الحلقة الأولى
أ . جـروجيتسكـي
ترجمة: د. فاضل سوداني
ارتفعت معايشة شاينا ـ للجحيم في معسكر الاعتقال المرعب (أوشفيتسم) أو معسكر quot;بوخنفالدquot; أثناء الاحتلال الهتلري لبولونيا ـ إلى منزلة الرمز لحضارتنا المعاصرة، وعبر عنها بكل قوة في عرضه المسرحي quot;ربليكاquot; في عام 1971 في متحف الفن في كيوتبيرج حيث قدم تشكيلاته الحركية بهذا الخصوص، هذا العرض أوضح الطريق أمام شاينا وقاده من الحركة البلاستيكية المجردة إلى المسرح. وقد كانت بدايات هذا الانتقال واضحة في عرضه المسمى quot;ذكرياتquot; في عام 1969، فمن خلال الحركة المعبرة أراد شاينا تمجيد ذكرى الفنانين الذين قتلوا في المعسكر النازي. وبعد عام واحد قدم القسم الثاني (ربليكا2)في مهرجان ادينبورج بمساهمة ممثلين. وبعد ذلك تبعها (ربليكا 3) و(ربليكا4) وبعد تقديمها في وارسو أيضا، عرضت في الكثير من أقطار أوربا وأمريكا.
وفي هذا العرض نفهم جواب الفنان ذاته الذي عانى وعايش هذا الجحيم. ويعتبر أيضا كتمجيدا وتأليه للضحايا البشرية، وفي ذات الوقت صرخة غضب لا متناه ضد الجلادين. وكما هو معروف فان الكصير من العروض المسرحية والأنواع الثقافة والتأليف الدرامي، كانت تعالج باستمرار في الأعمال الفنية المعاصرة مثل هذه الموضوعة لأهميتها. ولكن في الكثير من الأحيان لم يستطيع الفنانون الوصول الى الوسائل التعبيرية المناسبة للكشف عن مثل هذا الرعب أللإنساني، غير أن شاينا بوسائله الفنية ذات الطاقة التشكيلية والتعبيرية العالية نجح في (ربليكا) وبشكل كبير للوصول الى الكشف عن هذا الرعب.
quot;ربليكاquot;
لقد عرضت quot;ربليكاquot; في القاعة الكبيرة في الطابق الرابع من مسرحquot;الستديوquot; في وارسو، وقد جلس الجمهور بمحاذاة الحائط ويحيط بالحدث المسرحي . خشبة المسرح كانت في الوسط ومملوءة بمواد مختلفة، وهنالك أيضا تل من التراب والمواد النصف متعفنة.
فجأة تمتد يد بشرية ما من التل لتلتقط كسرة من الخبز متعفنة وسط هذه القاذورات، بعد ذلك يزحف إنسان يرتدي كيسا قديما، وخلفه أناس حليقي الرؤوس وحفاة. الأموات ينبعثون من جديد، ويقومون بإخراج دمى مقطوعة الأوصال من وسط هذه القاذورات، وبعملية جراحية يحاولون إعادة الحياة لها من جديد، وبجهد هائل يبعثون فيها آخر إشعاعات الحياة المتبقية.
وأمام الجمهور تدب الحياة بفتاة جميلة، أم، امرأة حامل، وأشكال بشرية أخرى،فيبدو أمامنا جحيم الإبادة المركزة، ولكن في هذا الجحيم وبواسطة العقل المنظم والتدمير القاسي المرعب يسيطر الإنسان الآلي.
إن شاينا عادة ما يكرر وسائله وادواته التعبيرية، وهذا شيء طبيعي ومهم أحيانا، إذ بالنسبة له فإن هذه الوسائل تعتبر مثل مفردات لأي فنان كبير أمست لغته معروفة. في quot;ربليكاquot; كانت هذه اللغة موصلة، فاعلة ذات قوة تعبيرية مدهشة، فالكلمات مختزلة، أما الصوت البشري فيتحول إلى عويل، أنين، نحيب، وأصوات غير طبيعية، والمشاهد مبنية من خلال قدرة البانتوميم والحركة البلاستيكية على التعبير بشكل واضح، مبتعدة عن التعبير الحرفي المباشر، بل تمنح معان مختلفة، وتستدعي الكثير من التداعيات والاستنتاجات. وهذه القدرات التعبيرية تشكلت باستخدام مواد وأشياء طبيعية معروفة لنا ولكنها أصبحت مواد غير اعتيادية نتيجة لإستخدامها الجديد.
