قصة: جويس كارول أوتس
ترجمة زعيم الطائي


المؤلفة:
مرشحة أبدية لجائزة نوبل في الآداب، وحياة أبداعية عريضة تتوزع بين مئة كتاب في القصة والشعر والمسرح والرواية والسيرة والمقال النقدي، كاتبة غزيرة الأنتاج ومستمرة على النشر بمعدل روايتين كل عام، جسدت في كتاباتها فكرة تداعي الحلم الأمريكي، وتناول المشاعر البدائية المستلقية في الظل النائي داخل النفس البشرية والعواطف المتناقضة، معبرة بدقة كبيرة ونمط سردي مليىء بالأحساس الواقعي عن تحطم آخر مايربطنا بالعالم من أحلام، نالت عدة جوائز منها أوارد للكتاب العالمي وبوليتزر ثلاث مرات، ولدت في أرياف نيويورك 1938، بدأت الكتابة في سن السادسة والعشرين، عملت أستاذة للآدب في جامعة برستن ولها مساهمات في دور نشر ومجلات عديدة، أشتغلت في التدريس لمدة عشر سنوات في ديترويت حيث كتبت روايتها (السقوط الفاجع)عن أحداث الشغب عام 1967، آخر رواياتها (حفار القبور) عن جدها القادم من المحرقة النازية، و(شقراء) عن حياة مارلين مونرو، تقول عنها كانت مارلين مثقفة حقيقية كتبت الشعر ودرست الأدب والفن طوال حياتها، وتزوجت من كاتب مسرحي، لكن الناس قالوا أنها شقراء غبية وتغاضواعن حياتها الداخلية الرقيقة من أعمالها أبن الصباح، ملاك الضوء، رجل أحمق، القلب المسروق، القناع الدموي، وسيرة حياة الشاعرة المنتحرة سلفيا بلاث.
بطلة هذه القصة الشابة ذات الثلاثة عشر ربيعاً، شخصية مغرقة بالخيال، متسلحة بالدهاء، تعيش عالماً وهمياً من صنعها، تعالج مشاكلها بالتندر منها والسخرية من قدرها الذي يحاول سحقها، وتعيش فردانيتها العابثة الرافضة، تقول الكاتبة: كلما تعرضنا الى الأذى بحثنا عن العزاء في خيالنا.
(المترجم)


ولى عدوها الخفي هارباً عبر الحقل، خففت quot;كراجنquot; من سرعتها ,متمهلة في سيرها، متأنية تراقب حذرة، بعينيها الحادتين المفتوحتين شكل العدو اللامرئي، على مبعدة من رأسها، كان خصمها يعدو بجرأة متناهية أمام الأشارات الضوئية ndash; بأرجله الطويلة ذات النهايات المدببة كقوائم المهر ndash; وفوق حافة الرصيف الأسمنتي، راح الآن يجري صوب الحقل الخالي، ملقياً عليها لمحة خاطفة عبر كتفيه.
(سافل) فكرت كراجن.
أنها ظهيرة السبت في نوفمبر، يوم رملي بارد، لازالت هي خارج نطاق الملاحقة، أي قبل ساعات من موعد اللعبة، ساعات، أرتدت ملابسها أستعداداً للمطاردة، حشرت أرجلها المتينة في الجينز القديم الأزرق، ضاغطة أقدامها في الحذاء الجلدي الأبيض الذي كلف والدتها أربعون دولاراً منذ وقت قريب، لكنه أصبح الآن قذراً وقد غمره الطين، حتى يئست من تنظيفه للمرة الأخيرة، لم تلعن، ولبست سترتها الكودري الخضراء التي بليت من جهة مرفقيها والمؤخرة، بأبزيمها الذي يمكن سحبه وخفضه على عجل، المربوط عند حافته بشرائط من الجلد، ليس هنالك مايشغل مخيلتها، فقط كانت تفكر أن الريح مشتدة هذا النهار.
بقيت لديها عدة ساعات.
السيارات والشاحنات والباصات تقدم من المدينة الى الطريق السريع الهائل، الشاحنات وهي تجر العربات الطويلة تمر على الطريق الخارجي، أنتظرت كراجن حتى فرغ الطريق منها تقريباً، بدأت بالعبور، أقتربت سيارة منفردة، quot;تمهل أيها السخيفquot;
فكرت.
