محمد الحمامصي: أعلن د.يوسف زيدان مدير مركزي المخطوطات ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية أن المؤتمر الدولى الخامس لمركز المخطوطات سوف يعقد في الفترة من 6 إلي 8 مايو القادم تحت عنوان (المخطوطات المطويـة)، وبمشاركة نخبة المتخصصين في التراث العربي مخطوطا وتحقيقا وبحثا منهم: د. عبد الله يوسف الغنيم (الكويت)، د. رشدي راشد (مصر/فرنسا)، د.عبد الحميد صبرة (مصر/الولايات المتحدة)، د. محمد جمال الطحان (سوريا)، د. محمد الكردي (مصر)، د. محمد الفحام (مكتبة الإسكندرية)، د. لين بيرجرين (كندا)، د. ريجيس موريلون (فرنسا)، د. جورج تامر (الولايات المتحدة)، د. أحمد شحلان (المغرب)،، د. مايكل ماركس (ألمانيا)، د. سيورد فان كونينجزفلد (هولندا)، د. حامد طاهر (مصر)، د. هيلين بيلوستا (فرنسا)، د. بسكال كروزيه (فرنسا)، د. إلاهيه كيرانديش (الولايات المتحدة).وأضاف د.زيدان أنه من بين العناوين البحثية التي سيناقشها المؤتمر: (بين المفقود والمتواري أنماط من نصوص مخطوطات الرياضيات والعلوم)، (المخطوطات المطوية في أعمال ابن سنان الرياضية)،(السجزي والقطوعات الأسطوانية)، (المخطوطات المطوية في علم البصريات عند العرب)، (كتاب النواميس المنحول لأفلاطون)، (تلخيص أخلاق نيقوماخيا لابن رشد بين الخفاء والظهور)، (المخطوطات المطوية لأبي زيد البلخي)، (المطوى من تصانيف أبى سهل القوهى) (مخطوطات الفلك المطوية)، (الرحلة الأوروبية لمخطوطات كتاب المناظر لابن الهيثم)، و(مخطوطات علم الكيمياء المطوية وعوامل طيها).
وحول فكرة وهدف اختيار المؤتمر لمحور (المخطوطات المطوية) مرتكزا لمناقشاته قال د.زيدان: يرجع القصور المعرفى بالتراث العربى إلى عدة أسباب. منها أن تراثنا الممتد قروناً فى الزمان، لم يُنشر منه إلا قدرٌ ضئيل لا يتعدى عشرة بالمائة من مجموعه الذى لم يزل مخطوطاً. وما بقى (مخطوطاً) أصلاً، إنما هو قدرٌ ضئيلٌ من الإنتاج المعرفى العربى. وإذا نظرنا فى (العناوين) التى أوردها النديم فى الفهرست وحاجى خليفة فى كشف الظنون والبغدادى فى إيضاح المكنون مقارنةً بما هو تحت أيدينا من نصوص تراثية، مخطوطةً كانت أم مطبوعة، سوف نرى نسبة (الباقى) من تراثنا، لا تكاد تتعدى العشرة بالمائة من مجموع هذا التراث. فإذا كان (المنشور) لا يزيد عن عشرة بالمائة من المخطوط. وإذا كان الباقى فى خزانة المخطوطات العربية، لا يزيد عن عشرة بالمائة مما تم بالفعل إنجازه. فإن معارفنا التراثية الحالية، لا تزيد عن واحدٍ بالمائة من مجموع هذا التراث!ومن هنا، وامتداداً لمؤتمراتنا السابقة التى كانت خُطى على طريق الاستكشاف والوعى بالتراث المخطوط، يأتى هذا المؤتمر هادفاً إلى الكشف عن (المطوىِّ) من التراث، وعن (المنـزوى) من المخطوطات، وعن (المفقود) من كتاب المعرفة العربية.. وبالتالى، فإن المخطوطات المطوية حلقةٌ جديدة فى سلسلة مؤتمراتنا السابقة: المخطوطات الألفية (سبتمبر 2004) المخطوطات الموقعة (أبريل 2005) المخطوطات الشارحة (مايو2006) المخطوطات المترجمة (مايو 2007).