فمثلا نرى الإنسان الآلي يتجول بخرطوم إطفاء الحريق كسلاح ينفث ضبابا ويملأ الفراغ، وهذا يذكرنا بغرف الغاز ـ حيث قبل هذا المشهد كان هنالك مشهد الحمام الذي يستخدم للاستحمام قبل الموت بالغاز ـ بعد ذلك نرى خرطوم إطفاء الحريق الملقى على الأرض يبدأ بالتوقف تدريجيا فيخمد الضجيج شيئا فشيئا ومن ثم يتوقف نهائيا عن العمل فيعم الصمت التام للدلالة على موت الجلاد. وهنالك مشاهد ودلالات أخرى للتعبير عن انبعاث الحياة من جديد، أو للترميز عن المصير الإنساني، وهي رموز ذات معان متعددة تمنح خيال المتفرج نشاطا خاصا. وكانت إحدى الوسائل المهمة في بناء عرض (ربليكا) هي موسيقى بوخسلاف شيفر حيث كانت معبرة ومركزة، صاخبة بضربات كضربات الفولاذ تصاحبها الدمدمة الغريبة للصدى المرعب.
بعد انتهاء العرض المسرحي كان لدى الجمهور إمكانية الاستماع إلى مختلف الآلات الموسيقية الإيقاعية أثناء الحفلة الموسيقية التي أقيمت في صالون الطابق الأول من بناية (مسرح الستديو). وقد تكررت اللغة الموسيقية المركبة بإيقاعات مختلفة وهي ذات الموسيقى التي استمع لها وعايشها قبل لحظات أثناء العرض المسرحي، لذا فان شاينا يقيّـمها (بأنها كانت كالانتفاضة ضد سخف الحياة والموت).
دانتي
اقتباس واخراج وديكور شاينا
في عام 1974 اقتبس شاينا هذا العرض المسرحي من ـ الكوميديا الإلهيةـ لدانتي، واستخدم فيه مواد وأساليب تعبيرية حركية جديدة من أجل توضيح رؤيته للعالم،ولكن بالرغم من هذا الاقتباس فإنه ظل ذلك المؤمن بنفسه والخالق للمسرح وذلك المؤثر بتشكيلاته البلاستيكية والتشكيلية وحركته الديناميكية. وهنا احتلت الكلمة ايضا المرتبة الثانية في العرض المسرحي، فتتحول في أحيان كثيرة إلى أصوات وتعابير موسيقية مختلفة والتي من خلالها استطاع الممثل (كششتوف باندتسكي) إغناء العرض المسرحي بدأً بالعاصفة المروعة وحتى الكورال الجميل في النهاية ndash; لقد كان طموح شاينا أن يقتبس من (الكوميديا الإلهية) وأن يربط بين شعر القرون الوسطى وحياتنا المعاصرة ليس من خلال الموضوع ذاته وإنما من خلال الوسائل التعبيرية الأخرى. إنه مسرح القسوة يتحول العالم فيه إلى جحيم... أنه تاريخ الإنسان المنقوش بالقتل والقداسة.. والألم والفرح، والإرادة لخلق أثمن الأشياء وحب تدميرها في ذات الوقت . إنه الموضوع الخالد، والتناقض الخالد اي موضوع الحياة والموت.
بني هذا العرض المسرحي على أساس وحدة الجمهور بخشبة، ففي قاعة المسرح هنالك مسطح خشبي فوقه سلم يوصل إلى بالكون في عمق خشبة المسرح الرئيسية على شكل الصليب، مسند الخطاة المعلقين . السلم يؤدي إلى باب الرب اي إلى التكامل. إنه عالم حقيقي بأناس حقيقيين ndash; وجمهور مشترك في العرض المسرحي، أنه عالم لمعاقبة الحياة البشرية، عالم للألم والحزن، شديد الحاجة إلى الصراخ: من الضروري أن تقتنع بالأمل.
