مقابلة مع مهدي منصور المرشح اللبناني الوحيد لجائزة امير الشعراء
شادي علاء الدين من بيروت: قصة الشعر وإمارته ترتبط بالذاكرة الجمعية العربية وتحيل إلى الأصول التصنيفية القديمة التي كرست تقسيم الشعر إلى مراتب وطبقات وتقسيم الشعراء إلى فحول ومادونهم.
فكرة برنامج شعري يحيي فكرة إمارة الشعر في عصر الفضائيات تبدو وكأنها محاولة لإعادة إحياء زمن ولى بأدوات التكنولوجيا المعاصرة وروحها التي تسيطر فيها الصورة على كل مجالات التعبير وتخترقها.
الشاعر في هذه اللحظة التي يريد البرنامج فلشها على مساحة العين العربية هو شاعر عليه في كل لحظة أن يدبرشؤون صورته التلفزيونية لأن هذه الصورة هي العامل الحاسم في تكوين الإنطباع العام الذي يبني على أساسه عمارة إمارته المنتظرة.
لا يبدو تقسيم العلامات المعطاة للمشتركين لى قسمين متساويين الأول تعطيه اللجنة بناء على النص في حين أن الجمهور يهب القسم الثاني.هذا يعني أن النص وجودته هو صيغة أولية خاضعة للتقييم غير الحاسم فمن كان نصه مقبولا وعاديا قد ينال علامة على المعدل وهي على وجه الإفتراض25على خمسين ولكن هذا الشاعر المتواضع يستطيع الفوز إذا توفرت له شعبية جماهيرية كبيرة تعطيه نسبة كبيرة من أصوات الجمهور بحيث لا يستطيع شاعر آخر يحظى بتقييم أعلى من اللجنة في حين أنه لا يتمتع بالكاريزما الجماهيرية.
الجماهير لا تختار الشعر بل الشعراء وتقوم بعملية فصل قاسية ترفض بموجبها نسبة الكلام إلى قائله فهي دائما تنسب الكلام إلى نفسها وتصوت لما تستجيب له وتهواه ما يستتبع أن الشعر الحقيقي الذي يقترن بالتروي والعمق والتجاوز والتمرد والسبك والعناية لا يستطيع المثول أمام الجمهور أساسا لأن ذائقة الجمهور قد كرست منذ وقت طويل نفي الشعراء عن دائرة النجومية التي لا يدخلها إلا من كان قرينا لمراياه.غني عن القول إن مرايا الجمهور لا تحتمل إلا الإنعكاس الحرفي ذلك الذي لا يترك أي مجال للخيانات والذي لا يؤمن إلا بالتطابق.
هكذ تستعمل الجائزة تقنية الصورة المعاصرة لتنسج إمارة حنينها إلى الغابر الذي لا يستعاد إلال شعريا. ربما يكون هذا الطموح مشروعا في حال كان ظاهرة تنطلق من محاولة تثقيف حقيقية وعامة تحاول رفع مستوى الحياة الفكرية العامة ثم تتوج هذا الأمر في صيغة الإحتفاء بالإنتاج الشعري الذي يعكس هذا التطور ويستوعبه ويتمثله أما ما نشهده الآن فربما كان حاملا لهذا النزوع ولكنه مداخله للولوج إلية تبدو معكوسة فهو يحتفي بالإنتاج كقيمة منجزة وتامة في حين أن الشروط التي تمهد لبزوغ شعراء كبار فعلا لا زالت غير منجزة وناقصة لا بل وشبه معدومة. لذلك أعتقد أن الإحتفاء لا يكون إحتفاء بالشعر بحد ذاته بل احتفاء بالقدرة على صناعة إمارة ما تكون مأهولة بنفسها لأن كائنات الشعر الحقيقية لا تستطيع العيش في الإمارات بل هي دوما كائنات تتغذى من سلطة الهامش وتوسعه ليصير إمارتها الوحيدة الممكنة. لذا ربما كان برأيي الشخصي من الأجدر أن يكون عنوان المسابقة فقير الشعراء أو على هوامش الإمارة.
للمشترك اللبناني الشاب مهدي منصور رؤية خاصة في النظر إلى هذا الموضوع نعرضها في هذه المقابلة.

