محمد الحمامصي من القاهرة: شهدت مكتبة الإسكندرية افتتاح المؤتمر الدولي quot;تراث داروين الحيquot;، الذي ينظمه مركز الدراسات والبرامج الخاصة (CSSP) بمكتبة الإسكندرية، بالاشتراك مع المجلس الثقافي البريطاني، في الفترة من 14 إلى 16 نوفمبر الجاري، بمشاركة 120 مُتحدثا أكاديميا مرموقا من أكثر من ثلاثين بلداً.
استهلت الكلمات الافتتاحية في المؤتمر بكلمة مارتين ديفيدسون، الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني، الذي أعرب عن سعادته الغامرة بحضوره للمؤتمر بمكتبة الإسكندرية، مشيراً إلى أن المؤتمر يتزامن مع احتفالات المجلس الثقافي البريطاني بمرور 75على تأسيسه الذي أُسس عام 1934، حيث شعرت بريطانيا بأهمية التواجد في مصر باعتبارها ملتقى للحضارات والثقافات فهي مكان لتلاقي الشعوب من مختلف أنحاء العالم.
وعن أهمية المؤتمر، قال أن المؤتمر يبني التفاهم والتبادل الثقافي من خلال هذا اللقاء بغض النظر عن الثقافات التي ننتمي إليها، لقد كانت نظرية

أسقف كانتبري: سيد دارون، جَدّك أنت قرد

داروين ثورة في الفكر العلمي ومنذ نشر كتابه الأول كان مثيراً للجدل ومازال حتى الآن، ومن المهم أن نتبادل الأفكار والنقاشات حولها ومحاولة استغلالها في حل قضايا تغير المناخ وأزمة الغذاء. وأضاف نحن نتوقع نوع من التوافق في النقاشات، وكمؤسسة ثقافية نحن نعلق أهمية على أعمال داروين وأن نبني على تراثه الموجود. وأشار إلى أن هناك شبكة دولية تضم حوالي 2000 شخص من 46 دولة يجتمعون حول أفكار نظرية داروين وعلاقته بمبدأ الإيمان.
وتحدث في افتتاح المؤتمر راندال كينز، وهو من أحفاد داروين، وهو كاتب لديه العديد من المؤلفات من أهمها كتابه عن quot; الخلقquot;، الذي أشاد بما قدمه جده وإسهاماته في العديد من مجالات الحياة، لافتاً إلى أن داروين كان سيكون سعيداً جداً بمناقشه أفكاره ونظرياته هنا في مكتبة الإسكندرية، حيث أنه كان شغوفاً بالحقيقة العلمية وكان سيتقبل أي مقترحات لتطوير نظريته.
وشدد كينز على ضرورة الفصل بين الخطاب الديني والخطاب العلمي عند قراءة أعمال داروين العلمية فإنها تتعلق بالعديد من القيم العظيمة، مثل: الخير والشر، والتعاون والصراع، والجمال والقبح. لذا نحن نحاول أن نجد هذا التواصل والتشابك بين هذه الموضوعات، والتي قد يكون لها دور هام في فهم أكبر وأعمق للعالم.
وأكد أن داروين كان يتحدث عن الأسلاف والأنواع وتطورها بطريقة لا متناهية في حياة البشرية، لكنه لم يعالج الأمر، ولو كان حياً الآن لكان طلبه أن تتم متابعة التغيرات التي طرأت على كل الأنواع خلال 150 عاماً، وكان ليكون حزيناً على تدمير الأنواع والسلالات الذي يحدث في العالم الآن وكيف ضيعنا هذا الجمال والتنوع والثراء.

