عزازيل رواية لاهوتية بحتة ترتبط بحقائق التاريخ
بدأت د.شهلا العجيلي رؤيتها النقدية بالإشارة إلى أن العلاقة بين القارئ والمبدع في رواية عزازيل تشبه لعبة الاستغماية، حيث تمتاز الرواية على مستوي الرؤية العامة بدهاليز ومساحات خضراء وخبايا وأسطح قريبة من السماء، وعلى مستوى المفردات والفن الروائي استطاع يوسف زيدان أن يبلغ أقصي درجات الايهام حين وضع ما أسماه مقدمة المترجم، فقدم لنا روايته علي أنها رقوق قديمة كتبها الراهب المصري الأصل هيبا باللغة السريانية واكتشفها الأب وليم كازاري قرب مدينة حلب وأن المترجم اكتشف خلال السنوات السبع التي قضاها في الترجمة أن راهبا عربيا اكتشف هذه اللفائف (الرقوق) وكتب عليها بعض التعليقات ثم أعادها إلى موقعها علي اعتبار أن هذا الكنز لم يأت أوان الكشف عنه وهذه كلها دروب إيهام استطاع يوسف زيدان من خلالها أن يقدم عملا روائيا ممتعا للقارئ خاصة أن الرواية تعرض لوقائع فعلية مثل مجمع إفسوس الذي قرر مصير الديانة المسيحة سنة 431 ميلادية لقرون طويلة تالية ولكن الرواية تقدم وقائع المجمع مثلما تقدم وصفا تفصيليا لستر (مرتا) المرأة البديعة التي أحبها الراهب هيبا دون أن تعطي الرواية أهمية لهذا على ذلك، فنحن إذن بصدد إبداع خاص افتقدته الرواية العربية منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن، حتى جاءت هذه الرواية لتقدم صراع الإنسان الثقافي بين كنيستي الإسكندرية وأنطاكيا، وبين الثقافة الوثنية التي كانت سائدة في الاسكندرية وثقافة المسيحية التي يمثلها البابا كيرولس أسقف الاسكندرية في مطلع القرن الخامس الهجري، وقد استطاعت الرواية أن تقدم هذا الصراع من دون التورط في النسقية والانحياز لنسق دون آخر، غير أن الروائي يكره العنف ويمقت القهر باسم الدين، ولذلك فإن القتل محور أساسي في الرواية، وبعدم التورط في الفخ النسقي والتنظير نجحت الرواية علي المستوى الإبداعي وقدمت نصا يقتحم القارئ ويغرد خارج سرب التأليف الروائي المصري المعاصر الذي انكفأ على ذاته، ففي الرواية يظهر الإنسان الذي فقدته الرواية العربية المعاصرة، وعاد بنا يوسف زيدان إلي الذات ومحورية الإنسان في الكون وإعلاء قيمة الحرية.
وانطلق د.سعد الدين كليب في رؤيته النقدية من بيان معنى كلمة عزازيل، والحوار الذي دار بين بطل الرواية وعزازيل الذي لم يظهر في الرواية إلا مرات قليلة مفاجئة ومربكة، ولكن عزازيل (الشيطان ـ إبليس) هو الذي دعا الراهب هيبا للكتابة والتدوين ومن ثم ظهرت الرواية مرآة للصراع بين الإنسان وذاته وبين الأرض والسماء، وبين الإيمان والكفر، فهل يعني عزازيل الهاوية أم هو الشهوة أم هو التاريخ الإنساني، رواية عزازيل لا تقدم أطروحات فلسفية أو دينية ولكنها تقدم الإنسان في ثوب فلسفي ديني، بل إنني عاجز عن وصف هذه الرواية التي توهم بالدين والتاريخ والفلسفة لتقدم معرفة عميقة لا نستطيع أن نميز فيها بين الواقع التاريخي والإبداعي الروائي، لتبقى دوما مطروحة للتساؤلات العميقة. من العنف والتسامح، ومن الوثنية والمسيحية، والأنوثة في الرواية وثنية: فكل النساء الجميلات في الرواية وثنيات، هيباتيا، أوكتاوفيا، مرتا، فهل يرى يوسف زيدان في الأنوثة وثنية وأن الذكورة ترتبط بالعنف بالضرورة؟
وفي ختام الندوة قرأ د.يوسف زيدان الصفحة الأخيرة من الرواية، وأكد أنه لا يمكن فهم التراث الإسلامي إلا بالعكوف علي التراث المسيحي، ولا يمكن فهم اللغة العربية إلا بالنظر إلى اللغة السريانية (الآرامية).
التعليقات