الشاعر والروائي والمترجم ياسر شعبان:
التقسيمات والتصنيفات تذكرني بترسم الحدود
محمد الحمامصي من القاهرة: يجمع ياسر شعبان بين الشعر والقصة والرواية والترجمة ويتميز في جميعها، فقد برز صوته الشعري الخاصة بين أبناء جيله من التسعينيين بمجموعته الشعرية (بالقرب من جسدي) كما برز صوته السردي قصة ورواية وكانت روايته (أبناء الخطأ الرومانسي) أحد الروايات الثلاثة التي شكلت أزمة كبيرة في مصر وأقيل بسببها عدد من قيادات هيئة قصور الثقافة، وترجم عددا من الروايات المهمة منها: الجبل الخامس لباولو كويلهو، والعين لفلاديمير نابوكوف، والسيد ستون ورفقة الفرسان لـ (ف. س. نايبول)، وترجم كتبا مثل: نصوص 2000 الممنوعة، مقالات، والمؤلف ومفسروه لأمبرتو إيكو، 3 محاضرات، و حكايات الشعوب، قصص للأطفال، والعولمة والواقع الجديد لمحاضر محمد. وقد صدرت له مؤخرا روايته (أبناء الديمقراطية) وهي تجربة مهمة تعتمد علي العالم الافتراضي علي الانترنت وتدين الاحتلال الأمريكي للعراق وسيطرته علي مقدرات الشعوب بحجة الديمقراطية، هذه الديمقراطية الوهمية والمزيفة والتي لم تجلب إلا الدمار.
وياسر شعبان حاصل علي بكالوريوس طب وجراحة عامة ــ جامعة عين شمس وعمل بالعديد من المواقع الثقافية بالصحف والجرائد المصرية ويعمل حاليا بمجلة الهلال، وفي هذا الحوار معه نتعرف علي سياق تجربته ورؤيته.
** تكتب القصة والرواية والشعر وتترجم أيضا، من أين بدأت الكتابة وإلي أيها تنتمي أكثر؟
** بداية أنا ضد التقسيمات والتصنيفات، من النوع الأدبي (قصة ـ شعر ـ رواية ـ مسرح...) إلي (الشعر العمودي ـ التفعيلة ـ قصيدة النثر...) وكذلك (الكاتب ـ الناقد....)، ويرجع ذلك إلي أسباب متعددة منها: تذكرني هذه التقسيمات والتصنيفات بترسم الحدود الذي قامت به القوى الاستعمارية لتقسيم العالم إلي مناطق نفوذ ومصادر للثروة وأسواق.. إلخ، دون اعتبار لنتائج هذا الترسيم التي تفصل بين أبناء العرق، الدين، القبيلة، الأسرة، لتضعهم في بلدين غالبا ما ينشأ بينهما العداء وتنشب الحروب...!!
وتحضرني مقولة ساخرة لرئيس وزراء ماليزيا الأسبق (مهاتير محمد) حول الحدود: بعد خمسين عاما من استقلال دول المستعمرات القديمة، تطالبنا القوى الاستعمارية بالتخلي عن استقلالنا وإزالة الحدود التي رسمتها.
وضعت هذه التقسيمات والتصنيفات لأغراض البحث والدراسة ثم تحولت إلي طواطم وأقانيم وقواعد وشروط.. إلخ، لتظهر (جيتوهات)المهنة والتخصص بغرض الدفاع عن المكاسب والاستقطاب والإقصاء.
وأظن أن هذا الموقف، ربما ليس بهذا الوضوح والتبللور، شغل خلفية المشهد عندما بدأت أمارس الكتابة، وهكذا لم أبدأ بكتابة الشعر فقط، بل بدأت بالشعر والقصة والمسرح، وغالبا مقلدا ثم متأثرا ثم محاولا أن أتوهم السعي لتحقيق خصوصية ما. وفي بداية تسعينيات القرن الماضي فازت قصة لي في مسابقة لجريدة أخبار الأدب، وفي عام 1995 فازت روايتي (طيور أسطورية عجوز) بالمركز الأول في مسابقة نادي القصة، ثم في عام 1997 صدرت مجموعتي الشعرية (بالقرب من جسدي) عن سلسلة إبداعات بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
وهكذا في ظني تبللورت الفكرة والموقف وبدأت عن وعي أمارس الكتابة دون اهتمام أو تحسب للنوع الأدبي.
