الشاعر السوري مروان علي:
الشعر العربي أصبح مكونا أساسيا في المشهد الشعري العالمي
محمد الحمامصي: علي الرغم من أن ديوان (ماء البارحة) الصادر عن دار الغاوون ببيروت هو الأول للشاعر مروان علي، إلا أنه قدم نسيجا مختلفا لصوت خاص، فهذه التلقائية المدهشة التي حملتها قصائده تفتح على عمق في الرؤية والمفهوم، الأمر الذي يؤكد امتلاك الشاعر لوعي كبير بالمنجز الشعري العربي في تجلياته الأخيرة، وسعيه الحثيث إلي أن يمثل نصه إضافة.
ومروان علي شاعر سوري يقيم في ألمانيا، ولد في أطراف مدينة القامشلي، لعائلة كردية سنة 1968، نشر نصوصه ومقالاته في العديد من الصحف والدوريات العربية، وحاز جائزة مهرجان quot;دنيا quot; الهولندي للشعر 1997، وشارك في العديد من اللقاءات الثقافية والشعرية في حلب والمنامة وامستردام ودبي وبروكسل وطليطلة وبرلين، ترجمت بعض نصوصه الى الهولندية والإيطالية والألمانية والفرنسية والإنجليزية والكردية

** بداية نود التعرف علي البدايات الأولي التي مهدت لولادتك شاعرا؟
** ولدت لعائلة كردية فقيرة في أقصى الشمال السوري البعيد، وكنت الابن البكر، وكان عليّ أن أكون شاطرا في المدرسة، كي أصير طبيبا مثل أغلب أمنيات العائلات الفقيرة، لكن الجيد في هذا الأمر كان الشغف بالقراءة، فصرت أقرأ كل ما يقع في يدي من صحف ومجلات وكتب حتى وقعت عيني وبالصدفة على كتاب الجندب الحديدي quot;السيرة الناقصة لطفل لم يرَ إلا أرضاً هاربة فصاح: هذه فخاخي أيها القطاquot; للشاعر سليم بركات الأمر الذي غير كياني تقريبا، كتاب عني وعن مدينتي (القامشلي) وعن حاراتي القدرور بك والهلالية والحي الغربي و... وعن طفولتي الهاربة في كرصور أيضا.
وترافق ذلك طبعا مع حالة من الهيجان الشعري فظهرت أسماء عديدة مثل إبراهيم اليوسف، لقمان ديركي، طه خليل، منير دباغ، محمد عفيفي الحسيني، جميل داري، معشوق حمزة، وكلهم أكراد وكانوا يكتبون نصوصا لها خصوصيتها وفرادتها في تناول عوالم كردية كانت مجهولة للقارئ العربي.
** وماذا المؤثرات التي أحاطت بتطور مفهومك للشعر ورؤيتك له؟
** كما قلت ظهرت في فترة الثمانينيات وفي المشهد الشعري السوري أسماء كردية تركت حضورا كبيرا وملفتا رغم التعتيم الذي فرض عليها من جانب النقاد الرسميين، وباستثناء الناقد السوري محمد جمال باروت والدكتور فؤاد مرعي فقد أدار الجميع ظهورهم لتلك الأصوات بغية تهميشها ولاحقا لتحطيمها تماما، لكن رب ضارة نافعة كما يقولون فقد اهتمت الصحافة العربية وتحديدا في بيروت بتلك الأصوات وفتحوا الصفحات الثقافية أمامها الأمر الذي دفع النقاد السوريين والمشرفين على الصفحات الثقافية للاهتمام بها أيضا.
كل هذه الحركة الشعرية وما رافقها من حركة نقدية بسيطة وخجولة جعلتني اكتشف بيروت وأهرب إليها لأقرأ بنهم أيضا واحتك بالوسط الشعري هناك وفعلا وجدت من الأحبة والأصدقاء الشعراء كل ود وترحيب.
أقمت عامين ببيروت ثم عدت إلى سورية لأغادر بعدها إلى هولندا، وهنا أعدت النظر في مفهومي للشعر وخصوصا قصيدة النثر التي تمتلك حضورا جماليا وشعريا باهرا، ومن الساذج ربط هذه القصيدة التي برأيي هي آخر مراحل تطور القصيدة والشعر عموما ليس عندنا فقط وإنما في العالم بمفاهيم سطحية وساذجة حول الصورة الشعرية والموسيقى الداخلية والتكثيف فقط، فهذه القصيدة حدودها الفضاء..
