وقف الحزنُ فوقَ مرابعِ الرُّوحِ
فوقَ رُقيماتِ الطِّينِ
ناثراً فوقَ جنونِ الوغى
خفايا جذوعِ الأنينِ
دموعٌ على مساحاتِ الأسى
على أغصانِ الحنينِ

تاهت الأمّهاتُ
من جنونِ الحروبِ
ولَّتْ من شرارةِ الموتِ
من أوجاعِ الغروبِ

وقفَ البكاءُ فوق ربوةِ القصيدةِ
يشكي للبحرِ حكايةَ القهرِ
يروي قصصَ العبورِ
في أوجِ المتاهاتِ

حلمَ طفلٌ بوردة بيضاء
تستقبل أمُّه بها خيوطَ الصَّباحِ
انفجارٌ حارقٌ
خلخلَ خميلةَ الحلمِ

جاءتْ طفلةٌ
تحملُ في مآقيها دموعاً
ممزوجةً بأحزانِ المدائنِ
ماتَ كهلُ عندَ مسقطِ الرأسِ
لم يعدْ لمساقطِ الرُّؤوسِ أماناً
تدحرجتْ الرُّؤوسُ
على قارعةِ العذابِ

شرخٌ في جبينِ الحضارةِ ينمو
ارتعدَتِ العصاقيرُ من أزيزِ العاصفة

ماتَ السَّلامُ في أوائلِ الرَّبيعِ
في وضحِ النَّهارِ
ضاعَ الأمانُ من ضراوةِ الجورِ
من قيحِ القرارِ
لم يعدُ في الساحةِ جندٌ
ولّوا في أعماقِ البراري

حضارةٌ حبلى بعصيَّاتِ العمى
تفرشُ سوادَ اللَّيلِ
فوقَ نواقيسِ المنى
ظلمةٌ ظالمة تخيِّمُ
فوقَ هلالِ الهدى

رأسٌ مفخَّخٌ بالآهاتِ
عاشقة غارقة في براثنِ الأسى
من يستطيعُ أن ينقذَ الأوطانَ
من أنيابِ الوغى
ماتَتِ الحمائمُ
جوعٌ على امتدادِ المدى!

هبطَ الغدرُ فوق لجى النَّهرينِ
فارشاً شراهاتِ الرَّدى
كم من الانشراخِ
حتّى تورَّمتْ اهتزازاتُ الصَّدى
جنونٌ أن تفرِّخَ هناكَ رؤىً
من هديرِ السُّدى!

دموعٌ تنسابُ
فوقَ شموخِ جلجامش
وجعٌ في تجاويفِ المآقي
أولى الحضاراتِ تتلظّى
في أعماقِ الأزقّة
تتهاوى حضارةُ الحضاراتِ
بينَ مخالبِ العصرِ

زمنٌ من بوحِ الغبارِ
زمنٌ مفخَّخٌ بأساطيل القيرِ
يتهافتُ على زراعةِ الشرِّ
على اقتلاعِ نورِ الضَّميرِ
يقطرُ سمّاً
فوق ضفافِ العمرِ
في عذوبةِ انسيابِ الغديرِ

زمنٌ مقوّسُ الظهرِ
يسطعُ بأنهارِ الأنينِ
يفرِّخُ المراثي كلَّما يغفو اللَّيل
كلَّما يشهقُ النَّهار

زمنٌ ملولبٌ بقيحِ الحروبِ
ينغشُ بشاهداتِ القبورِ
يخلخلُ قاماتِ الطفولة
يصهرُ عظامِ الكهولة
دموعٌ على رحابةِ الحلمِ

حلمٌ مندّى بالدموعِ
بجراحِ قاماتِ الوردِ
حلمٌ معشعشٌ في تلافيفِ الغمامِ
حلمٌ يخبو في متاهاتِ السَّرابِ
حلمٌ يزدادُ انكساراً

بكَتِ القبّراتُ من هولِ الدَّمارِ
فرّت بعيداً
عن شظايا النَّارِ
توارَت أسرابُ القطا
في جوفِ البراري
تورَّمت عيونها الكحيلة
من انبجاسِ أكوامِ الغبارِ

ستوكهولم: 12 ـ 4 ـ 2008
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم

[email protected]