من على السلم تنزل سائحات مربوطات بحبل تمسك طرفه بياتريش، آخرهن ترتدي ملابس بيضاء جميلة. تجلس بلا حراك في مقدمة المسرح وتقوم بمهمة الدليل للمتجولين في هذا الجحيم. ينزلق دانتي (الإنسان ndash; المسيح) في هوة الجحيم ويسقط في حضن بياتريش. دانتي والرسل يوهان، يهوذا، وكذلك ماريا (الأمومة)، مريم المجدلية (الجنس) فراتتشسكا، جميعهم يحتفظون بوجوههم وأجسادهم البشرية، أما الشخصيات الأخرى فإنها على شكل دمى وأشكال بشرية أخرى مستقاة من وحي الخيال.
دانتي يخاطب الجمهور من المسطح ndash; الصليب،: آه يا وطني! ndash; وعلى هذا المسطح أيضا سيمثل الجمهور والرسل مشهدا مشتركا عندما يقدمون إلى الجمهور أواني مملوءة بالماء ويدعونهم بكل خشوع إلى غسل أيديهم وتطهيرها .. أن قاعة الجمهور مع الصليب تشكل العالم الواقعي.. أما الخشبة الدوارة ndash; الأرض ndash; فإنها عالم الخيال ndash; الجحيم.
العالم الأول مضاء باللون الأحمر، أما العالم الثاني فبالألوان الزرقاء المختلفة الدرجات. في عمق خشبة المسرح هنالك حائط المبكي الذي تعرض عليه مقاطع سينمائية، وهنالك مدخل يفتح ويغلق، يفصل بين هذين العالمين. أن شاينا يستعرض لنا عذاب الجحيم، من خلال فيض من الخيال العنيف مصحوبا بالقوة التعبيرية المكثفة والربط المنظم والمتبادل للحركة، الأشكال، الألوان، الإنارة، الظلال والأصوات.
من المعروف في الكوميديا الإلهية أن فيرجل هو الذي يطوف بدانتي في الجحيم، أما في عرض دانتي لشاينا، فإن الدليل هو بياتريش وهارون . بياتريش رمز لعالم الحب المرتبط بعالم الموت، أما هارون فمن خلال وظائفه المعروفة فإنه الوسيط بين هذين العالمين. ومنذ البداية أي قبل بدء العرض المسرحي، وأمام باب القاعة وعلى مرتفع معين يقف بوضعيات معينة كل من هارون وشخصية رمزية أخرى يمثلون حراس الجحيم.
بالرغم من كل التغيرات والإضافات في عرض دانتي لشاينا، فإنه يبقى أمينا لمضمون quot;quot;الكوميدياquot;quot; وهذا ما أكده وقيمه النقاد في إيطاليا ذاتهم بعد العرض الذي قدم في مدينة فلورنسا. حيث قوبل العرض بقبول حماسي نشر في الكثير من المجلات والصحف والذي يؤكد رأينا فمثلا في أفينريه وصف العرض بأنه (رحلة في عمق الحياة)، وفي quot;كورييره ديلاسيراquot; quot;دانتي في جحيم الأحياء quot;، في لاناتسيونا quot;التجوال الخالد للانسانquot;، quot;البولوني شاينا يكتشف دانتيquot; جريدة أونيتا، quot;دانتي رحلة الوحيquot; في بيازاسيرا، quot;دانتي برؤية بولونيةquot; في مومينتو ndash; سيرا، quot;الرحلة الوجوديةquot; في أفانتي ... وغيرها كثير.
إن النقاد المسرحيين في إيطاليا استوعبوا عرض مسرحية (دانتي) (كسفر طويل وخالد للإنسان داخل الحياة) كما يكتب بوالو اميليو بوزيو في مجلة (لاناتسيونا).
