا في العمق، وعليهم أن يربطوا بين السطح والعمق. وبطريقته الساخرة يقول: quot;نعم هناك ميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) ولكننا يجب أن نبدأ من الفيزيقا (الطبيعة)quot;.

مراجع إضافية :
M. P. Markowski:Czarny* nurt. Gombrowicz,Swiat,Literatura,krakow2004.
Kazimierz Glaz :Gombrowicz w Vence, Krakow1989. *