وهناك نماذج من قصيدة النثر ترجمها الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي تؤكد صحة ما ذهبت إليه، كما أن عددا مهما من الشعراء العرب وفي مقدمتهم الشاعر أمجد ناصر وخصوصا في مجموعته الأخيرة quot; حياة كسرد متقطع quot; يذهب إلى فضاءآت قصيدة النثر الرحبة ويتجاوز تجربته رغم حضورها الآسر في مجموعاته السابقة، قصيدة النثر هي قصيدة الحياة، هكذا افهم الشعر وأقرأه وأكتبه أيضا.
** ألا ترى أنك تأخرت في إصدار أولى مجموعاتك الشعرية؟ هل هناك أسباب خاصة؟
** نعم القلق والإهمال.. بدأت بالنشر في بداية التسعينيات في quot; النهار quot; وquot; السفير quot; و quot; الحياة quot; وquot; الناقدquot; وquot; ملحق النهار quot;، ولكني كنت أريد وسط هذا الكم الشعري الهائل أن يكون لي صوتي الخاص، التجربة والتراكم و متابعة المنجز الشعري العربي والعالم جعلني أعيد النظر كثيرا في كل ما كتبته من بداية التسعينيات وحتى نهايتها
كان هناك قلق ما على المنجز الشخصي، لأن المسألة ليست مجرد طباعة مجموعة، فقد تلقيت عروضا من أكثر من جهة، ولكنه كان الحرص الشخصي والشعري أيضا على تقديم نص مختلف بعيدا عن سطوة الكتابات الأولى والقراءات أيضا.
أما الإهمال فقد أجهز علي وعلي مجموعتي وكنت أؤجل سنة بعد سنة ولولا إلحاح الأصدقاء، وبشكل خاص الصديق فريد رمضان الروائي والسيناريست البحريني المعروف لما وجدت quot; ماء البارحة quot; طريقها إلى النشر، كما أشكر أسرة الغاوون لتبنيهمquot;ماء البارحة quot; أخص بالشكر الشاعر ة اللبنانية زينب عساف والشاعر السوري ماهر شرف الدين.
** في مجموعتك ماء البارحة ثمة حس رومانسي شفيف خدمته اللغة البسيطة كثيرا، إلي أي مدى يتوافق ذلك مع رؤيتك الشعرية؟
** أنا بسيط في الحياة وعلاقتي مع اللغة علاقة الناس بالصباحات في تلك القرى البعيدة، أكره الغموض المجاني وكذلك البساطة المجانية، أذهب إلى القصيدة عاريا دون عقد شعرية ونقدية وتقبل القصيدة وتأتي كما تريد ومتى تشاء، ربما إعجابي بتجربة جاك بريفير ترك أثرا ما من هذه الناحية على بناء القصيدة.
** أيضا النثرية لم تحل دون حضور موسيقي، لنتفق أنها مختلفة وغير مفتعلة، كيف ترى لعلاقة الموسيقي بقصيدة النثر؟
** لقد كبرت قصيدة النثر وتجاوزت تلك المفاهيم السطحية والبائسة التي روجها أعداؤها وأنصارها أيضا بطريقة أو بأخرى أنها تكتسح المشهد الشعري العالمي، بدون أدني شك ليس هناك شعر دون موسيقى وحتى نحن شعراء قصيدة النثر تنتابنا النشوة ونحن نستمع لقصائد التفعيلة في نماذجها الراقية أو حتى لقصيدة كلاسيكية جميلة.. لكن الموسيقى في قصيدة النثر تحضر بشكل مغاير من خلال الصورة الشعرية وعلاقة هذه الصورة بالمفردات..
الموسيقى هناك غير واضحة المعالم والإحداثيات كما في قصيدة التفعيلة أو القصيدة الكلاسيكية لأنها محفوفة بعناصر أخرى كثيرة، لا يمكن الفصل بين الموسيقى وعناصر القصيدة الأخرى أبدا.
