65 عاما على اعتلائه خشبة المسرح لاول مرة
يوسف العاني: تلك الليلة من اسعد ليالي العمر
عبد الجبار العتابي من بغداد:
بين الفنان العراقي الكبير يوسف العاني ويوم الرابع والعشرين من شهر شباط / فبراير، علاقة وثقى، اوثق من علاقته بيوم ولادته، علاقة تمتد في مسامات جسمه وفي نسغ روحه، حيث انه يحتفل به كل عام، سواء لوحده او مع زملائه ان سنحت الظروف، يحتفل به بسعادة غامرة تجعله يقفز السنوات ليقف امام مرآى جسده وهو يعتلي خشبة المسرح لاول مرة في حياته، في ذلك المساء من يوم الرابع والعشرين من شباط عام 1944، وهو ابن (17) عاما، ذلك المساء الحافل والذي جعله رمزا مميزا بذاكرته وعنوانا واضحا لابداعه على مدى السنوات الطويلة من عمره المديد، الذي كلله بورد العديد من الانجازات الفنية في المجالات المختلفة وببريق الجوائز والثناءات، لاسيما المسرح عالمه الاثير الذي حقق معه كاتبا وممثلا، وبرع في تجسيد الادوار التي منحته التميز.
يوسف العاني.. ها هو يعيش عام الذكرى الخامسة والستين لتلك اللحظة الخالدة، تلك البذرة التي كبرت وصارت شجرة تفيأ ظلها كل العابرين الى حقل التمثيل والفن، ومثل الاعوام الماضية كنت اتمنى عليه ان نحتفل به لكنه يقول ان الظروف الصحية له ولزوجته (ام وسن) تمنعه من الاحتفال خارج البيت، ويكتفي بفرح التهنئة والاستذكار، لانه كما يقول لا ينسى ذكرى ذلك اليوم ابدا فهو يمثل له نقطة الانطلاق له مع المسرح الذي يعشقه، يوسف العاني..الذي حمل لقب (فنان الشعب) اجدني امام الذكرى اعود معه الى ذاكرته ليفتحها لي ويشير الى ذلك اليوم الذي ركز رمحه في ايام عمره، وتحول مع الايام الى نجمة زاهرة يعتز ببريقها كثيرا ويناجي طيفها في صيوف المسرح العراقي وشتاءاته، وكنت اسأله: لماذا يحتفل بأول وقوف له امام كاميرا التلفزيون؟ فكان يجيبني بقوله: لان المسرح هو الاب والام للفنون جميعا.
قلت له في اخر مرة زار فيها المسرح الوطني اثناء احتفالية اقيمت لتكريمه عن سر احتفاله بيوم الرابع والعشرين من شباط، فقال: (جبار.. مو انت تعرف ليش تسألني؟ ) فقلت: اعده!!، فقال: هذا حدث لا انساه ما حييت، بل انه في ذاكرة العمر، وانا احتفل بهذه المناسبة كل عام، ثم اضاف بعد لحطات من التأمل: كنت عضوا في جمعية العلوم في الثانوية المركزية ببغداد، وحينها اقامت الجمعية حفلة في سياق النشاط الاجتماعي، في ذلك العام كنت قد كتبت تمثيلية لاحداث وقعت في (سوق حمادة) داخل مقهى (جايخانة)، كتبتها حسب قدراتي انذاك، وكنت اميل الى السخرية والفكاهة المرة والتي عرفت بعد سنوات انها تسمى (الكوميديا السوداء)، عرضت الفكرة على استاذ العلوم ان نقدم مسرحية، قال يسألني: حلوة؟، قلت: اعتقد، وبدأنا التمارين ووضعنا خشبة مسرح في القاعة وسلطنا الانارة على الخشبة وكنت انا المخرج ايضا حسب فهمي لمهمة الاخراج المتواضعة، وما ان بدأ العرض وتعالى التصفيق.. احسست انني احقق شيئا ذا قيمة، ضحك الطلبة والاساتذة ثم انصتوا وانا امثل مع اصدقاء لي، لكنني كنت صاحب الدور الاول في المسرحية وكنت اتمثل ممثلين احبهم فأجاول تقليدهم، وبالذات نجيب الريحاني، حتى انتهت المسرحية باعجاب كبير، لكن مدرس العلوم اشار الي ان الموضوع فيه تجاوز على سلطة الحكومة، فقد اظهرت الشرطي بحالة عنها قال المدرس: انها جريئة..، المهم ان تلك الليلة كانت من اسعد ليالي العمر، وظلت حافزا لي الى الان لافكر واطيل التفكير واقيس سعادتي تلك حين وقفت على خشبة مسرح حقيقي، والتي نقلتني بعد ذلك الى مراحل اخرى هي الجسر في ان اكون كما انا الان، وهذا يدعوني الى الاحتفال كل عام، كما يدعو بعض الاصدقاء الى الاحتفال كل بطريقته الخاصة مع الاعتزاز والتقدير.