وألقى مدير مكتبة الإسكندرية د.إسماعيل سراج الدين، محاضرة خلال الجلسة الافتتاحية بعنوانquot; إضاءات على داروين وفكره العلميquot; تحدث فيها عن سبب الاهتمام بهذا العالم الانجليزي حتى الآن، والجدال الذي أثارته نظرياته والدلائل التي قدمها.
وأكد د. سراج الدين أن العلم يتطور عن طريق الفضول والشغف بالمعرفة، وأنه لا توجد حقيقة مطلقة فلا توجد حقيقة نهائية، ولابد أن نكون حريصين للوصول إلى الحقيقة بشكل موضوعي. وحول العقيدة الإسلامية، أوضح أنها رفعت من قيمة التفكير العلمي فالقرآن بدأ بكلمةquot; إقرأquot;، والرسول محمد (ص) قالquot; اطلبوا العلم ولو في الصينquot; والإسلام يقدر العلماء تقديراً عظيماً ويضعهم في منزله الشهداء.
وأوضح أن داوين لم يقل أن الإنسان أصله قرد، بل نظريته تشير إلى أن الإنسان والقرد لهم أصل واحد وفقا للتطور الكوني، وهذه النقطة المحورية في نظريته هي التي أثارت الجدل. ولفت إلى أنه إذا لم يكن لدينا أصل واحد فلماذا يوجد لدى جميع الكائنات البروتينات الأربع الأساسية في الحمض النووي DNA؟!.
ونوه إلى أن دراسة الحمض النووي للكائنات منذ بدء الكون ستحدد كيفية تطور البروتين في هذه الكائنات، حيث أننا جزء صغير من سلسلة الكائنات الحية التي تعيش على هذا الكوكب.
وأكد مدير مكتبة الإسكندرية أن هناك الكثيرون ممن يحاربون العلماء لكن لم يتذكرهم أحد، فيما تظل أسماء العلماء والمفكرين
محفورة في الأذهان. وأشار إلى أن المؤتمر فرصة لاستعادة الفكر العظيم لداروين وفرصة لطرح التساؤلات وإتاحة الفرصة للحرية والحوار والبحث العلمي.
هذا ويشارك في quot;تراث داروين الحيquot; متحدثون من منطقة الشرق الأوسط ومن حول العالم؛ حيث يقومون باستكشاف الدور الرئيسي للعلوم التطورية في فهم وتطوير العمل البحثي في طائفة من المجالات بما فيها الطب والزراعة والتنوع البيولوجي والبيئة، فضلاً عن مناقشات اجتماعية وتاريخية وثقافية على نطاق أوسع حول سُبل التعريف بالعلوم التطورية.
ويتزامن المؤتمر مع حلول الذكرى المئوية الثانية لميلاد داروين والذكرى الخمسين بعد المائة لصدور عمله التاريخي: quot;أصل الأنواع عن طريق الانتخاب الطبيعيquot;. ويُمثل هذا المؤتمر محوراً رئيسياً لبرنامج المجلس الثقافي البريطاني العالمي quot;داروين الآنquot;.
ويُناقش الأكاديميون في اليوم الأول للمؤتمر القضايا المتعلقة بالتطور والإيمان. ومن بين المتحدثين: الدكتور نضال جيسوم، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بالجامعة الأميركية في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والدكتور جون هيدلي بروك، رئيس الجمعية الدولية للعلم والدين بالمملكة المتحدة. وقد حصل هيدلي على درجة الدكتوراه عن عمله في تاريخ الكيمياء في عام 1969 وقام بالتدريس في جامعة لانكستر لمدة ثلاثين عاماً.
كما يتناول المشاركون في اليوم الأول العلاقة بين العلم والتعليم، ويبحثون التساؤلات التي تم طرحها حول نظريات التطور في القرن الحادي والعشرين. ويتحدث في تلك القضية عدد من الخبراء والباحثين؛ منهم: القس مايكل ريس، أستاذ تعليم العلوم ومساعد مدير معهد التربية بجامعة لندن، والدكتور ريتشارد رانجام، من جامعة هارفارد.
وتتضمن فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر quot;تراث داروين الحيquot; عرضاً لكلمات عدد من العلماء البارزين؛ منهم الدكتور السير باتريك بيتسون، أستاذ الأخلاقيات بجامعة كمبريدج، والدكتور سامي زلط، أستاذ التنوع البيولوجي، والرئيس السابق لقسم علم الحيوان بجامعة قناة السويس، مصر. كما يشارك الدكتور جيمس سيكورد، مدير مشروع مراسلة داروين بجامعة كامبريدج، بعرض تقديمي بعنوان: quot;الداروينية والتداول العالمي للأخبارquot;.
وفي ذات السياق، يساهم أكثر من 60 عالما وباحثا بأوراق علمية في جلسات اليوم الثالث والأخير من المؤتمر؛ من بينهم الأمريكية أوجيني كارول سكوت، عالمة الأنثروبولوجيا العضوية، والمديرة التنفيذية للمركز الوطني لتعليم العلوم (NCSE).
وتشمل الجلسات كذلك عروضاً تقديمية للدكتور جارلاند ألين، الأستاذ بجامعة واشنطن، والدكتور رونالد نامبرز، أستاذ تاريخ العلوم والطب بجامعة ويسكونسن، الولايات المتحدة الأمريكية.
يذكر أن تشارلز داروين، عالم الطبيعة الفيكتوري البريطاني، يعد واحداً من أعظم العلماء في كل العصور، ويُشكل عمله أساساً تقوم عليه الكثير من المجالات البحثية المختلفة، غير أن أفكاره لا تزال تُثير الجدل. وقد أحدثت أفكاره حول التطور ثورة في الفكر العلمي، وكان لها تأثيراً عميقاً في جميع أنحاء العالم.
ويُتيح مؤتمر quot;تراث داروين الحيquot; فرصة فريدة من نوعها للباحثين الشباب للتفاعل مع مجموعة من الأكاديميين البارزين في برنامج مُعد خصيصاً لهم والذي يستمر طوال فترة انعقاد المؤتمر لمدة 3 أيام في مكتبة الإسكندرية. وفي أعقاب المؤتمر، سيتم افتتاح معرضاً لحياة تشارلز داروين وأعماله للجمهور وأطفال المدارس.