وكما يشبه السحر، أبطأت السيارة من سرعتها.
متتبعة آثار خطوات الخصم المتخفي، لايوجد رصيف هنا بعد، لذا يبدو من الأفضل أجتياز الحقل مباشرة، كانت هناك أشارة عملاقة تعلن عن موقع الخطوات الجديدة وعمارة quot;فشباك quot;التي بنيت مكاتب طوابقها الخمسة عشر التي سيتم أنجازها السنة القادمة، الأرض المحيطة مليئة بالحفر والأوحال، تمكنت من رؤية خطوات الخصم المتستر تقودها الى المنطقة الخربة.. هاهو الآن، يبتسم لها متكلفاً، متظاهراً بث الرعب في نفسها. quot; سأحصلك، لاتقلق quot; فكرت كراجن بأهتمام.
لأن أقدام المتخفي خفيفة جداً ولايمكن رؤيتها، وهي لم ترد أن تكون على هذه الحال، لذا سارت متثاقلة، مثلما تفعل عند ذهابها الى المدرسة، تتنقل بين صف وآخر، متباطئة ومنشرحة، دون أستعجال، تعرف أنها مكشوفة تماماً، فهي في الثالثة عشرة من عمرها، تجاوز وزنها الخمسة والثلاثين باوند بعد المئة، خمسة أقدام الى ثلاثة ndash; مربوعة، بعضلات، قصيرة الجذع، ضيقة الأكتاف، لها أرجل وأفخاذ جيدة، ملائمة لألعاب الرياضة، لو ضويقت، تتنحى جانباً، بدلاً، لاشيء يلوح على وجهها، شابكة ذراعيها، وقد تهدلت قليلاً أكتافها، لو أجبرت، تمارس شيئاً من لعبتي السلة و الطائرة، لكنها تتجشم الركض، بلا روح، تتصادم أحياناً بالفتيات الأخريات، تؤذي البعض منهن، (أبعدي عن طريقي) فكرت، في تلك الأوقات، لاتبدي أية مشاعر على سحنتها والآن؟
بدأ خصمها المتواري يسارقها النظر خلف زاوية محطة الوقود، ألتمع شيئ في ذهنها (رأيتك) قالت في نفسها، بأستثارة هادئة، أخذ الخصم يتلاشى عن أنظارها، فأتخذت طريقها مباشرة بأتجاهه، متباطئة الخطى خلال الأكوام، جارفة في طريقها برك الأوحال والأشواك وبالدرجة الأولى أنقاض الصخور وقطع الزجاج.
محطة الوقود، أنشئت حديثاً ولم تعمل بعد، كسيت بالقرميد الأبيض، والخرسانة اللامعة، وقد أكتملت صفائح زجاج شبابيكها المغسولة، تعلوها علامة أكس، ممر كبير يوصل الى مضخاتها الثمان، جديرة أن تقوم جاهزة للعمل، ولكن المحطة لم تفتح منذ أن أنتقلت كراجن وعائلتها الى هذه الناحية ndash; منذ ستة أشهر، لابد أن خللاً ما قد حصل، حدقت كراجن جيداً بالركن الذي لمحت فيه الخصم آخر مرة، لم تواته فرصة الهرب.
