في الدورة 16 لمسابقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
النقوش الكتابية الفاطمية يحصد جائزة أفضل كتاب لعام 2008
محمد الحمامصي: فاز كتاب quot;النقوش الكتابية الفاطمية على العمائر في مصرquot; للمؤلف المصري فرج حسين فرج الحسيني، والذي نشرته مكتبة الإسكندرية العام الماضي، بجائزة أفضل كتاب لعام 2008، في الدورة السادسة عشر من المسابقة التي تنظمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.وأرسل مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة مذكرة رسمية إلى مكتبة الإسكندرية تفيد بأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، سيسلم الجائزة للفائز، والتي تقدر بنحو 10 آلاف دولار، بالإضافة إلى درع تذكاري.
ويأتي هذا الكتاب استكمالا لما بدأته المكتبة في إطار اهتمامها بدراسات الخط العربي في مصر من خلال مجموعة منشورات من الموسوعات والدراسات التي تسجل للنقوش الأثرية في مصر وتتناولها بالتحليل والدراسة؛ كمرحلة لاحقة لتسجيل ودراسة النقوش الفاطمية خاصة على العمائر الباقية في مدينة القاهرة، وكبداية حقيقية لمجموعة من الدراسات التي تبحث في الخط العربي، كإسهام من مكتبة الإسكندرية في إثراء الدراسات الأثرية ليس في مصر فحسب بل على مستوى العالم وكجزء من المشروع الأكبرquot;رحلة الكتابةquot;، الذي يطوف العالم شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً مسجلاً تطور الخطوط والكتابات منذ استطاع الإنسان إن يختط بالقلم وصولاً إلي التطور التكنولوجي في مجال الكتابة.
ويعد الكتاب، بمثابة انطلاقة نحو دراسات أعمق للخط العربي؛ هذا الفن الرفيع الذي يعد واحداً من أهم انجازات الحضارة العربية الإسلامية التي قدمتها للبشرية، تجلت فيه عبقرية الفنان المسلم، واستطاع توظيفه في أبدع صورة على جدران المساجد والمدارس، والتحف الزجاجية والأواني النحاسية، والمشغولات الزخرفية والسجاد؛ حيث تشهد الآثار الإسلامية التي وصلت إلينا حاملة هذا الفن المنمق على ما وصل إليه من رقي وإبداع.
ويبحر الفصل الأول من الكتاب، الذي قدّم له الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، في نشأة الكتابة العربية وخصائص الخط العربي، حيث يعتبر موضوع نشأة الكتابة العربية من الموضوعات التي أثير حولها جدل كبير من مؤرخي العرب القدامى وتتلخص آراؤهم في قولين مشهورين؛ الأول أن الخط العربي توقيف أي أنه ليس من صنع البشر، بل إن الله (سبحانه وتعالى) علمه لآدم (عليه السلام)- غير أن هذا الرأي لا يقوم على حقيقة علمية ثابتة، بل وضع لتفسير بعض الآيات القرآنية. والثاني أن الخط اختراع؛ وفي ذلك رأيين أن العرب أخذت خطها عن المسند الذي عرف ببلاد اليمن، وأن العرب أخذت خطها عن الحيرة التي كانت تكتب بالخط السرياني. وقد أثبت البحث العلمي عدم صحة هاتين النظريتين؛ حيث تأكد الباحثون من انقطاع الصلة بين المسند و السرياني والخط العربي. وقد توصل علماء الآثار والنقوش أمثال دوتي و هوبر و موزيل ودلمان وغيرهم إلى أن بعض النقوش العربية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، تظهر وجود صلة ما بين الخط العربي والخط النبطي.
ويعتبر الخط العربي أحد العناصر الفنية التي أسهمت بنصيب وافر في تشكيل الفنون الإسلامية، ولم تتجل عبقرية الفنان المسلم في نواحي الفن بقدر ما تجلت في الكتابة التي ابتكر طرق كتابتها ذهنه الخلاق، ولم يستوح فيها من الفنون السابقة، ولا استلهم عناصر زخرفيه كانت معروفة قبله، بل ابتدعها فأجاد وأحسن الابتكار وأطلق العنان لخياله. وقد كان للإسلام دور عظيم في مجال الكتابة فالقرآن كثيراً ما يشير إلي الكتابة والقلم ومن هنا أخذ المسلمون يأنسون هذه التعبيرات ويعطونها أهمية خاصة.