ويؤكد د.زيدان أن (المطويات) فى عالم المخطوطات متعددة، متنوعة الأنماط والأسباب. وفى الوقت ذاته مهمةٌ، ولابد من الوقوف عندها لاستكشاف جانب مهم من التراث العربى المجهول والمستتر والمنـزوى. ولذلك، فإن المحاور والنقاط البحثية الفرعية، المنبثقة عن المحاور، سوف تتعرض للأعمال المفقودة من التراث العربى، والمؤلفون المجهولون، العوامل المؤدية إلى إزاحة مؤلفات بعينها، وطيِّها، الخصائص العامة للنصوص المطوية، وأيضا دخول النصوص فى المدوَّنات الكبرى وانزوائها بها، وما يمكن من المؤلفات المفقودة أن يستلَّ من نصوص موجودة، و تأثير الدعاية السلطوية على بقاء المؤلفات وانتشارها أو اختفائها، وأخيرا أهمية المخطوطات المطوية، ودور الفهرسة فى الكشف عنها.
أما حُدُودُ المصْطَلَحِ كما يكشف د.يوسف زيان فأولا كلمة المخطوطات ومرادنا بها: ما كُتب من معارف، بالعربية، حتى عصر الطباعة وانتشار المطبوعات. وبغرض التحديد الدلالى، نُعد (المخطوط): ما تم تأليفه قبل القرن العشرين الميلادى، أو الرابع عشر الهجرى. فإن كان بعد ذلك، فهو (كتاب) وإن لم يُنشر فهو (مسودة) أو نسخة مؤلِّف. وأما المطوية فالمراد بها: المؤلفات التى اختفت أو اختبأت لسبب أو لآخر. فالطىُّ لغةً هو نقيض (النشر) بمعنى الظهور، وهو اصطلاحاً: الإخفاء والاختباء والانزواء لبعض النصوص التى وصلنا عنوانها من دون محتواها، أو بلغنا عنها خبرٌ وفُقدتْ أعيانها.. وكما أسلفنا، فقد تقلب تراثنا العربى بين الطى والنشر، وكان المطوىُّ منه هو الأكثرية، والمستورُ منه هو الأغلب من المشهور المنشور.
وللطىِّ أنماط وأشكال، هى التى سوف تدور حولها محاور المؤتمر والنقاط المقترحة للبحوث فيه.. فمن ذلك: طىُّ الزمان للمؤلفات العربية التى ضاعت أصولها، وعرفنا بها من إشارات وتلميحات وردت فى مؤلفات أخرى. والمستهدف المعرفى من هذا (المحور) هو الكشف عن النصوص المفقودة، وأسباب فقدانها، والخصائص العامة التى تجمع بين المفقود من التراث. فنطرح على مائدة البحث، عبر هذا المحور، أسئلة من نوع: لماذا اشتهرت مؤلفات بعينها وانزوت المؤلفات الأخرى حتى ضاعت؟ أين ذهبت أصول الأعمال العلمية المبكرة التى قدم لنا نصير الدين الطوسى فى القرن السابع الميلادى (تحريرات) لها؟ لماذا اختفت ترجمة حنين بن إسحاق للكتاب المقدس، مع أنه أشهر مترجم فى تاريخ العرب والمسلمين؟ لماذا تنمحى النصوص العربية المدونة قبل الإسلام؟ وهل كان (عصر التدوين) هو عصرٌ للتدوين الحر، أم عصرُ استكتاب فى أمور بعينها؟ وما هى تقنيات الحذف وأنماط الاستبعاد التى أدت إلى فقدان الكثير من المؤلفات المبكرة والمتأخرة.. هذا بعض ما يتعلق بطىِّ الزمان للمخطوطات.