** هناك تجليات للغربة في نصوصك، ما تأثير الغربة عليك ومفهومها لديك؟
** كما تعلم علاقة الشاعر بالمكان علاقة قوية، لذلك فإن الغربة والانتقال إلى مكان آخر وبعيد ومختلف يترك ندبة عميقة في روح الشاعر وفي جسد القصيدة، لكن الجميل في الغربة أنها تمنحك حرية الانطلاق والطيران بأجنحة الكلمات لإعادة اكتشاف العالم.
شخصيا استمتعت بغربتي لان المدينة الأولى التي وصلت إليها كانت امستردام، في بيروت حيث عشت لأكثر من سنتين لم أكن أشعر أنني غريب عن المدينة، لأن من يصل إلى بيروت، تترك هذه المدينة الفريدة من نوعها في العالم شعورا لديه أنه وصل إلى المدينة التي كان يبحث عنها.
امستردام مدينة حرة وكوسموبوليتية تجد فيها كل شيء من نجوم هوليود وحتى السكارى والحشاشين الذين يأتون من كل دول أوربا، طبعا يترافق ذلك مع حراك ثقافي وفني لا يهدأ
، هناك موسيقى في كل شارع من شوارع هذه المدينة، وشوارع المدينة وساحاتها معارض فنية دائمة للفنانين الهواة والمحترفين، أما محطات المترو فإنها أشبه بمسارح متجولة حيث عروض بهولوانية ومسرحيات مونودرامية قصيرة، كل هذا ترك أثره الواضح في قصيدتي، ولكن رغم كل هذا الترف الجمالي وهذه الغابات الشاسعة، فإن الروح يظل مشدودا إلى المدينة الأولى، لأن المدن كالنساء.
** ما تأثير ولادتك لعائلة كردية علي تجربتك؟
** في البداية كان هناك نوع من الشيزوفرانيا،كنت أفكر بالكردية وأكتب بالعربية عن عوالم كردية وتلك التفاصيل في ذلك الشمال الحنون، أتذكر كنت برفقة أبي في القامشلي ونحن نسير رأيت رجلا يسلم عليه الجميع، ويحرصون على مصافحته، سألت أبي عنه، فقال: إنه جكر خوين شاعر كردي كبير.
أن تولد في عائلة كردية وتكتب شعرا باللغة العربية، ممارسة حقيقية لتقبل الآخر المختلف والمتميز وهي دعوة للشعراء السوريين العرب لمتابعة الثقافة الكردية ودعمها لأنها تعاني من حصار رسمي وغير رسمي، وهنا لابد أن أشير إلى الشاعر السوري منذر مصري الذي يحرص وبدأب على متابعة تجارب الشعراء السوريين الذين ينحدرون من أصول كردية، ويقول ضاحكا: إنه نصف كردي.
** من بعيد كيف ترى لمشهد القصيدة العربية الآن؟
** القصيدة العربية في أوج تألقها، وفرضت حضورها على المشهد الشعري العالمي وخلال إقامتي في هولندا رأيت وقرأت ما يكتب عن الشعر العربي في الإعلام الهولندي والأوربي، شيء يبعث على الفخر، ثم إن مهرجان الشعر العالمي الذي يقام سنويا في روترادم يحرص على استضافة الشعراء العرب ومن مختلف الأعمار والأجيال الشعرية، ثم إن حركة ترجمة الشعر العربي إلى اللغات الأوربية ازدهرت بشكل ملفت، الشعر العربي أصبح مكونا أساسيا في المشهد الشعري العالمي.
** وماذا عن مشهد قصيدة النثر تحديدا؟
قصيدة النثر كما قلت تكتسح المشهد الشعري العالمي والعربي ومحليا في المشهد الشعري المصري والسوري واللبناني والمغربي والخليجي، إنها قصيدة العصر بامتياز، ألا ترى معي أن الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش استفاد كثيرا من منجزات قصيدة النثير في دواوينه الأخيرة، قصيدة النثر ليست quot; القصيدة الخرساءquot; بل إنها quot; قصيدة الحياة quot;.
** أخيرا هل من جديد لديك تعمل عليه؟
** مجموعتي الثانية quot; كيف تصبح كرديا في خمسة أيامquot; قيد الإنجاز.. نصوص عن الأكراد وألمهم وأملهم أيضا،كما أعمل بشغف على نص روائي quot; ثياب داخلية quot; عن القامشلي وعوالم المهمشين هناك.