quot; إسعاف quot; هل تصنع الحرب فنا؟

ميرفت أبو جامع من غزة: قفازات... بقايا سيارة إسعاف.. معاطف بيضاء... إضاءة خافتة، وأرجوحة للأطفال... اسطوانة أكسجين مدمره،، أسرة محترقة،، أدوات استخدمت في صنع لوحات فنية، تبعث الحياة من جديد في مستشفى دمره الاحتلال الإسرائيلي في الحرب على غزة، لتقول إن الرسالة الإنسانية لم تمت بموت الأربع عشر طبيبا ومسعفا في الحرب ولا بطلاء جدران المستشفى باللون الأسود والرمادي بعد احتراقه بالكامل أو رعشة أسرة المرضى من صوت القصف،،بل أن شارة الإسعاف لازالت لم تأكلها نار الحرب التي أحرقت السيارة التي تحملها وذبحت السائق والمسعف بلا رحمة.
ثلاثة فنانين بغزة أعاودا رسم ملامح الصورة الكئيبة التي خلفها العدوان الإسرائيلي على مستشفى بغزة، واستطاعوا أن يصنعوا بأناملهم من الحرب فنا، فشكلوا لوحة فنية جمالية أزاحت غبار الحرب ورائحتها النشاز في المكان الذي افترشته العتمة والسكون وحولته إلى قبر هجرته الاحتفالات والفعاليات.
باسل المقوسي وشريف سرحان وماجد شلا ثلاثة فنانين من مؤسسي مجموعة شبابيك للفن المعاصر ومقرها غزة، حولوا المكان المدمر إلى لوحة فنية واحدة ومتكاملة جمعت بين متناقضات الحياة والموت في شكل معبر وواقعي وبرمزية غير متكلفة، ولم تكلفنا الكثير من الوقوف خلف الصور وتحليل الألوان والخطوط وممارسة النقد .
اختار الفنانون quot; إسعافquot; اسم المعرض، لان يوصلو رسالة بأن حتى الإسعاف بحاجة لإسعاف أيضا في وقت الحرب المسعورة، وفد أقيم المعرض على أنقاض وبقايا مستشفى تابع لجمعية الهلال الأحمر في تل الهوى جنوب قطاع غزة الذي تعرض للقصف والدمار خلال مرحلة الحرب البرية على قطاع غزة يناير الماضي.
واتخذ كل من الفنانين الثلاثة ركن في مكان الدمار وعبروا عن رسالتهم بحجم الدمار بدلالات رمزية بسيطة وغير معقدة ربما لان الفكرة لا تحتاج إلى كل هذه الدلالة والرمزية العالية.
تناقض الموت والحياة
الفنان التشكيلي شريف سرحان كان يصلح من وضع لوحة مليئة بالقفازات البيضاء في مشهد يوحي بالحياة والأمل رغم كل شيء ويقول معلقا:quot; أن القفازات أيادي الأطباء والمسعفين الممتدة من بين الركام لمواصلة رسالتها الإنسانية في تضميد جراح المرضى وضحايا الحرب,
هذه الحياة التي تجسدها اللوحة كانت تقابل بعمل جماعي للمجموعة ضم عرض أربعة عشر معطفا أبيض للأطباء والمسعفين وسائقي الإسعاف الذين استشهدوا بالحرب أثناء تأدية واجبهم الإنساني بعمل تركيبي على خشبة ما تبقى من مسرح محترق في مشهد يثير الحزن رغم شعاع الضوء الذي كان يبعث الأمل بالمكان.

وعن فكرة المعرض يقول سرحان:quot; كان بإمكاننا أن نعمل معرضا في صالة أو مركز ثقافي بجدران ملونة ولكننا أثرنا أن يكون الهلال نفسه كمؤسسة صحية تعرضت للدمار والهدم أثناء الحرب لنبين حجم الدمار والمأساة ونحن نحتفل بيوم الصحة العالمي التي تحمل هذا العام شعار quot;حماية الأطقم الطبية ولجان الطوارئ والإسعافquot;،وأيضا نعيد الحياة للمكان الذي هجرته الفعاليات وأصبح نسيا منسيا.
وزاد:quot; لقد استخدمنا في المعرض الذي نظمناه بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، إضافة إلى معالجة مخلفات الدمار وتطويع خامات الفن وعرضها،وباستخدام وسائط متعددة كالفيديو آرت كما استخدمنا الأدوات التي يستخدمها الأطباء والمسعفين من شاش وقفازات ورباطات طبية quot;.