** الفترة التي خرجت وجيلك فيها أقصد نهاية التسعينيات كانت تتمتع بحراك ثقافي وإبداعي، هل ما سبق بعض تأثيرها؟ كيف كان تأثيرها عليك وما طبيعة نتاجك خلالها؟
** نهاية التسعينيات من القرن الماضي شهدت حالة من الحيوية (تبدو الآن أقرب إلي حلاوة الروح كما نقول بالعامية المصرية) تمثلت في ظهور مجموعة من الكتاب المتميزين ليقدموا كتابة صنفها النقاد علي أنها نقلة نوعية في كتابة الشعر وأطلقوا عليها مسميات مختلفة: النص الشعري ـ القصة القصيدة ـ قصيدة النثر ـ شعرية اليومي والعادي والمألوف ـ شعرية الجسد.. وبدأ الاحتفاء بهذه الكتابة وكتابها، ثم انقسم النقاد بين مهاجم مسفه ليس فقط للكتابة بل ولمن يكتبونها، لصالح قصيدة التفعيلة وشعراء السبعينيات والثمانينات، وبين داعم ومروج لشعراء التسعينيات وما أحدث وما أحدثوه من حراك ثقافي مفصلي، ربما يشبه ما أحدثه صلاح عبد الصبور ونازك الملائكة.... وبدأت محاولات فرض الوصاية والترتيب والتنصيب مما أدى إلي مزيد من المغالطات والتشويش، بينما التجربة لم تتضح بعد، بالإضافة إلي غياب فكرة (الكتابة خارج التصنيف)عن وعي النقاد والمنظرين مما جعلهم يرصدون ما أطلقوا عليه ظاهرة تحول شعراء جيل التسعينيات إلي كتابة الرواية.
خلال هذه الفترة كتبت مجموعة شعرية (لحظات سحريةـ برغبتي ـ) وكان من المفترض أن تصدر عن دار ميريت ولكن أسبابا غامضة حالت دون ذلك، ثم كتبت مجموعة نصوص (كلام كائن عادي) ولنفس الأسباب الغامضة لم تصدر عن نفس الدار حسب الاتفاق.
ثم كتبت رواية (أبناء الخطأ الرومانسي) التي صدرت عام 2000 عن سلسلة أصوات بهيئة قصور الثقافة، وبعد شهور قليلة من صدور هذه الرواية حدثت الأزمة المعروفة بـ (أزمة الروايات الثلاث) وكما نعرف الآن أنها كانت اختبار قوة بين وزارة الثقافة المصرية وتيار الإخوان المسلمين من خلال ممثليه في مجلس الشعب ولم تكن الروايات مستهدفة في ذاتها، لكنها كانت مجرد وسيلة مثلما كانت رواية (وليمة لأعشاب البحر) وسيلة أزمة انتهت بإغلاق جريدة الشعب.
** أذكر أن فترة أزمة الروايات الثلاث كانت عصيبة بالنسبة لك خاصة، كيف كان تأثيرها عليك شخصيا وإبداعيا؟
** المدهش أنه في أزمة وليمة لأعشاب البحر تدافع من يعرفون بالمثقفين للدفاع عن وزارة الثقافة وحرية التعبير والرواية (رغم اتهام الرواية باختراق التابو الديني) ونفس هؤلاء المدافعين قاموا بالهجوم علي الروايات الثلاثة ـ رغم اتهامها بالخروج علي الآداب العامة باستخدام تعبيرات جنسية مكشوفة، واستخدموا علي صفحات الجرائد أحكام قيمة لتبرير الهجوم علي هذه الروايات مثل ضعف المستوى الفني واللجوء لاستخدام الجنس لتحقيق الشهرة ثم يعتذرون لك في الندوات واللقاءات الخاصة.
وبالطبع كان لهذه الأزمة تأثير كبير عليّ شخصيا وإبداعيا. فعلي المستوى الشخصي تبدى لي زيف وهشاشة كل ما تشدقنا به واعتبرناه منجزات ومكتسبات (حرية التعبير، مؤسسات المجتمع المدني ...) كذلك صدمني قدر الفساد والغوغائية المتوغل بين المشتغلين بالثقافة والصحافة والإعلام والإبداع، وهكذا لم أجد سوى ذاتي للجواء لها والاحتماء بها وحمايتها (دخلت القوقعة حسب تعبير جاستون باشلار) وفقدت الرغبة والثقة في التجمعات الثقافية والندوات والمهرجانات. وعلي المستوى الإبداعي كان التوقف عن الكتابة لفترة بمثابة ردة فعل طبيعية لإعادة ترتيب الأوليات واستكشاف المشهد واستجلاء الرؤية، فلقد حدث خلل في المنظومة التي تحكم علاقتك بالكتابة والنشر، خلل في تجسيد أسئلة من نوع (ما جدوى؟!َ).