أحد جدران المحطة القرميدي الأبيض بدا ملطخاً بشيء يشبه القار، حلمياً، يشبه أفعى، سميكاً ملتوياً، أسود، من القير المعتم، وتكسر زجاج بعض الشبابيك. توقفت عند الممر الفارغ، يداها محشورتان في جيوبها، السير بطيىء في هذه المنطقة، فالحاجز المقام على كتف الطريق السريع قد منع السير المباشر، إلا من مجاز طيني ضيق غير مستو ٍ يدور في حلقة يعود بعدها الى الرصيف، فتعبره السيارات ببطء حذرة، تكشط مؤخراتها الطريق، علامة المنعطف كانت مستطيلاً كبيراً، لونت بالأصفر الساطع، وخط متعرج بالأسود quot; منعطف، خفف السرعة quot;، بين مركزي الممرين على الطريق السريع هنالك بلدوزرات ضخمة لم تعمل هذا اليوم، وأنابيب كونكريتية عملاقة للبالوعات المطرية، ثمانية منها ضخمة جداً حقاً، تجعدت عيناها لرهبة مشاهدتها. تذكرت الآن خصمها المتكتم، ها هوذا ndash; فوق ساحة الأسواق، (يريد الفرار في الزحمة)، قطعت على نفسها وعداً، ستتبعه، أقتربت الآن من منطقة مكتملة، رغم أن أرصفتها لم تنجز بعد، وبعض مبانيها جديدة لم تشغل، مازالت شاغرة، قفزت عبر مصرف المياه الكونكريتي الضيق، المبقع بالمياه الصدئة، مضت غيرعابئة بالمنحدر المؤدي الى درب الخدمات لبنك التوفير الفدرالي، نوافذ العاملين جميعها مظلمة هذا اليوم، خلف الزجاج الخفيف الخضرة، البنك كله مقفل يعمه الظلام، أهو البنك الذي ذهب أبواها اليه الآن؟ شغلت لحظة تفكر بالأمر.
الآن على خط المرور الثابت، المسار المنفرد، أستدارت بعدها على درب الخدمة الذي يقود الى أسواق البلازا (بيكنهام مول 101 من المحلات) لاحظت كراجن بضعة أطفال هنا في مثل عمرها، بناتاً أو أولاداً، سارت مجهدة ببنطلون الجينز، وقد رفعت السترة الى رأسها، خاضت في الوحل، ربما كانوا طلاباً في صفها، أسر تفكيرها من جديد خصمها المستتر، الذي سبقها الى المول متجولاً ومتعلقاً بمدخل كننغهام لمستحضرات التجميل، محاولاً أثارتها.
(ستندم على ذلك، أيها النذل) فكرت مبتسمة.
عبرت السيارات الى جانبها متمهلة، كان موقف السيارات التابع للمول واسعاً، عدة هكتارات، مدينة سيارات ظهيرة السبت، شاهدت سيارة ربما كانت سيارة والدتها، لكنها ليست متأكدة، السيارات تتوقف مائلة على الخطوط المؤشرة، قسم ك خط 15، قسم ك خط 16، العلامات كروية الشكل، بالونية مثبتة على ساريات عواميد قائمة، تنار وقت الليل.
أطفال بعمر العاشرة أو الثانية عشرة يتجولون أمام مدخل محل المستحضرات، أحدهم أتخذ من صندوق البريد مجلساً، راح يتأرجح عليه خلفاً وأماماً، عبرتهم مسرعة ndash; راحوا يتندرون، محاولين منع الناس ndash; رمحت عيناها داخل المحل بسرعة أعلى وأسفل الأجنحة، باحثة عن الخصم المختفي.
(مختبئ هنا، مختبئ أنت؟).
تمشت بهدوء، بصبر ومكر واضحين، قرب منضدة مستحضرات التجميل، كانت الفتاة تعرض على أمرأة مسنة شيئاً من عطر المكياج السائل، مسحت به على مؤخرة يد المرأة، دعكته بعناية (أنه مريح ومبهج) قالت الفتاة، ذات الشعر الأشقر الوامض والعينين المرسومتين بالقلم لأضفاء الدهشة الدائمة والأهتمام على محياها، لكنها لم تكن قد لاحظت كراجن وهي تمد يدها بتسكع الى أحمر الشفاه المعروض، الواحد فقط 1.59 $، ملقية أياه في جيبها بدقة كأنها تحت تأثير مخدر، متجاهلة الخصم الخفي الذي أبرز لها أصبعه، أنسلت الى الجناح الجديد، متطلعة لأغلفة المجلات، دون أهتمام بقراءتها، ثم أنتهت عند حافة معروضات أخرى، وضعت في سطلات كارتونية، خارج الأجنحة، صفقات كبرى، لم تلمحها لمعرفة ماذا تحتويه التقدمة... فقط ألقت بواحدة منها في جيبها، لامشكلة.
غادرت من البوابة الثانية، المخرج الجانبي، مغتصبة ظل أبتسامة على شفتيها.
خب الخصم مهرولاً أمامها، المول مقسم الى مناطق هندسية، كل منها صبغت بلون مختلف، ترك الخصم الرصيف الأزرق، وهو الآن على الأخضر، تبعته كراجن، لاحظت أنه يتجه نحو محلات فرانكلين جوزيف.
