ماثيو آرنولد (1822-1888)

ترجمة: د. عادل صالح الزبيدي

شاعر وناقد بريطاني يعد ثالث أعمدة الشعر في العصر الفكتوري إلى جانب لورد تنيسون وروبرت براوننغ وأعظم نقاد عصره. تلقى تعليمه في أكسفورد وفاز بجائزة نيوديغيت عن قصيدته quot;كرومويلquot; قبل تخرجه متفوقا ليعمل مفتشا في قطاع التربية والتعليم فترة من الزمن. بعد نشره بضعة مجاميع شعرية ومقالات نقدية رشح عام 1857 ليشغل كرسي الشعر في أكسفورد دورتين متتاليتين وليكون أول أستاذ يلقي محاضراته بالانجليزية بدلا من اللاتينية، وكانت ثمرة تلك المحاضرات كتابان هما ((حول ترجمة هوميروس)) 1861 و((الثقافة والفوضى)) 1869 .
عاش آرنولد كغيره من شعراء ومفكري عصره ما شهده العصر من صراعات بين الدين ومكتشفات العلم الحديث فتأثر بها وتمثلها في شعره وتناولها كذلك في كتاباته النثرية كما يتضح ذلك في كتابه ((الأدب والعقيدة))1873 و كذلك في القصيدة التي نترجمها هنا والتي تعد من روائع شعره ومن القصائد التي تعبر في موضوعها وحساسيتها عن بدايات مبكرة لحركة الحداثة، مما جعل بعض النقاد يرون في آرنولد حلقة وصل بين الرومانسية والحداثة. يكتب آرنولد في مقالته الشهيرة ((دراسة الشعر)) ما يأتي: quot;بدون الشعر سيبدو علمنا ناقصا، وكل ما نعده مقبولا الآن في الدين والفلسفة سيحل الشعر محله.quot;
من عناوين مجموعاته الشعرية: ((أمبيدوكليس على أتنا وقصائد أخرى)) 1852 ، ((قصائد: طبعة جديدة)) 1853 ،((قصائد: سلسلة ثانية))1854، (قصائد جديدة))1867 . أما شهرة آرنولد النقدية فتقوم على سلسلة مقالاته النقدية التي صدرت في كتابين تحت عنوان ((مقالات في النقد)) صدرت السلسلة الأولى منها عام 1865 والثانية بعد وفاته في 1888 وتركت وما زالت بعيد الأثر في النقد الحديث وكذلك في كبار شعراء ونقاد الحداثة مثل ت. س. أليوت وغيره.

شاطئ دوفر

البحرُ الليلة َهادئ
والمدّ ُعلى أوجهِ والقمرُ جميل
فوق مضيق ِ البحر ِ؛ والضوءُ على ساحل ِ افرنسة َ
يتـّقـدُ ويخبو ومنحدراتُ انكلترة َ الصخرية ُ تبرزُ
من عرض ِالبحر ِالهادئ ِ وامضة ً وعريضة.
تعالي نحو النافذة ِ فهواء ُ الليل ِ عليل!
ومن خط ِّ رذاذ ِ البحر ِالممتــّد طويلا
بين البحرِ وبين الرمل ِ الأبيض ِ تحت بياض القمر
أصغي ! ستستمعين َ إلى صخـَب الحصباءِ الهادرِ
إذ تسحبـُها الأمواج ُ وترميها
حين تعودُ على شاطئها الهائج،
يبدأُ ويكفُّ ويبدأ ثانيةً
بإيقاع ٍمرتجف ٍ متــّـئــد ٍ يأتي
بلحن ِالحزن ِالأبديّ.

سوفوكـِل من زمنٍ
سمع اللحن َعلى شاطئِ إيجة،
فذكــّره بمـد ّ البؤسِ البشريّ وجزرِه،
نحنُ كذلك نجدُ الفكرةَ في هذا الصوتِ
إذْ نسمعـُه ونحن على شاطئ ِ هذا البحرِ الممتـدِّ شمالا.

بحرُ الإيمان
كان على أوْجـِهِ يوما أيضا، وحولَ شواطئِ هذي الأرضِ
يلتفُّ كلفاتِ نطاقٍ براق.
ولكني الآنَ لا أسمعُ إلا صوتَ هديرِه
كئيبا، متّصلا، منسحبا
مرتدّا نحو زفيرِ رياحِ اللّيل
وصوبَ الأطرافِ الواسعةِ الموحشة
والحصباءِ العاريةِ لهذا العالم.


إيهٍ أيتها المحبوبة،
دعينا يُخلصُ واحدُنا للآخر ! فالعالم هذا
إذْ يبدو يمتدُّ أمام نظرنا كأرضٍ من أحلام
جميلا جدا وجديدا جدا وكثير الألوان
لكنْ في واقعه لا يمنحُ فرحا أو حبا أو نورا
ويقينا أو سلما وشفاءً من آلام؛
ونحنُ هنا وكأنـّا في قفرٍ مظلم
فيه اختلطَ الحابلُ بالنابلِ لكتائبَ في كرٍّ أو فرّ
حيثُ جيوشُ الجهلِ تتصادمُ في جُنح الليل.