ومن (الطى) ما فعلته مؤلفاتٌ بمؤلفات أخرى. فقد يطوى نصٌّ نصوصاً أخرى بداخله، أو يطوى ذكرها فيُبيدها! وعلى هذا وذاك أمثلة كثيرة، فكثير من الرسائل المفردة والقصائد الشعرية والنصوص المبكرة، دخلت فى مدوَّنات من نوع (الأمالى) لأبى على القالى، أو (كتاب الأغانى) لأبى الفرج الأصفهانى، أو شروح (المجموعة الأبقراطية) التى دوَّنها الأطباء العرب خلال ثمانية قرون من عُمر العلم العربى.
وقد يقضى نصٌّ على نصوصٍ يعترضها ويفندها، مثلما فعل كتاب (الانتصار فى الرد على ابن الراوندى الملحد، للخياط المعتزلى) مع مؤلفات ابن الراوندى التى لا نعرف عنها إلا ما أورده منها الخياط.. ومثلما فعل كتاب (فضائح المعتزلة) مع تراث هذه الجماعة الكلامية التى انطوى مذهبها، حتى اكتُشف بالصدفة فى اليمن، قبل بضعة عقود، أهمُّ كتابٍ فى المذهب الاعتزالى (المغنى فى أبواب التوحيد والعدل، للقاضى عبد الجبار) بعدما انطوى الكتاب قروناً طويلة من الزمان.
ويدخل فى باب (الطىِّ المقصود) ما فعلته جماعة السلطة، وسلطة الجماعة، من إزاحة لبعض المؤلفات وبعض المؤلفين حتى غاب ذكرهم وانطوى أمر ما كتبوه.. ومن هذه الناحية حُجبت (طواسين) الحلاج قرابة ألف عام، واندثرت أعمال عين القضاة الهمدانى، واختفت بالكلية مؤلفات أبى العباس الإيرانشهرى (مع أن البيرونى يصفه بأنه: أحسن من كتب فى العقائد القديمة!).
وقد تنطوى علومٌ بكاملها لامؤلفات بعينها، بسبب الحظر والحصر والمنع وتجاهل النساخ.. من ذلك الكيمياء السحرية، وسائر العلوم الخفية التى لانكاد نعرف من أسماء المؤلفين فيها غير ثلاثة تحوطهم الشكوك: جابر بن حيان، الطغرائى، ابن زنبل الرمال! وكثيراً ما كانت هذه العلوم (الخفية) تختفى بفعل ذاتى، لا لسبب خارجى، اتقاءً لمعارضة الفكر السائد والمنظومة المعرفية الرسمية.
ويلحق بما سبق، ما انطوى من (المؤلفين) وبقيت أعمالهم خالية من أية نسبة إلى أصحابها، مثال ذلك كتاب (المقصود فى علم الصرف) وموسوعة (رسائل إخوان الصفا) وسائر الكتب العربية الهرمسية، وعديد من النصوص الصوفية.. فهى أعمالٌ معروفة بأعيانها، مفقودةٌ أسماء الذين ألَّفوها!
ومن دقائق عمليات (الطى) فى المخطوطات، كتابة النص العربى بحروف غير عربية، أو نقل نصٍّ غير عربى إلى الحرف العربى، أو الجمع بين أكثر من لغة فى نصٍّ واحد مكتوب بالحرف العربى.. والمثال على هذا النوع الأخير: مقدمة ديوان جلال الدين الرومى (المثنوى) التى كُتبت بالعربية، بينما النص الشعرى فارسى اللغة، عربىُّ الحرف! وكذلك مانراه من النقول الكثيرة الفارسية والتركية، بالحرف العربى، فى كتاب التهانوى: كشاف اصطلاحات الفنون. أما التعمية باستخدام الحرف العربى لكتابة نصٍّ غير عربى، أو العكس، فمنه (دلالة الحائرين) لموسى بن ميمون، ومنه بعض مؤلفات ابن رشد المدوَّنة بالحرف العبرى، وكثير من المؤلفات الدينية المنقولة بحروف غير حروف لغتها.