دخلت هي الأخرى، ملأت أنفاسها الرائحة المعطرة، الساخنة، لم تر شيئاً مهماً هنا على طاولات العرض، أو مشاجب الألبسة، لذا فقد رجعت الى خلفية المحل، حيث غرفة السيدات، وجدتها فارغة، أخرجت أحمر الشفاه من جيبها، وفتحته لتجربه، له طعم حريف ورائحة حلوة، وردي خفيف (زهرة ربيعية) ذهبت الى المرآة ولطختها بالأحمر، في البداية برفق، بعدئذ ضغطته بشدة، أنكسر جزء منه فسقط في المغسلة المغطاة، توجهت نحو مقعد التواليت، قذفت الأحمر فيه، أخذت ملء يدها ورق تنظيف، كورتها بشكل كرة، ورمتها في الحوض، تذكرت العلبة المغلفة من محل المستحضرات، أخرجتها من جيبها ndash; لم تجد فيها سوى معاجين الأسنان، ألقتها كلها مع علبتها الكارتونية وكل شيء في القعر، بعدها ومضت فكرة جديدة في ذهنها، ذهبت الى المنشفة القماشية المعلقة، وشدتها حتى آخرها من مسمارها الدائري، راحت تسحبها بكلتا يديها بأناة حتى أخرجتها بأكملها، جرفتها وألقت بها هي الأخرى في وعاء الحوض، ثم دفعتها وفيضتها بدفقة الفلاش. فلم تنزل، لذا حاولت من جديد، غمرت الى نصفها هذه المرة وبقي نصفها الآخر عالقاً. فتركت المرافق متمشية بتمهل داخل المحل، بقي الخصم ينتظرها خارجاً ndash; يخالسها النظرمن خلف الشباك، محركاً أصبعه بأتجاهها (لاتهز أصبعك لي) فكرت، بأبتسامة صغيرة مكتومة، تبعته خارجاً عن بعد، دوت موسيقى صاخبة حول رأسها، موسيقى روك، تنبعث في الساحات الملونة عبر المول المستطيل، تهب في كل الأتجاهات مع رياح تشرين، ولكنها بالكاد سمعتها.
بعض الأولاد أخذوا يتسكعون قرب محل التسجيلات، أحدهم أرتطم بها، مما أثار ضحك الصبية الباقين، حينما دفعت فوق علب الزبالة (أنتبهي طفلتي الحبيبة) الصبي يغني، أخذت قدمها تؤلمها، لم تنظر اليهم قط، لكنها ببرود وحنق مفاجيء أشاحت بوجهها الى الناحية الأخرى، ضربت بقدمها العلب الفارغة بأتجاه الطريق الجانبية، تطايرت النفايات متساقطة، وأخذت العلب تدور، هربت النسوة المتسوقات بفزع عن الطريق، والصبية مازالوا يضحكون.
أبتعدت كراجن من غير أن تلتفت الى الوراء، بدأت الطواف داخل محلات سمبسون للآثاث التي لها مخرجان، بوابة أمامية وأخرى خلفية، كعادتها كمن تؤدي طقساً، لاحظت الأريكة التي تشبه تلك التي في غرفة العائلة في بيتهم - مكسوة بفراء أبيض وأسود، جلد عنز طبيعي، يغص المحل بالأرائك والكراسي والأفرشة والطبلات، خليط من الآثاث، تدور حولها الناس، جيئة وذهاباً بين المعارض الصغيرة، أي غرف المعيشة، غرف الطعام، غرف النوم، غرف العائلة... جعلت عينيها تتجولان بين المعروضات كأنها تشاهد مئات البيوت من الداخل، تباطأت قليلاً، شبه متوقفة، محملقة بمعرض غرف النوم على المنصة المرتفعة، بعد دقيقة واحدة فقط تذكرت، مالذي جاء بها هنا - متتبعة من ndash; أستدارت لتجده يومئ لها.