ويستعرض الفصل الثاني أنواع الخط الكوفي التذكاري، الذي مر بمراحل تطور مختلفة بدأ فيها بطيء التطور ولم تدركه مزايا الخط الجيد كالتفريج بين السطور وتساوي ما بينها، إلا في القرن (الثاني الهجري/ الثامن الميلادي) وحين يتطور الخط الكوفي ينتج أنواعاً رائعة تنطق بالروعة، وتكشف عن براعة الفنان المسلم. ويمكن تقسيم الخط الكوفي التذكاري إلى الكوفي البدائي والكوفي البسيط والكوفي البسيط ذو الهامات البسيطة، والكوفي البسيط ذو الهامات الزخرفية، الكوفي المورق وأصل الزخارف النباتية بالخط الكوفي المورق، الكوفي المزهر والكوفي ذو الأرضيات النباتية والهندسية والكوفي ذو اللواحق الزخرفية الخطية، والكوفي المضفر وذو الإطار الزخرفي والكوفي ذو الزخارف المعمارية وأخيراً الكوفي ذو الأشكال الهندسية. وقد أطلق على هذا النوع عدة أسماء باللغة العربية مثل: الكوفي المربع والكوفي التربيعي، والخط الكوفي المسطر؛ حيث توجد بعض النماذج مختلطة من الأنواع السابقة للخط الكوفي فلا عجب أن يوجد شريط كتابي يجمع بين نوعين من الخط الكوفي، فلا عجب أن يوجد شريط كتابي يجمع بين نوعين من الخط الكوفي وتكون التسمية على النوع الغالب منها.
أما النقوش الكتابية في العصر الإخشيدي فهي محور الفصل الثالث الذي يركز على العصر الممتد من (323-358 هـ) وهي الحقبة المعروفة بالعصر الاخشيدي. يلاحظ على شواهد القبور أن بعضها قبيح تذكره أصول الكتابة التذكارية وبعضها وسط بين هذا وذاك، وبعضها جار على أصول هذه الكتابة وتكثر فيه الكتابات الغائرة، إلا أن بعض الكتابات قد لازمها مزايا الحسن ودقة الانجاز إلي حد كبير. ويكفي للتدليل على تمتع الكتابات الاخشيدية بمزايا التجويد والاتقان وعلاقتهما بمراحل التجويد واتصافها بالقوة والجمالالاشارة إلي مجموعة شواهد قبور منها شاهد مقبرة محمد بن عبد الله بن أحمد بن علي بن ابراهيم طباطبا حيث يلاحظ فيها تناسق الحروف وتميزها بالوضوح وجريانها على خطة هندسية موضوعة ولا نلاحظ تزاحما بين الحروف ما يؤكد تمتع الكتابات الاخشيدية بالقوة والجمال. ويحتفظ متحف الفن الاسلامي بالقاهرة بكثير من شواهد القبور التي تحمل ملامح الكتابات الاخشيدية والتي تشبة اسلوب نقوش مئذنتي جامع الحاكم بأمر الله.
ومن خلال القراءة المتأنية لهذا الفصل يتضح أن الكتابات الفاطمية تطورا طبيعيا للكتابات الاخشيدية.
ويقدم الباب الثاني من الكتاب دراسة وصفية للنقوش الكتابية الفاطمية؛ حيث يفند الباحث في الفصل الأول من هذه الدراسة quot;النقوش الكتابية الباقية من العصر الفاطمي الأول ( 358-466 هـ) (968 -1073 م)quot;، من خلال الكشف عن العناصر الزخرفية الفاطمية بالأزهر مستعرضاً الترتيب الزمني لنقوش الأزهر الكتابية وطريقة رسم الحروف وطريقة رسم الكلمات مقدما وصفا للزخارف النباتية. وأيضاً النقوش الكتابية لمحراب فاطمي مبكر بجامع أحمد بن طولون، ونقش تأسيسي باسم والده الإمام العزيز بالله مدعما ذلك بالصور الفوتوغرافية والتحليل الابجدي للكتابات.
وفي الفصل الثاني quot; النقوش الكتابية الباقية من النصف الثاني من حكم المستنصر باللهquot; يستعرض الباحث النقوش والكتابات في الفترة من (466- 487 هـ)(1073-1094 م) ومنها النقش التأسيسي والكتابات الزخرفية لمشهد الجيوشي والنقش التأسيسي لبدر الجمالي المحفوظ بالمتحف البريطاني بلندن ونقش تأسيسي لأحد المساجد من صعيد مصر يحمل سعد الدولة سارتكين الجيوشي، والنقوش الكتابية لأبواب القاهرة الحربية وأسوارها، وكتابات محراب الأفضل شاهنشه بجامع أحمد بن طولون.
