بين (فن الممكن) وفن التمثيل
الفنان العراقي يعاني من عبثية السياسي

عبدالجبار العتابي: على ناصية (يوم المسرح العالمي)،وقفت.. وتطلعت الى خشبة المسرح الوطني ببغداد ونظرت وجوه الفنانين العراقيين وهي تتألق بالحماس والبهجة للاحتفال بـ (ابي الفنون) والاحتفاء بأنفسهم العاشقة لهذا الفن الجميل، كانوا هناك جميعا يدورون حول اجسادهم الراغبة بالكثير والباحثة عن جهد تبذله، لكنهم لايرون سواهم،جهدهم وحده الذي يبني طموحاتهم على الخشبة، هم وحدهم الباذلون من اجل ان يقام المسرح، اما الاخرون فلا شأن لهم بهم، لا المؤسسات الثقافية ولا الذي اعلى منها، واذ لايستطيع الفنانون بمفردهم فعل الكثير.. لان الامر متعلق بعملية انتاجية ليست سهلة، فليس هنالك من منتبه لهم، ومن الضروري الاستشهاد بالموسم المسرحي الاخير الذي لم يتضمن سوى ثلاث مسرحيات فقط، اشترك فيها ما نسبته اقل من واحد بالمئة من الفنانين المنضوين تحت لواء الفرقة القومية للتمثيل، ثم ان الراتب الذي مازال يتقاضاه الفنان هو ابخس اجر لموظف حكومي، وحين تسأل: لماذا يأتيك الجواب طريا: ان العلاقة بين اهل السياسة واهل المسرح طردية وكل منهما يحمل طروحات مختلفة، فالسياسي تفصله عن الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص حواجز كونكريتية كالتي نراها في شوارع بغداد، فلم يضع في باله ان يتقدم ليرى الاحوال او يقدم شيئا من الدعم او أن يعترف بقيمة المسرح وقدرته على التغيير، بل انه لم يأبه لوجوده وكثيرون يعتيرونه ضربا من التسلية ليس الا، ومن هنا وجد الفنان العراقي نفسه وحيدا داخل دائرة اشتغاله، ويشعر بالعجزعن القيام بدور مؤثر، وهنا يظهر التساؤل: هل حقا هو كذلك، أليس للفنان دور فاعل في الواقع العراقي؟ وهل بامكان الفنان العمل على تغيير ما يمكنه وهل يمتلك القدرة على ذلك في مواجهة السياسي الذي ربما يخضع الاشياء لمشروعه فقط؟
تساؤلات وتساؤلات تواجه بعضها بقساوة حيث يقف فن الممكن (السياسة) بمواجهة فن التمثيل، واية مقارنة بين الاثنين لا تجد نفسها، لذلك كان توجهي الى اهل الفن لأسألهم عن احوالهم في ظل اهل السياسة.
اول من توقفت عنده وسألته عن المسافة ما بين المسرحي والسياسي هو الفنان عزيز خيون الذي قال حينما سمع السؤال: (المسافة كبيرة وفيها اكثر من تفصيلة)، ثم اضاف موضحا: المثقف متأمل، رائي، رسالته واضحة بأتجاهاتها الانسانية بشكل عام، السياسي شغلته السياسة التي هي (لعب على الحبال) يسمونها (فن الممكن) وهي تحتاج الى لعب ودهاء ومناورات واوراق معلنة ومخفية، وكأنه يخوض معركة حربية، واغلبية السياسيين غير منتمين للثقافة، السياسي لا يطل على الثقافة بشكل عام، هنا الحكم ليس اطلاقا وفيه اسنثناءات، هناك سياسيون يتابعون كل العروض المسرحية ويتحدث كما يتحدث اهل الاختصاص، ولك الغالبية لا علاقة لها بالفن ولا تتذوقه، والبعض يعتبر الفن محرما، يمكن هناك استثناءات بالجانب العلماني، يعتبرون الفن حالة ترف وليس قضية بناء، الفن بناء ويجعل المجتمع يميل اكثر الى السلم ويتذوق الحياة والجمال، لذلك الدول تقاس عظمتها واهميتها بفنونها، على المستوى العالمي الفنان هو الذي يقرر مصير السياسي، نحن هنا بالعكس، السياسي هو الذي يقرر مصير الفنان، والدليل ان دائرة السينما والمسرح تعمل بنظام التمويل الذاتي ولا حياة لمن تنادي، وهذا مثال حي نعاني منه من قبل عام 2003 الى هذه اللحظة.