لحقته الى الخارج مرة أخرى، ذهب الى بوتيك دودي وعندها زاغت عينيها، مع أنحناءة رأسها، حركتهما الى أسفل حاجبيها، ورفعتهما حيث الجبهة، تبعته (سوف تندم على ذلك) فكرت، بوتيك دودي مزخرف باللونين الفضي والأسود، تنزلت شرائط معدنية مقيدة في سقفه المعتم، بائعات توقفن هناك بملابسهن الداخلية، لايفعلن شيئاً سوى القهقهة بوجه كل من يصادفهن، ويتمايلن برؤوسهن طول الوقت مع أنغام الموسيقى، المضخمة في كافة أنحاء المحل، المنبعثة من الأذاعة المحلية، راحت كراجن تتجول بين مشاجب الألبسة، يناسبها حجم 14 ياللجحيم (الوقت الآن هو2.35) قال مذيع الراديو مبتهجاً (درجة الحرارة 32 مع فرصة سقوط زخات مطر وثلج محتمل هذه الليلة، تستمعون الى راديو الأبتهاج من دبليو سي كي كي) أختارت كراجن عدة ملبوسات ودلتها البائعة الى غرفة اللباس.
(تحتاجين أية مساعدة) سألت الفتاة ذات الشعر الطويل المتأرجح والأكتاف المرتفعة، بلا مبالاة، أسلوب بديع.
(كلا) تمتمت كراجن.
وحدها، قامت بخلع جاكتتها، وأرتدت بلوزة نيلية، فتحت أحد السحابات فسقط مقبضه البلاستيكي رديئ النوع قبل لمسه، داست فوقه، شاهدت لطخة من الطين على الجدار الأبيض، (الى الجحيم) تركت مافي يدها جانباً، وجربت قطعة أخرى، وهي تتفحص صورتها في المرآة.
لها شعر مجعد غير منتظم يشبه الباروكة أطلق فوق ناصية رأسها بأهمال، ضفائر بلون بني خفيف، تتطاير على كل الأتجاهات، ملتفة متقافزة، متساقطة، ركام متبعثر، عيناها تعلوهما ضراوة حادة، حواجبها ثخينة داكنة، تمتاز بالصرامة، ونظراتها حادة، كنظرات رجل بالغ، أنفها دقيق شامخ، شفتها العليا طويلة، كأنها تمتد بصعوبة لتنغلق على أسنانها الأمامية، غير مهتمة بمكياجها، فشفاهها شاحبة تماماً لالون لها، متشققة قليلاً، منقبضة بقوة، مزمومة ومنطبقة بشدة، حازمة، ذقن مدور، ووجه ذو بنية صلدة، بملامح جادة، شكلها قاس ومتشابه كتمثال، غير قادرة على الفهم، لارأي لها، مقادة، وجه جذاب، ولكن فيه حدة، فارغة، يسكنها الضعف الجنسي، مفصولة عن الأشياء أو كأنها تعيش في أمكنة أخرى، دون أن تشعر بمتعة.
رفعت الثوب أعلى جسدها، أحست بنعومته أسفل صدرها، أستمر هو في حملقته.
بعد لحظات، خلعت الثوب من جديد، وعادت تبحث ثانية عن الأبزيم العاطل الذي أسقطته، دون أن تبدي أهتماماً للملبوسات الأخرى، ثم خرجت من الغرفة مرتدية جاكتتها.
عند مقدمة المحل، لمحتها البائعة quot;- لم تتناسب معك؟ quot;.
quot; كلا quot; أجابت كراجن.
تجولت لفترة هنا وهناك، وجدت نفسها على مدخل محلات كارمايكل أشهر محلات المول، حيث لمحت أمها على أحد المصاعد، لكن أمها لم تلحظها، تمهلت أمام معارض البيت الشتوي، عندهم واحداً يشبه هذا في بيت عائلتها، تحيط به المياه من جهاته الثلاث، ماعدا أنه أصغر قليلاً منه، فهذا يأتي جاهزاً فقط5330 $ يشحن الى ساحتك ndash; على مدار السنة بالفايبر كلاس العازل ndash; القوي المنشور عمودياً بشكل جميل، محاط بشجيرات الأرز وخطوط الظلال الأصطناعية لتقليل وطأة العواصف خارجه.