واتجهت في هذه الفترة من 2001 إلي 2004 إلي الترجمة وترجمت روايات (الجيل الخامس)، (السيدة ستون ورفقة الفرسان)، و(لعبة ويستنج)، بالإضافة إلي كتب أخري مثل (العولمة والواقع الجديد) لـ (مهاتير محمد) وسلسلة من كتب الإدارة (4 كتب)، وأخيرا كتبت رواية (أبناء الديمقراطية) والتي صدرت في أبريل 2006 عن سلسلة روايات الهلال.
** بالنسبة لهذه الرواية الأخيرة (أبناء الديمقراطية) تدخل بقائها إلي عالم الاتصال والإنترنت، ما الفكرة أو الأفكار التي انطلقت منها لكتابة هذه الرواية؟
** بدأت فكرة كتابة رواية (أبناء الديمقراطية) بعد الغزو الأنجلو أمريكي للعراق وكان المخطط هو كتابة رواية رقمية باستخدام التقنيات الرقمية في البناء الروائي ثم كوسيط للنشر ولكن لم يتيسر لي تنفيذ هذا المخطط وهكذا استبدلته بتوظيف الإمكانيات الرقمية والعلاقة بها في بنية الرواية (البريد الإلكتروني ـ الروابط التشعبية ـ الهاكرز ـ الذاكرة الرقمية..).
وأظن أن اختياري لما يمكن أن نطلق عليه بنية رقمية إنما يرجع إلي شعوري بسطوة هذه التقنية الرقمية وعوالمها الافتراضية علي عالمنا المعيش (ربما لدرجة أنها تحل محله كما في برامج الدردشة التي أصبحت أو كادت أن تكون بديلا للقاءات خاصة بين الشباب).
كذلك فهذه التقنية توفر لنا قدرا هائلا وغير مسبوق من الحرية، أو هكذا نتوهم، بالإضافة إلي ظهور ما يمكن أن نطلق عليه الذاكرة الرقمية، فكل شيء من الممكن تخزينه علي الهارد ديسك أو نسخة علي سي دي، والتي تحتاج لحمايتها برامج حماية من الفيروسات والقرصنة..
وغير خاف علي أن الإنترنت أصبح وسيط الاتصال الأول ومتنفسا للباحث عن المعلومة أو الراغب في التعبير عن رأيه مما جعل القوي اليمينية تسعي للهيمنة عليه وفرض الرقابة برغم محاربة الإرهاب، رغم أنها عندما أطلقته، بشرت العالم بأزهى عصور الحرية الرقمية..
** ماذا عن الآخر في الرواية والذي يمثل العنصر الرئيس فيها؟
** بالنسبة للآخر في الرواية فيمكن وصفه (بالأخر الافتراضي) الذي لا تعرف له ملامح أو أبعاد ولم تتخيله أو تستحضره فهو من يباغتك ويرسل لك الرواية وما حولها من مزاعم وليس بوسعك سوى التعامل مع هذه المعلومات أو تجاهلها هذا هو الحال الآن، آخر يقم لك المعلومات ـ حتى عن مجتمعك ـ وليس لديك خير سوى التعامل معها وإطاعة ما يفرضه من شروط أو رفضها بما يجعلك (محور الشر) ويستدعي فرض الحصار وإعلان الحرب عليك حسب هذه المعلومات والتي غالبا ما تكون مغلوطة أو مبالغا فيها.
وفي الرواية ستجد هذا الآخر الافتراضي يقدم نفسه لك بوصفه أمريكيا من أصول عربية، ويقدم رواية ساخرة تعود أحداثها للقرن الثامن عشر، حول الديمقراطية ومحاولة الدول الاستعمارية نشرها وفرضها باستخدام القوى بواسطة جيش من المساجين.
هكذا ببساطة شديدة تجد نفسك وقد انغلق علي عقلك فخ المفارقة من خلال الانتقال بين زمن الرواية والزمن الحالي، بين الواقع المعيش والواقع الافتراضي...
** لكن لماذا أبناء الديمقراطية عنوانا لرواية هذا موضوعها؟
** هناك عدة أسباب لاختيار (أبناء الديمقراطية) عنوانا للرواية منها:
ــ أن يكون العنوان امتدادا لعنوان روايتي السابقة (أبناء الخطأ الرومانسي)
ــ أن يكون ذا صلة مباشرة بما يحدث الآن من مزاعم أمريكية حول نشر الديمقراطية في العالم العربي، رغم أنها هي التي جاءت ودعمت، وما تزال تدعم، النظم الديكتاتورية، وكذلك فإنها تتجاهل عن عمد العمق التاريخي والحضاري للدول العربية بل وتقوم بالتدمير وكأنها مصابة بعقدة الحضارة.