كيف ترى هذه الجائزة وماهي طبيعتها؟
برنامج أمير الشعراء هو إسم كبير يحاول إعادة ضخ الحياة في فكرة إمارة الشعر التي يعبرعنها ذلك القول الذي يعتبر إن الشعر قد بدأ بأمير وختم بأمير والمقصود بالأمير الأول الشاعر الجاهلي أمرؤالقيس والأمير الذي ختم الشعر به هو الشاعر أحمد شوقي الذي كان شاعر البلاط. هذا الإسم احتل نصيبا كبيرا من الأهتمام حيث كان العديد من الشعراء يحاولون نسبة هذا اللقب إلى أنفسهم فأمين نخلة الشاعر الكبير والذي اشتهر بكونه مؤسس لظاهرة نحت العبارة في الشعر العربي افتخر بأن أحمد شوقي قد أوصى له بإمارة الشعر بعده حين قال عنه quot;هذا أمير الشعر بعدي وقيم الشعر عندي / وكل من كتب الشعر فهو عبد لعبدي. هذا التصور الذي ينقسم فيه الشعراء إلى أمراء وعبيد يبدو مرفوضا من ناحية ولكنه من ناحية أخرى يستجيب لحالة معينة وراسخة في التفكير العربي وخاصة حين نعلم بان أسماء من قبيل سعيد عقل والأخطل الصغير وأمين نخلة قد دخلت في السجال القائم حوله.
كيف تنظر إلى التشابه بين صيغة هذا البرنامج الشعري الثقافي وبين البرامج الغنائية وبرامج المنوعات وتلك التي تدعي قدرتها على صناعة النجوم وهل التلفلزيون قادر فعلا على صناعة الشعراء أو حتى على احتمالهم؟
نسمع دائما بسوبر ستار وستار أكاديمي وغيرها من البرامج التي تعنى بالمواهب الغنائية وغيرها دون أن يكون للشعر كفن نصيب من الإهتمام الإعلامي الذي يمثل التلفزيون أبرز مظاهره فلا يمكن تجاهل قدرة التلفزيون ودوره وتأثيره لذا كانت الفكرة التي بني البرنامج عليها تعتمد على الإستفادة من قدرات التلفزيون على التأثير والإنتشار في دعم الشعر وإحيائه وإطلاق شعراء نجوم يعرفهم الجمهور ويتفاعل معهم من خلال الوسيط التلفزيوني.
هناك أكاديمية شعر في الإمارات والمفارقة المضحكة المبكية انك إذا وضعت كلمة شعر على الأنترنت فإن النتائج التي تظهر لك على الشاشة ليست الشعراء ونصوص قصائدهم بل البرامج التلفزيونية عن الشعر إضافة إلى معلومات وأخبار عما يجري فيها وهذالأمر يدل على مدى سيطرة التلفزيون على مفهوم التواصل الآن. برنامج أمير الشعراء هو أهم برنامج شعري على الإطلاق. ربما يمكن تسجيل ملاحظة أن الشعراء الكبار لم يشاركوا في المسابقة ولكننا نلمح أسماء شابة هي من أبرز الأسماء في بلادها لذا كنت أحبذ لو أطلق على المسابقة اسم أمير شعراء الشباب.

من لفت نظرك من الشعراء سواء من الذين مروا في البرنامج في العام الماضي أو من المشاركين في الدورة الحالية؟ كيف يتعامل النقد مع القصائد؟ وهل هناك حسابات غير نقدية تؤثر في اللجنة؟
هناك أسماء كثيرة لافتة كجاسم الصحيّح من السعودية الذي يعتبر من أهم الشعراء السعوديين وحازم التميمي وتميم البرغوثي الفلسطيني وولد الطالب من موريتانيا وأحمد بخيت من مصر الذي أذكر له مقولات مرهفة فهو يقول quot;حضنت كل بيوت مصر وليس لي في مصر بيت ndash; لم أعط من شرف النبوة إلا حزن الأنبياء.
بالنسبة للنقد فقد كانت هناك أخطاء في العام الماضي حيث كان النقد انطباعيا ولكن النقد صار أفضل في هذا العام وصار يعنى بالتفاصيل ويهتم بها أكثر من السابق.

هل ترى ان للجمهور دورا حاسما في إختيار الشاعر الأمير كون تصويته يعطي نصف العلامة؟ هل الجغرافيا السكانية هي العامل الأساسي؟ ماهي خصوصية مشاركتك كلبناني؟
لجنة الحكم المؤلفة من مجموعة من المختصين في الشعر والنقد من قبيل الدكتور عبد الملك مرتاض و صلاح فضل وعلي خريس تعطي للشاعر نصف العلامة ويعطي الجمهور النصف الآخر. هناك صعوبة في أن يكتب الشاعر قصيدة تصيب اللجنة والجمهور في آن واحد فمن الممكن أن يقول شاعر قولا مثل quot;الظل صوت داكن للفجرquot; لا يفهمه الجمهور مما يعرض قائله للفشل.
الجغرافيا تلعب دورا حاسما في هذا المجال والعصبيات الوطنية تفعل فعلها أيضا فالموضوع يستثير العنفوان المحلي فيدفع الحكومات إلى التدخل لدعم الشاعر الوطني فقد تتخذ اجراءات لا يستطيع شاعر آخر قد يكون أفضل فعل شيء بصددهاكأن تفتح إدارات الهاتف في بلد ما باب الإتصالات المجانية. حين يحدث هذا الأمر في بلد يمتاز بكثافة سكانية كبيرة فإن المنافسة لا تعود ممكنة. لذا أقترح أن يتقلص تأثير الجمهور إلى 25بالمئة فقط.
الرغبة في الحصول على تصويت الجمهور حددت المواضيع إلى حد كبير فلا قصائد غزلية او وجدانية فالقصائد القومية تغلب وأعتقد أن شاعرا كبيرا كشوقي بزيع لو أخذ كتابه عن الأشجار وقدمه فإنه سوف يسقط.
خصوصية مشاركتي كلبناني يمكن تلخيصها بأنني أمتاز بسرعة البديهة والقدرة على الإرتجال وبصناعة بعض الصور الشعرية الخاصة المتأتية من دراستي للفيزياءوتلك المتعلقة بالمكان والتي يمكن أن يمليها علي واد في الجنوب أو ضيعة في البقاع أو حي في بيروت.

