عبد الجبار العتابي من بغداد: حزنا على رحيل الرجل النبيل كامل شياع، العراقي ابن امه وابيه، ابن دجلة والفرات، ابن النخلات الباسقات وابن ارض السواد، واحتجاجا على الاغتيال البغيض الذي طاله، على كاتم الصوت الذي كان صداه يرن في القلوب، شهدت قاعة المسرح الوطني ببغداد صباح الاثنين اقامة مراسيم انين وعزاء للراحل، اقامتها مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون صباح الاثنين، حيث ارتفعت على عرض فضاء خشبة المسرح لافتة كبيرة عليها صورة الراحل وكلمات له بتوقيعه يقول فيها: ( اعلم اني اخشى بغريزتي الانسانية لحظة الموت حين تأتي بالطريقة الشنيعة التي تأتي بها)، كان اللقاء بمثابة رئائية للراحل، شهيد الكلمة المناضلة الحرة، الذي استشهد على ايدي زمرة من الارهابيين في 23/8/2008، حضرتها عائلة الفقيد ولم يحضرها الا القليل من اهل الثقافة والفن، هكذا كان المشهد الذي كان العتاب فيه والملامة تظهران فوق سطح الحدث، هنالك لوم على وزارة الثقافة التي يعمل الراحل مستشارا فيها، وعلى دائرة السينما والمسرح التي لم يكلف مديرها العام نفسه للنزول من غرفته المبردة والمشاركة في سخونة العزاء، كانت الرثائية.. يمتلكها الحاضرون بعفوية وبرغبة في ان يمنحوا بعضا من وقتهم للحداد والالم.

بدأت الرثائية بوقوف الحاضرين دقيقة حداداً على روحه الطاهرة، ثم قدم الزميل الصحفي علاء المفرجي (مقدم الرثائية) كلمات تناولت سيرة حياة الراحل ومكابداته وانثيالاته، قال: كامل شياع.. حياة اقتسمتها الغربة عن الوطن، والغربة في الوطن وهذه الاخيرة هي (الغربة الاصعب) كما اسماها باسترناك،خمسة وعشرون عاماً، المنفى،زمن الرحلة، الرحلة التي تجشم عناءها شياع للوصول الى يوتوبياه.. هل كان عذاب الرحلة اسهل من غايتها؟ تماماً مثل الوصول الى ايثاكا كما رسمها كافافيس.

والقيت كلمات لرئيس الجمهورية وعائلة الشهيد والمثقفين العراقيين، ومؤسسة المدى، ثم تم تقديم عرض مسرحي بعنوان (في رثاء رجل نبيل) تأليف الكاتب علي حسين واخراج كاظم النصار وتمثيل عبد الستار البصري ومحمد هاشم ومازن محمد مصطفى واسراء البصام.

بدأت المسرحية بموسيقى حزينة قبل ان تفتح الستارة، وحين فتحت كانت الشاشة تتجسد بفيلم يوثق تشييع جثمان الراحل كامل شياع، رسم علامات الحزن والتأثر الشديد التي كانت بادية على وجوه المشيعين من اصدقاء ومحبي الراحل، بينما على الخشبة تنتشر مجموعة من الشموع المضاءة، وتواصلت الموسيقى ليظهر على الخشبة ثلاثة اشخاص تغطي اجسادهم ملاءات بيضاء، تحركوا قليلا ثم وقفوا على شكل مثلث على الخشبة، بعد ذلك كشف الممثلون عن وجوههم، وراح الممثل محمد هاشم الذي مثل دور الراحل يقول عبارة: (كان يمشي ورائي بعينين زائغتين / كان يمشي ورائي بعينين زائغتين)، ورددها بعده الاخرون بصوت ينم عن تأكيد، حتى تقول الممثلة اسراء البصام بصوت عال كلمة (وفجأة...) حينها دوى صوت رصاصة بشكل قوي، للدلالة على شخصية المجرم الذي نال من الشهيد، ثم توالت الحوارات مابين الشخوص، حوارات طافحة بروحية الراحل وقيمه حيث انه كان يرفض ان يعود الى المنفى على الرغم من التحذيرات، وكان يرفض ان يسير برفقة حماية شخصية،لانه كان يستحي ان يحاط بحراس، انتهت بوصيته لولده التي يحكي له فيها عن بغداد وما تعنيه له، وكان مشهد الختام معبراً وهو يضم الراحل الذي وقف في وسط المسرح وقد لفّ بإزار ابيض، وقامت الممثلة اسراء بنثر الورود عليه، ومن ثم تنسحب لتجلس قريبا منه ويتجمد المشهد وهو يعلن النهاية، ومن ثم ينسحب الممثلون بهدوء الى خارج الخشبة.
قال الكاتب علي حسين: حين سماعي باستشهاد كامل شياع قررت ان احول حزني الى عمل إبداعي أتناول من خلاله الساعات الاخيرة من حياته والاشكاليات التي حصلت له وادت الى استشهاده، وحينما كلفتني (المدى) بذلك شعرت بأنني اؤدي واجباً تجاه صديق وإنسان عراقي نبيل نذر نفسه للثقافة والوطن بعيداً عن أية نزعة طائفية او ماشاكلها، واضاف: اردت من خلال هذه المسرحية، تقديم تحية للصديق الراحل كامل شياع الذي مثل المثقف الحقيقي والثقافة الحقيقية، وكذلك ادانة القتلة الذين لايتورعون عن قتل أي شخص كان. واتمنى ان اكون قد وفقت.

أما المخرج كاظم النصار، فقال: هذا العمل رد فعل سريع على حادث الاغتيال الدراماتيكي للمثقف والمفكر العراقي كامل شياع كونه صاحب مشروع وطني وتنويري، العمل ليس نصا مسرحيا بل اشارات شعرية مبثوثة على مدار العرض القصير، وقد اطرنا الاشارات بطريقة فنية وجمالية تليق بروح هذا الكاتب الشفاف، وكنا نريد ان نقول انه سيبقى مشروعا مهما في الثقافة العراقية، ونتمنى من الدولة ان تسن قانونا لحماية المثقفين، وان تضع المثقف في مكانه اللائق، واضاف النصار: نحن جئنا الى مجلس عزاء (فاتحة) ولم تكن تهمنا الكيفية الابداعية او شكل العرض، بل المهم ان نشارك في التأبين وحسب الامكانيات وضيق الوقت واعتقد اننا وفقنا في توصيل الرسائل وفي تأشير بعض لمحات حياته بشكل سريع، واكد النصار: ابرز الاشياء ان الممثلين كانوا سريعي الحفظ واللياقة وتمص الحالة التأبينية، وحين انسحبنا من الخشبة بدون ان نحيي الجمهور كما في العادة فلذلك لاننا كنا في مجلس عزاء وفي هذه اللحظات استذكرنا كامل شياع كل على طريقته الخاصة نحن والجمهور، وذلك افضل من طقس التحية العادية في نهاية العرض.