وعن شبابيك يقول سرحان:quot;نحن مجموعة من الشباب نحاول تطويع الفن لخدمة المجتمع ونستغل الأشياء الموجودة في المجتمع، فبسبب الحصار والإغلاق لا توجد أشياء ومقومات للفن الفلسطيني المعاصر، فاستخدام عناصر ومخلفات المكان خدمنا في إيصال فكرتنا وبأشياء بسيطة.
شارة الإسعاف وأرجوحة الأطفال
الفنان ماجد شلا أثر أن يرسم بحجارة من الردم شارة الإسعاف،و يقول:quot; حاولت من هذا الحطام أن ارسم شعار الهلال والصليب وهو شعار الإسعاف لان حتى هذا الشعار الذي الشعار يحمل رسالة إنسانية ومكفول له الحماية بكل القوانين الدولية تم انتهاكه.
وعلى إحدى الجدران المحترقة رسم صور وجوه لأربعة عشر مسعفا استشهدوا بالحرب عبر استخدام ألوان الجدران التي كحلتها الحرب بالألوان السوداء المتدرجة دون التدخل، وحولها هالة من الضوء أو الفراغ الأبيض كاستذكار لهم ولعطائهم وتضحيتهم. هذه الصور الصامتة للضحايا كان يقابلها صورة طولية على احد الجدران يتوسط المكان لشخص وأسفله كومة من حجارة الردم كان يخرج منها كالبركان وعنه يقول:quot; هذا الشخص رمز لكل الشهداء وضحايا الحرب ينتفض من نفس المكان المدمر ليواصل رسالته بتحد كبير quot;.
وبينما يفتش الفنان شلا عن أداة واقعية لاستكمال لوحته عثر على أرجوحة أطفال محترقة من بقايا حضانة للأطفال كانت في المكان وقام بعرضها وبها هيكل طفل صغير من جنزير حديدي.
أما الفنان باسل المقوسي فقد رسم بريشته لوحات فنية يغلب عليها اللون الأصفر والأحمر والأسود وهي تلك الألوان التي غلبت على الحرب ليجسد الأصفر الحرائق الناجمة عن القصف وخاصة حريق المستشفى وكذلك الأحمر ألوان الدماء التي نزفت من المصابين والشهداء أثناء الحرب ولون الضباب والكآبة التي نثرتها الحرب على غزة، كما تعرض للضحايا العمل الطبي بعرض مباشر لفيديو أرت باسم 101 /12+2=14 سجل بعضاً منه أثناء الحرب وذلك للدلالة على عدد شهداء رجال الإسعاف خلال الحرب ويرمز رقم 101 إلى رقم هاتف دائرة الإسعاف والطورىء بقطاع غزة.
هذا المعرض الثالث الذي تنظمه المجموعة بعد نجاح معرضيهما quot;هيك بيصيرquot; وقد نظم بالتعاون مع برنامج غزة للصحة النفسية بمناسبة اليوم العالمي للتعذيب وأيضا معرض quot;حصار ملونquot; الذي صور معاناة واللام الفلسطينيين تحت الحصار،بالتعاون مع برنامج غزة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية، وذلك بمشاركة عدد كبير من الفنانين في قطاع غزة والضفة الغربية وعرب ال 48 ومشاركات عربية من خارج فلسطين.
فكرة مجنونة
الجمهور الذي لبى دعوة معرض quot;إسعافquot; ليرى المفأجاة التي اعتاد عليها من قبل المجموعة التي تستطيع أن تحول الصور القبيحة إلي جمالية وتطوع الفن في إرسال رسالة مجتمعية بوسائط متعددة، بخلاف ما اعتادته المعارض التقليدية، إلا انه وجد في العمل أكثر تعبيرا عن الحياة واستذكار من رحلوا في صور لن تغيب عن ذاكرتنا المزدحمة بالأحداث المؤثرة.
Crazyquot; quot;هذه ما قالته ليلى الشابة الاسترالية الجنسية والمتطوعة بالإسعاف في الهلال الأحمر حين دخلت مكان العرض، وقالت بعفوية مثلما كانت الحرب على غزة مجنونة لم أشاهد أشرس منها ولا أفظع من قبل، كذلك يبدو هذا العمل quot;جنون غير عادي quot; فغزة استطاعت ان تلملم جراحها وتصنع من ركامها حياة وتضيف:quot; هذا ما يعجبني في هذا الشعب إبداعه وصموده رغم كل شيء quot;..