فقط مقابل 3:15 للوجبة الواحدة، دخلت مطعم quot; بك بوي quot;، طلبت همبرغر كبيرة، مع بطاطس فرانش فرايز، وكوكاكولا، أتخذت لها موقعاً أمام الكاونتر المزدحم، وبدأت تتناول طعامها ببطء، محركة فكيها بتمهل، وهي تختلس النظر لنفسها في أنعكاسة المرآة المباشرة أمامها ndash; وشعرها الكث يتحرك بشكل لافت مع حركة فكيها ndash;تتطلع من حين لآخر فتراه ينتظرها خارجاً، quot; ستنال ماتريد quot; فكرت.
غادرت البك بوي وراحت تتجول في موقف العربات، تتناول من علبة البطاطا المقلية، مسحت يديها المدهنتين بفخذيها، تحولت الظهيرة في هذا الوقت الى العتمة والبرد، أرتعش جسمها قليلاً، راحت تبحثت عنه بين متاهة السيارات - نعم، هاهو ذا ndash; أخذت تلاحقه، ركض أمامها، عابراً الكراج، أنتظر مستثاراً عند حافة الحقل، وماأن قاربته حتى فر هارباً داخل الزرع، مهرولاً مع الحشد الصاخب لأربعة أو خمسة من الكلاب السائبة التي لايبدو عليها أنها لحظته.
تبعته كراجن داخل الحقل، متوغلة في الأرض الطينية، وبعدها الى حقل موحل آخر، لم تفارقه عيناها، الآن يتجه الى الطريق السريع ndash; متردداً هناك ndash; الآن في طريقه الى عبور خط المواصلات - الآن، الآن ndash; الآن يندفع كالسهم.
الآن، أصطدم بأحدى العربات! أنقذف جسده الى الوراء في دوران سريع، آه، الآن، مالذي يشعر به الآن ؟ تساءلت كراجن.
حمل نفسه على النهوض، واقفاً على أرجله، هل ينزف ؟ نعم، هاهو دمه يسيل!عبر الطريق متعثراً الى الجانب الآخر، حيث الرصيف، تبعته كراجن حالما سمحت حركة المرور بذلك، راح يتمايل الآن، كرجل ثمل، quot; كيفها الآن ؟ هل أحببت ذلك ؟quot;.
مضى متمايلاً على طول الممشى، مستديراً عبر رصيف الشارع، أسفل المدخل، بيني وودز، قادها الى تقاطع مجموعة بيني وودز، هنا حيث البيوت بالغة الأتساع، تبدو جميلة عند التطلع اليها عبر التلال الأصطناعية، أغلبها مجاميع بيضاء ملحقة بكراجاتها، لاوجود لأرصفة في هذا المكان، لذا فعليه السير على الشارع، منهكاًً مثل عجوز، وكراجن في الشارع ماتزال ساعية أثره، دون أن تفلته عيناها.
quot; أسعيد أنت الآن؟ هل كانت مؤذية، هل؟ quot; بدأت طريقة سيره تثير فيها الضحك، أشبه برجل سكير، لمحها بطرفه، بوجه شاحب، متخذا الطريق المبلطة بالأحجار... صوب مجمع البيوت البيضاء الكبيرة.
دخلت خلفه، فتشت الطابوق المقلد في ردهة الأستراحة، نعم، هاهي بقع الدم التي تقاطرت من جسده، دخلت متتبعة بقع الدماء في الهول، وعلى السلالم... متناسية حذاءها المتسخ بالطين... فهي لاتشعر بلزوم التراجع ومسح أقدامها، ليذهب الى الجحيم.
لايبدو أن أحداً في البيت، فمن المحتمل أن أمها ماتزال تتسوق، ووالدها مسافر خارج المدينة لعطلة نهاية الأسبوع، البيت فارغ، دخلت الى المطبخ، فتحت الثلاجة، أخرجت زجاجة كوكاكولا، وسارت الى المؤخرة، حيث غرفة العائلة، التي تنخفض درجتين عن بقية أرجاء المنزل، خلعت جاكتتها ثم رمتها في مكان لاعلى التعيين، فتحت التلفزيون وجلست على أريكة جلد الماعز، محدقة بالشاشة، أعادة لعرض quot; بندقية ستيف quot; الذي شاهدته من قبل.
حتى لو أقبل الخصم زاحفا ً الى جوارها، يئن من ألمه، صارخاً في البكاء، فلن تلتفت أو تعطف عليه حتى بنظرة.