عبدالقادر الجنابي من باريس: وانا في غمرة العمل يصلني من صديقي الكاتب الفلسطيني د. أحمد أبو مطر، هذا الخبر:quot;توفي اليوم الثلاثاء الموافق العشرين من يناير في المستشفى بمدينة للي هامر النرويجية، الكاتب والمبدع العراقي أمير الدراجي، المولود عام 1948 في مدينة الناصرية بالعراق. وكان المرحوم قد وصل لبنان في منتصف السبعينات حيث عاش في بيروت ملتزما مع المقاومة الفلسطينية، وفي عام 1999 غادر بيروت متوجها إلى أوسلو بالمملكة النرويجية. وكان كثير الحضور في الإعلام العربي خاصة في موقع إيلاف في السنوات الأخيرة. ومنذ عام تقريبا أصيب بمرض عضال أقعده عن الحركة، واشتد عليه المرض الشهور الثلاثة الأخيرة حيث لازم المستشفى في مدينة للي هامر، التي توفي فيها اليوم.quot;. ياله من خبر صادم حد اني شعرت بعجز كامل حتى عن إعداده خبرا للنشر. صداقة طويلة، اتصالات عديدة، مراسلات كثيرة ومع هذا تركني هذا الخبر في حزنمشلّكليا.

كان أمير الدراجي يعتزبصداقتي بقدر ما أعتز بتعرفي عليه قبل سنوات.وكان يفتخر بجريدة quot;إيلافquot; الإلكترونية، إذكان يكتب لها كلما أراد ان يضع النقاط على حروف المعمان العراقي والعربي. وكنت أنشر كل ما كان يرسله مهما كان صعب الفهم ومعقدا.أحيانا كان مواظبا، وفي أحيان أخرى كان يختفي إما بسبب وضعه الصحي الذي كان يمنعه من الكتابة والتفكير، أو مفضلا الصمت إلى أنيرى ضرورة التدخل وقول ما يؤمن به.وهذا الالتصاق بحرية فكره جعلته أحيا يبدو quot;نزقاquot; في نظر بعض أصدقائه، لا يَحتمل المتدخلين حتى لو كانت نياتهم طيبة وحميمية. أمير الدراجيهذا الكاتبالعراقي الأخلاقي في عالم بلا أخلاق، كان يحب العزلة لأنها كانت تضيء أمامه الطريق الوعر الذي عليه ان يعبر... وكان غالبا ما يذكرني بعبارتي التالية: quot;كلما تُعزل أكثر، تصبح راديكالياً أكثرquot;. كانت أفكاره، التي يطلق عنانها، فتأخذ مجراها على الورق حرة، رائقة وغير متواطئة،أشبه بشبكة ضوئية تعمي البعض. وبالفعل، كان، عدد من القراء يعانون من صعوبة أفكار أمير الدراجي ولغته. نعم كان أسلوب أمير غير مفهوم للذين تعودوا على سهولة الإنشاء حيث الأفكار السريعة والمتداولة، لكنه أسلوبحر غير خاضع لقواعد الفهم الشائعة. ذلك أنه،لكي تعود إنسانا ذا مسؤولية،عليك أن تتحمل، لحظة الكتابة؛ لحظة الموت الافتراضية هذه، عبءَ الغريب والغامض واللامفهوم.فالجوهر، لدى كتاب الحقيقة (وأمير الدراجيالأكثر نبلابينهم)،هوالتعبير عنوظيفة الفكرالحقيقية. كان أمير يحاول الولوج إلى نواة المناطق الصعبة من الحدث اليومي فيكتب عن هذا الحدث ليس كصورة أمامه؛ نبأ إعلامي يتلقاه الناس وهم حول المائدة... وإنما كمصير يحتاج الى مراجعة، وبطبيعة الحال،بلغة شائكة شآكة الحدث نفسه. وأفضل نص كتبه أمير الدراجي يعبر بوضوح عن هذه اللوعة الغوية؛ النفي داخل التعبير، هو التقديم(الخيّتومة) أدناه الذي كتبهلموقع كان يعمل على انجازه، فهو نص أفضل من أي تعريف لوظيفة فكر أمير الدراجي الفردي المتمرد، أولا وقبل كل شيء على المسار التركيبي للجملة. كان يريد من نصه - موقعه هذا أن يكون المرآة الأكثرصدقاحتى لا تعودواحدة من مرايا الكتابات المشروخة تلك:


الخيّتومة

محاولة اخيرة للعبث وتمضية الوقت بالمشاغل منعا للموت والغياب، هو جاء متاخرا بكسل مسبق بل سابق اصرار على ابقاء المواد باخطائها وفوضى تراتبها، حيث لا استطع ان اتعهد باعادة ترتيبها. بسبب طبيعتي الخاصة جدا، والتي اتمنى فيها شرح فكرة امتناعي عن مراقبة النصوص، او منع اخر يساعدني على الزامها القهر اللغوي والتصحيح، وترتيب نصوصي، لكاني بهذا، خالفت قناعتي برفض تدخل اؤلئك الاوغاد، سلاطين اللغة الاوائل، ممن خلقوا انظمة احتكار مروعة، بل خلقوا لغة من شفرة، في وقت هي وسيلة اتصال انسانية، من المفترض ان تكون متلاصقة مع الانفعالات والوقائع، ليس في جل هروبها تلك النفخات البلاغية التخيالية فيما الانظمة البريئة للحيوان استطاعت خلق علاقات اتصالها فلماذا تشفير اللغة وجعل طبقات اجتماعية مرتبطة بتمييزها حتى حدود تحولها لاحتكارات فقهية فريسية قد نبحثها في مجال اخر؟ هذا سنرد عليه طبعا.

بالاضافة لهذه القصد، فثمة سبب يمنعني عن الاكثار بالمتاعب وهو المرض وعملي بيد واحدة ترتجف وفي طريقها للتخفي بعد ان ودعت شقيقتها اليد اليسرى شبه المشلولة.. ناهيك عن متاعب اخرى تضطرني الى تذكر جسدا اهملته وعايشني اصعب الظرروف والمغامرات، حيث وصل لحدود الكفاية البيولوجية وعدم القدرة على مواصلة الحياة باكتظاظ المتاعب، فقنط وانعكف علي، ثم دهمني حضوره بشتى العلل التي تقدم نفسها في كل حين وكل مرحلة.

تتقدم إيلاف وكتابها لأهله وعائلته وأصدقائه بأحر التعازي. ترسل التعازي على إيميل عائلته السيدةهدى كايد وبناته:

[email protected]