وفي الفصل الثالث الذي جاء بعنوان quot;النقوش الكتابية من عصر المستعلي بالله وعصر الآمر بأحكام اللهquot; (487-524 هـ ) يوثق الباحث لمجموعة من النقوش منها: نقش تأسيس مسجد باسم الأمير أبو منصور خطلخ الأفضلي، نقش مسجد جعفر الصادق بالقاهرة، ونقش تأسيس منبر جامع دير طور سيناء، ونقوش مسيحية بالخط الكوفي بالكنيسة الكبرى بدير سانت كاترين بسيناء، ونقش تجديد الجامع العتيق بالمحلة الكبرى، وكتابات محراب مسجد الخضرة الشريفة، ونقش تجديد الجامع العتيق بالمحلة الكبرى، والنقوش الكتابية بقبة الشيخ يونس، والجامع الأقمر.
ويعد الفصل الرابع توثيقاً للنقوش الكتابية الباقية من عصر الحافظ لدين الله حتى نهاية الدولة الفاطمية، ومن بينها نص تجديد جامع أحمد بن طولون باسم الحافظ لدين الله والقاضي أبو الثريا نجم بن جعفر بن عبد الله، والنقوش الكتابية بمشهد السيدة رقية، ونقش عمارة الجامع العتيق بسوهاج( الفرطوشي)ونقش تأسيس مسجد الشيخ موسى بمركز الصف، ونقشان يسجلان زيارة بعض الاشخاص للتبرك بالمشهد القبلي quot; مشهد بلال quot; بأسوان. ونقش تأسيس مسجد الأمير أبي المنصور قسطة بموضع قلعة الجبل ( داخل جامع سليمان باشا)، ونقش تجديد مشهد السيدة نفيسة ومحرابها بالقاهرة.
ومن خلال الباب الثالث يقدم الباحث دراسة تحليلية بعنوانquot; النقوش الكتابية الفاطميةquot;، يقدم في الفصل الأول منها مميزات النقوش الكتابية الفاطمية من ناحية الشكل، والحق أن الكتابات الفاطمية لفتت أنظار المستشرقين منذ القرن الثامن عشر الميلادي، فبدأت الدراسات في مجال الكتابات الفاطمية على يد مارسيل أحد علماء الحملة الفرنسية 1798 ndash; 1801 م، حين قام بدراسة نقوش تأسيس جامع المقياس 485 هـ - 1092 م) ونقش تجديد جامع أحمد بن طولون من عصر الحافظ لدين الله( 526 هـ -1132 م) وقد اختفت هذه النقوش فكانت هذه الدراسة عظيمة النفع.
وقد أخذت النقوش الكتابية الفاطمية أهميتها ليسس فقط لأنها تساهم بشكل كبير في زخرفة العمائر والتحف وتعدد أشكالها وزخارفها ولكنها أيضا تساهم بشكل كبير في تاريخ العمائر.وفي العصر الفاطمي أنتجت مصر نماذج رائعة من النقوش الكوفية التي لازمت العمارة وكانت عنصرا مميزاً من عناصر زخارفها، وقد أدى ظهور هذه الكتابات بتطورها الكبير الذي ظهرت به في الجامع الأزهر في ( 359هـ - 361 هـ) وجامع الحاكم بأمر الله إلي الاعتقاد بأن هذه النقوش صناعة أجنبية وافدة على مصر من المغرب مع قدوم الفاطميين أو أنها وافدة من شرق العالم الإسلامي.
وبالنظر إلي كتابات العصر الاخشيدي المجودة يلاحظ بها وجود أغلب الظواهر الكتابية الموجودة في الكتابات الفاطمية، مثل نقش تأسيس من مقبرة أبي محمد بن طباطبه ونقش وقفية بير الوطاويط.
ويخلص الباحث إلى أن الإسلام لم يحرم الزخرفة من كل طوائفه وملله ومذاهبه، وقد قام الفنان الفاطمي باستخدام الكتابات كعنصر زخرفي في كل ما أنتجه من فن، فقام بزخرفه العمائر بالكتابات التي نجدها منفذة على النماذج والأضرحة والمشاهد وعلى العمائر الحربية مثل الأبواب الحربية كما بقيت بعض الأشرطة الخشبية التي كانت تزين العمائر المدنية بها نقوش كتابية؛ مثل: الألواح الخشبية التي أعيد استخدامها في بيمارستان قلاوون وألواح أخرى أعيد استخدامها في ضريح شجر الدر.