اما المخرج المسرحي عماد محمد فقال: وصلت العلاقة بين السياسي والفنان الى اشبه بالقطيعة الكاملة، لاسباب كثيرة، اولها المساحة الضيقة لاغلب السياسيين المتواجدين على الساحة السياسية مضافا اليها النظرة غير الدقيقة للسياسي وخاصة الذي كان خارج العراق وجاء بعد التاسع من نيسان 2003، فأصبح صراعا واضحا ما بين الداخل والخارج مبنيا على افتراضات منها صحيحة ومنها غير صحيحة، لكون السياسي الذي عاد الى وطنه لايعرف الكثير عن الساحة الفنية والثقافية العراقية، ومحملا ببعض العقد النفسية المسبقة حتى قبل ان يتعرف على صاحب المنجز او المنجز نفسه، ومن الاسباب المهمة الاخرى وصول بعض التيارات الدينية المتطرفة الى اغلب المرافق السياسية والسلطوية الحاكمة دون ان تتبدل النظرة الى الفنان والمثقف وعدم رغبة السياسي بخلق مناخ جديد لعلاقة صحيحة بين المثقف والسياسي، وحتى بعض السياسيين الذين كانوا جزء من الثقافة العراقية لم يستطيعوا ان يتفاعلوا او ان يؤسسوا اي ثقافة جديدة تجمع المبدعين الاصلاء دون النظر الى انتماءاتهم السياسية والفئوية، واضاف عماد: حتى الفنان اوالمثقف الذي كان يعيش في سلطة النظام الشمولي الواحد والحزب الواحد لم يفكر في تطهير ذاته مما علق بها من امراض تلك المرحلة ولم يعترف او يعتذر عن انه كان جزء من مشروع ثقافي وفني سيء ومشوه وعليه التفكير لالافق المقبل على ضوء المتغيرات الجديدة والمستقبلية وبقي مصرا، واحيانا مدافعا عم مشروعه السابق مما جعل بعض السياسيين ممن كان لديهم مشروع ثقافي وطني ان يؤجل المشروع الى حين وضوح الرؤية وانتهاء حالة الفوضى، وكذلك انشتغال السياسي اولا بمشروعه الخاص به او بحزبه او كتلته والصراع معروف حول الامتيازات والمكاسب الخاصة دون النظر الى قضايا معمقة منها الثقافية وترميم الحياة الانسانية العراقية بعد الخراب الذي كان وما يزال.
وسألت الكاتب المسرحي مثال غازي عما يدور ما بين اهل المسرح والسياسة وسط ما يحدث للمجتمع فيقول: ( اعتقد ان الخطاب السياسي هو الوحيد الذي يستقطب عقلية المجتمع العراقي الان وانه استقطاب غير مجد، بحكم عدم فاعلية الدور السياسى الحالي، ومن الطريف ان يتحول السياسي بحكم وجود القنوات الفضائية العديدة الى نجم (سوبر ستار) حيث نشاهده يتكلم بأداء متفن ويمثل دوره كأنه نجم سينمائي من هوليوود، ولكن الفرق حينما يتكلم نجم هوليوود فأنه يتكلم عن منجزاته الفنية التي انجزها بالفعل، اما السياسي عندنا فأنه يوزع على عباد الله وعودا سرمدية لا نجد لها أي صدى ).
وحين اجد صدى ما قاله يرن غرابة في نفسي، لأسأله لماذا اجاب: لأنني اجد ان هناك خشية كبيرة لدى السياسي تجاه العقلية الفنية والادبية وذلك بسبب وظيفة كل واحد منهما وتأثيراتها داخل المجتمع، اذ ان السياسة مرتبطة بالوهم والتزييف اما الفن فهو مرتبط بالمحاكاة التي تعنى بتفاصيل الحياة سواء كانت فكرية او سلوكية، ولهذا يصبح الفن مرآة عاكسة لهذا انا ارى الفن اكثر صدقا من النظريات السياسية ).
واضاف: ( انا اتصور من اجل ان يأخذ المسرحي دوره ان يكون الوضع كالتالي: يجب.. (وأضع خطا تحت كلمة يجب) على الفنان والاديب العراقي ان ينزل الى الشارع ويندمج بعقليته المتوهجة مع عقليات وطبقات المجتمع المختلفة من خلال تبسيط الادوات او اللغة او محاولة خلق جاذبية عالية من اجل استقطاب الاخرين، اذ لا يكمن دور المثقف في انجاز نص جيد قد ينال عليه المديح والثناء، أنما عليه ان يكون اكثر فاعلية من اجل ان يكون مؤثرا، ودعني اقول لك حقيقة ان ما يقدمه المسرحي هو اكثر صدقا وجدوى مما يقوله السياسي، فالذائقة يخلقها الفنان وهو الذي يوجه مجتمعه نحو الافكار والمعتقدات الصائبة وليس العكس، اذ كما نعرف ان للمسرح تأثيره الخطير على المجتمع، وحتى في الانظمة الشمولية نرى ان المسرح هو المتنفس الوحيد لدى الشعب وما يقال داخل المسرح يعتبره المتفرج سرا عليه ان يحتفظ به ويحاول تمريره بسرية عالية الى الاخرين كما المنشور السري، ومن هنا نعي جيدا خطورة الفن المسرحي، لقد تخلص المسرح من نظام الرقابة الصارمة على الافكار وعلينا ان نؤسس لتقاليد مسرحية، وأن تعي جيدا دور الكلمة في بناء المجتمات الحديثة).