إضافة إلى ذلك فإنه يؤكد بأنه (نتيجة لاستخدام النصوص الكلاسيكية، على الأقل في بلدنا والذي تحول إلى نقد ونقاش دائم، فإن شاينا يختلف في كونه شعر بقيمة الرواية .ولكن قوة عرض (دانتي) لم تأت نتيجة تأثير التحفة الإيطالية فحسب، بل نتيجة مؤثرات متأتية أيضا من تراث الدراما الرومانسية البولونية، لذلك فإننا نلاحظ بأن هنالك شيء من أسرار ـ الاختناق ـ لآدم ميتسكيفيج، وشيء من الغثيان الذي تشعر به في شعر يوليوس سلوفاتسكي وكذلك شيء من تناقض وتوليف الحياة والموت الذي نجده لدى فيسبيانسكي، فمن خلال كل هذه التأثيرات أيضا يمكن الحديث عن ـ دانتي ـ البولوني.

سيرفانتيس 1976
في هذا العرض المسرحي الجديد قدم شاينا حلولا إخراجية حركية جديدة، كتعبير روحي للإنسان مصورا من خلال النضال الخالد ضد الفكرة مع (السعادة) الابتذالية المستهلة للعالم، صورة للرومانسية في ثورتها ضد الواقع الذرائعي، فضح للغباء، للخنوع، للعبودية، للابتذال، للإكراه، للاستسلام، وبكلمة واحدة، ضد اللاعدالة. هذا الكائن الإنسان الذي نراه يعيش وسط الزيف، وضع كل قواه لملاحقة المثال ndash; الوهم، أن أوهامه الدونكيخوتية تؤكد الإحباط والهزيمة، لكنه لن يستسلم، لديه دائما القوة التي ستعيد خلق العالم، والتي ستحميه من التحجر. في هذا العرض المسرحي هنالك صور مؤلفة ومتزامنة من حياة سيرفانتيس ودون كيخوت، أما الشخصيات الأخرى كالفارس ودرعه، فتاة القلب، الأم، الأب الثاني، الزوجة، الابنة، الراهب، حفار القبور، الراعي، كل هذه هي رموز وأفكار عامة. وفي ذات الوقت فإنهم متفردون ومرتبطون بالباروك الاسباني من القرن السابع عشر، لقد اقتبس المخرج النص من مختلف أعمال سيرفانتس وولفها للمسرح. وكالعادة في أعمال شاينا فإن الكلمة تلعب دورا ثانويا تستخدم فقط من أجل أن تخدم الصور المسرحية.
وأثناء التمارين عمل المخرج على التخلص من النص وحدد وظائفه فقط بالقدر الذي يخدم الضرورة القصوى. ومن حيث الجوهر فقد تم التعبير عن الحدث ليس من خلال ضروريات النص وإنما قبل كل شيء من خلال الحلول البلاستيكية (اللغة الحركية - الإخراجية) التي تشكل دائما قوة تعبير غير اعتيادية، وهنا أيضا فإن خشبة المسرح والصالة مرتبطة إحداهما بالأخرى بواسطة ممر. فمن الشرفة الموجودة في نهاية الممر مدلاة دمية كبيرة بمصابيح مضاءة بدل العيون، وسلاسل حديدية بدل الأكتاف، وسلم بدل الجذع، ويحتل الوسط تلفزيون بدلا من البطن. هل هو الموت؟ الاله؟ المصير؟
وفي النهاية وأمام رمز القضاء هذا يعلن quot;سرفانتسquot; الرعب من الحكم على نفسه ذاتها، فهو في ذات الوقت القاضي والجلاد، يرى ثنائية الإنسان .. الفارس ndash; المسلح. يمعن النظر في التلفزيون كما في المرآة، أن لعبة المرايا موجودة وتعكس الأشياء جميعها على طول زمن العرض المسرحي. والأقنعة المستخدمة على الوجوه مصنوعة من مادة عاكسة بحيث تعكس بمعاني متعددة الوجوه البشرية. الإنسان يمتلك وجوها كثيرة، أي من هذه الوجوه هو الوجه الحقيقي؟ وأي منها يصلح للتمويه والمخاتلة حسب الظروف والحاجة؟
في المشهد الأول من العرض نرى الأم والأب الثاني وقد جلسوا في أقدام دمية ضخمة جدا، الأم تتحدث عن إمكانيات ابنها الذي quot;يكتب عن هذا الذي يؤلمنا يومياquot; يفتح ممر من الكريستال يؤدي إلى خشبة المسرح، هنالك حائط لبيت، أمامه تقام محكمة حرق الكتب، ويرمز هذا إلى فردية وخصوصية الكاتب، والمشهد الذي يوازي أو يشابه هذا الرمز هو مشهد حرق الفارس لنفسه، وفي هذا الإطار يسير العرض المسرحي.