ها هي المراحل الرئيسية للبرنامج وكيف تتم التصفيات؟
اشترك في البرنامج بين ال7آلاف إلى 10آلاف شاعروكان كل شاعر يقدم قصيدة يعتبر أنها تمثله وبعد ذلك تتم تصفية واسعة حتى يصل العدد إلى 300 وبعدها تتم تصفية أخرى لنصل إلى صفوة الصفوة وهنا لا يتجاوز العدد ال35شاعرا. بعد ذلك يقسمون إلى خمس مجموعات تضم كل مجموعة7شعراء وبالمناسبة أنا الرقم واحد في مجموعتي. هنا اللجنة تعطي علامات فيعبر الاول مباشرة في حين يخضع الآخرون للتصويت ويبقى 15 شاعرا ثم يتقلص العدد ختاما إلى 6شعراء يتنافسون على اللقب.

ألا يشكل غياب قصيدة النثر عن المسبقة وهي المنتشرة والمسيطرة نقطة سلبية في هذا البرنامج؟
أعتقد أن هذا السؤال يجب ان يطرح بشكل عكسي فلماذا لا يقال لماذا يكون غياب قصيدة الوزن وقصيدة التفعيلة عن الصحافة نقطة سلبية وعلى كل ليست قصيدة النثر مسيطرة في الخليج فلا زال الجمهور هناك يستجيب بقوة لقصيدة الوزن وقصيدة التفعيلة.ربما تكون قصيدة النثر مسيطرة في لبنان وسوريا والأردن مثلا ولكنها ليست كذلك في الخليج الذي يشكل جمهورا ضخما محبا للوزن. كنت اتمنى لو ترك المجال لقصيدة النثر للمشاركة ولكن لا أعتقد أن غيابها أمر غريب كثيرا خاصة ان البلد الذي يحضن الجائزة هو بلد خليجي ولا بد أن يستجيب للمعطيات الذوقية الخليجية التي تستقبل قصيدة الوزن بكثير من الإحتفاء.

ألا يلعب التمويل دورا خاصا في تحديد هوية الجائزة والشكل الثقافي الذي تدافع عنه وترعاه وتاليا هوية الفائز المحتمل؟
ممول الجائزة هو الشيخ محمد بن زايد وهو يمولها من جيبه الخاص وهذا الرجل اشتهر بحبه للشعر والفنون. إذا لا يعتمد هذا البرنامج على عائد الإتصالات الهاتفية لتغطية تكاليفه فهو مغطى سلفا بالتمويل الأميري وليس اعتماد نهج الإتصالات والتصويت إلا إنسجاما مع متطلبات التلفزيون وليس لاسباب تتعلق بالربح. أعتقد أن هذا البرنامج هو من البرامج النادرة التي لا تتوخى الربح.
أعتقد أن من حق أي كان أن يدعم توجه ثقافي معين ولا أرى أن التمويل يرسم هوية الفائز مطلقا نظرا للتقارب الكبير في المواضيع بين معظم المشتركين مما يتطلب القيام بعملية فرز واسعة وكبيرة.

كيف تنظر إلى مستقبل مثل هذه البرامج؟
من الجيد أن يستفيد الشعراء ماديا مما يعطيهم إمكانية تخصيص وقت اكبر للتفرغ للكتابة فشبكة الجوائز المالية لا تقتصر على الاول فقط بل تشمل عددا لا بأس به من الشعراء الذين يصلون إلى المراحل المتقدمة من البرنامج.أعتقد ان تراكم الخبرات والظهور الدائم للقصائد الجيدة سيحول هوية البرنامج بالكامل مستقبلا من الترفيه إلى الدقة.
أود ختاما أن أشكر الشعب الإماراتي على تلك الحفاوة الملكية التي استقبلنا بها والسفير اللبناني في الإمارات على اهتمامه بي كلبناني وأقول للجمهور اللبناني لا أعدكم بإمارة الشعر بل بشعر أميري.
هل يستطيع التلفزيون صناعة الشعراء فعلا أم أنه يصنع شعراءه فقط؟ وهل ننتظر أن يصبح الشعر خبزا يوميا للناس.هذا السؤال بصدد الآتي.
هل يستطيع الشعر أن يرشح من فضاء التلفزيون البارد والسريع والذي يؤسس دائما للعابر؟