الفنانة بشرى اسماعيل أجابت عن اسئلتي قائلة: في كل دول العالم وفي كل الازمنة هنالك خشية من الفنان..، ولكن هناك حيل كبيرة وألتفافات كثيرة وألاعيب متنوعة لدى السياسي في التاثير المباشر على الناس وذلك لأن في اغلب الاحيان يكون المصير والقراربيد السياسي لا بيد الفنان، وعلى الرغم من شرف مهنة الفن واصالتها وانسانيتها الا ان الفنان في اكثر الاحيان يقع في حبائل السياسي ويكون عونا له في الترويج لمشروعه والدفاع عنه، على الرغم من عدم ايمانه به!!، وهذا يحصل دائما في الانظمة الشمولية وهناك امثلة كثيرة على هذا، لذا فان السياسي في خشية دائمة من المسرحي.
واضافت بشرى بعد ان قلت لها ما العمل اذن؟: في واقعنا الحالي ارى من الصعوبة ان يلعب الفنان دورا معينا وأظن الطروحات في مثل هذا الشأن غير واقعية، فعقلية الشارع العراقي الان من الصعوبة التخاطب معها فنيا لأن التجاذبات السياسية مؤثرة في الشارع وكل اجندة سياسية لها اتباعها ولا زلنا لم نتعود على قبول الاخر واي خطاب حتى لو كان وطنيا خالصا فأنه حالما يصطدم بمصلحة احد فأنه سيكون ضده، فالمسرح المخلص الان جهد مهدور لا يمكن قبوله ما دام لا ينتمي الا الى الوطن، وكل ما هو وطني مع الاسف مركون على الرف حاليا، لذا اقو ل اذا اردنا توخي الصدق والحقيقة وان لا نقول كلاما نظريا فقط، فعلينا بأختصار شديد ان نؤمن بأن أي مسرح الان لا يكون ذا جدوى، أي لن يكون مؤثرا في الشارع الا اذا كان متبنيا لأيدلوجية سياسية او مدعوما من قبلها بشرط ان يكون لها تأثيرها ووزنها في الشارع ولدينا امثلة عراقية وعربية وعالمية كثيرة على ذلك، ولكن هل على الفنان الجلوس والانتظار الى حين يأتي السياسي ويقول تفضل قدم لنا ما يرفه عنا!!.
اما المخرج المسرحي ابراهيم حنون فيقول: ان السياسي من اجندته تطويع الخطاب الثقافي لصالحه، والسعي لأنهاء دور النخب التي تقف حائلا امام مشروعه، وهناك من يذهب بعيدا ليقول ان الاولويات تحتم على السياسي أن يدع الثقافة جانبا وأن يهتم بالاشياء المباشرة بحياة المواطن من خدمات وامن، وكل هؤلاء لايعون دور الثقافة في بناء الانسان وايجاد حركات تجعل المواطن فاعلا ومساهما، فالثقافة في كل الحقب عانت من علاقنها بالسلطة التي تحاول قبض الخطاب الثقافي ضمن نسق المشروع الذي تدعو اليه.
واضاف: انا ارى ان المسرحي ينبغي ان يكون ذا دور واضح وخطابه ملتزم بقضايا شعبه وانا اقول ان التاريخ لا يرحم، وعلبه انا ارى ان المهام التي يجب ان ينجزها الفنان المسرحي هي ان يجد صورة لأستبدال الخطابات المتوترة في الواقع العراقي ويسعى الى تقديم تماسات تنزع الى القبول بالاخر والتعايش معه وترسيخ الخطاب الديمقراطي وتفعيل دور المؤسسات الدستورية وجعل المسرحي غير قابل للانحناء في وجه العاصفة،واستطرد: التحولات الغرائبية في المشهد السياسي العراقي وتمدد اثاره في بنى المجتمع العراقي والصورة المشوشة والمستقبل المجهول اشياء ليست هينة، لذلك انا ادعو المسرحي للابتعاد عن كل ماهو دعائي ومباشر فج، وادعو الى تفعيل الكلمة الصادقة، ادعوالى تقديم المسرح الشعبي الذي يقدم في كل الظروف والامكنة ويصل الى المواطن ببساطة، وادعو المسرحي ان يتعامل بشفافية مع الاحداث.