ونرى ذات الرموز المحببة إلى شاينا، كالأحذية العتيقة (ترمز للمصير الإنساني)، الأطواق المضاءة (ترمز لتطور الفكر والتقدم البشري)، السلالم التي تسقط فوق رقاب الناس تشبه إلى حد ما الحيل (الآلات) المستخدمة لعقاب المجرمين في القرون الوسطى. وكذلك استخدم شاينا حيوانات حية، فمثلا نرى طاووسا جميلا يتجول بحرية على خشبة المسرح أو في صالة العرض كرمز للسلطة أو الحرية؟ وهنالك أيضا حيوانات ضخمة أخرى، حيث نراها قبل بداية العرض المسرحي موجودة في صالة الانتظار. حيث وضع شاينا في ndash; صالة المعرض قبل بداية العرض ndash; خنزيرا لا يتناسب مع جمال اللوحات الروحية المقدسة الموجودة في هذه الصالة. أن القسم الأول من العرض المسرحي ينتهي بظهور حصان طروادة الجميل بشكل غير اعتيادي، حيث نرى الفارس يمتطي الحصان ويرتفع نحو السماء. أما القسم الثاني فإنه يتكون من ثلاث فصول (أزمنة)، طواحين الهواء، جزيرة السعادة، وعلامة الضريح.
إن طواحين الهواء المصنوعة من السلالم تدور وقد علق عليها الفارس على شكل صليب. وبعد موته فإن المسلح هو الذي يمسك السلطة، فأصبح قائدا quot;لجزيرة السعادة المستهلكةquot; بعد هذا المشهد، هنالك مشهد مهم جدا يكشف عن ازدهار السلطة، والمسلح يتحول إلى جبل منتفخ ثم وبعد فترة قصيرة يتحول إلى سلحفاة بشعة.
انطلقت شرارة الثورة والمسلح يختفي بين حركة البراميل الفارغة. ومن جديد يظهر الفارس على خشبة المسرح وربما يعني هذا ظهور روحه أو دلالته العامة، وكل هذا يتم بجو مسرحي خاص على ضوء الشموع المشتعلة، وعندما يفتح الفارس الثلاجة الموجودة على خشبة المسرح ينطلق الحمام الحي المسجون ليحلق فوق العالم وكأنه رسل السلام. وفكرة العرض العامة يمكن تكثيفها في المقولة التالية التي قالها شخص ما في مكان ما: ((سيشعر بالاختناق ذلك الذي لم ينتفض ضد اللاعدالة، والذي لم يشعر أبدا بالحاجة إلى الصراع مع طواحين الهواء)).
لقد كان سيرفانتس غائبا في هذا العرض وكان غائبا في هذا العرض شاينا أيضا، فقط كان أمينا إلى خياله الذي منحنا ميتافيزيقيا مسرحية ديناميكية لأفكاره. شاينا حدد تداعي الأفكار وسيجها لأنه في كثير من الأحيان هنالك أشياء غير واضحة بالنسبة له، وقد عقـّد شاينا الأشياء بدون الاهتمام لوعي المتفرج وتقبله، فهل استطاع أن يستوعب شيئا من هذا كله؟ ربما ليس من الضروري أن يفهم كل هذا الذي أمامه، وربما يكون مهما فقط عندما يتساءل الإنسان عن هذا الذي يراه أمام عينيه، أو يخرج مفتونا من هذا الجمال المرعب.
من المؤكد بأن هذا ليس مسرحا سهلا، لأنه يفترض مشاركة فكر وخيال الجمهور من أجل أن يتعمق برموز الشعر السري المتنوع ndash; إذا جاز التعبير ndash; لكن ليس من الضروري أن يمتلك كل الجمهور الرغبة في تقبل مثل هذه الشروط، غير أنه لابد من القول وبدون شك بأن مسرح شاينا هو مسرح فنان مبدع وعظيم.