عبد الجبار العتابي من بغداد:اصدر الشاعر العراقي ليث الصندوق مجموعة شعرية جديدة تحمل عنوان (اقمار معلقة بخيوط) عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد، تتضمن (47) قصيدة من الشعر الحديث، والعنوان مأخوذ من مقطع في قصيدة (طارق الابواب) يقول فيه:
الفتى ينتظر ان يعلق على صليب
ويرجمه الاباء
لانه دنا بمقصه
من اقمار بناتهم المعلقة بخيوط
لذلك يصرخ داخل فمه ببوق:
ايها الاباء الذين تأكلون بناتكم
اعيدوهن ال مكائن الحلج
ليولدن من جديد
هشات كأوراق المراحيض).
في القصائد يرصد الشاعر مشاهدات من عذابات وتجارب واحاسيس من الواقع العراقي الذي يعيشه المتخم بالاحداث، يحاول ان يغنيها بما يمتلك من شفافية ولغة شعرية واضحة، ولكنها تأتي حادة وذات صوت جهوري، ترسم لقطات للعديد من الاوجاع التي تجعل صرخاته تخرج غاضبة، ومشتعلة بنيران الاسى، ومهما حاول ان يهدأ ويبدأ في قراءة الصورة التي امامه بقدر عال من التأني والهدوء، ترى كلماته تنبض بالشجن وبالاحتجاج والنداءات المثقلة بالعناء وبالتوضيحات المغموسة بالرثاء والسخرية مما يحيط به، ففي قصيدته (ابواب) نقرأ:
(من زمن بعيد
انتم تخرجون وتدخلون من ابوابي
لم اطالبكم يوما بجوازات سفر
ولم انقع رؤوسكم بمحلول الشب
كنت اعذركم / فليست لكم ابواب
لو كنت قد اغلقت ابوابي بوجوهكم
لاتخذتم من المجمدة غرفة للنوم)
تراه يتشظى تحت ظلال الجمل المفيدة، ويتصاعد خطابه لكي يملأ اكبر عدد من المساحات، ناظرا في الاتجاهات كافة، يؤطرها بالفنتازيا وبالخيال الجامح الذي يدفع به الى ان يزرع السخرية هنا وهناك بقسوة ويركزها بوجع، وكأنه يريد ان لايترك القاريء يعبر منه دون ان تستوقفه افكار هائلة معبأة بالظنون والحقائق والتأويلات، يفاجيء القاريء بردة فعل قوية تصدمه في النهايات، وبالتأكيد هو يقصدها، فهو لا ينفك من التعبير عن شقاءات كثيرة كان يتلمسها بأحساسه وبيديه، وعن عناءات تتلون معها نظراته وهو يتطلع اليها بتأمل باذخ، كأنه يشرحها تفصيليا لتصل الى حد اكتشاف دموع او قطرات دماء او اورام في القلب، فمثلا يقول في قصيدة (باسمكم جميعا):
(لم يكن لحما ما قطعته بسكيني
بل كان وطنا
باسيجته المحاذية للنجوم
وشوارب اشقيائه
ومداخنه المعبأة بالاهات
وضعته على المنضدة
التي تطحنها بأهدابها عيون المدعوين
وقطعته بسكيني
موهما نفسي انه ذبيحة)
واللافت للنظر في المجموعة ان اغلب عناوين القصائد صادمة مثل: (احتفاء بحرب لم تندلع، ارهابي، الذين اكلوا السنتهم، الراية المثقوبة، اللائذون بالنار، الموت خوفا، الموت لايقلون البيض، تراتيل المذابح، اب على صليب ابنائه، تفكيك الدمية، تهديد بالقتل، طلاء ابيض لايام سود، عبوة ناسفة، في يوم شديد الموت، للسلام حمائم سود ومن اجل حروب دائمية)، وكلها تبحث في شؤون الانسان والوطن، وتستفز المشاعر وتقفز كلماتها الى العيون لتسكب النظرات بتأمل للصور التي تتشكل بهدوء قبل ان تصرخ معلنة حدوث امر ما، وربما تجعل العيون تنخر الغدد الدمعية، كما في قصيدة (عبوة ناسفة) وهذا المقطع:
(حمل الطفل العبوة الناسفة الى البيت
وهي تتوسل اليه طول الطريق
(الق بي الى الجموع
اني احب الصدمات واكره الاحضان
ارجوك
قبلاتك تصيبني بالعطاس
لست بطيخة ولا ضفدعا ايها الصغير)
وهو يقول لها:
هوني عليك ابتها الثمرة
سأضمن لك الملبس والمبيت
اهلي لايزجرون المشردين
ستتزوجين،
وتلدين توائم
عندما تضعين رأسك على الوسادة
تجدين تحتها الدم والفلوس).
ولا اخفي اعجابي بقصيدة (كراسي) التي اقتطف منها هذ المقطع:
(من اجل كراس اكثر راحة للارداف
تندلع الثورات والانقلابات
ويخرج من جحره الف قائد تاريخي
يلف ذيله في بكرة الخيوط
ليطمئن شعبه
بأنه لم يقرض اذانهم حين ينامون).
والشاعر ليث الصندوق من مواليد بغداد 1952، وسبق له ان اصدر عدة مجموعات هي: قصائد منقوعة بالدم ndash; دار الشؤون الثقافية العامة ndash; بغداد - 1982، ألإنسان الأخضر - 1992
، من أضرم النار في الشجرة ndash; دار الشؤون الثقافية العامة ndash; بغداد - 1997، صراخ في ليل العالم ndash; دار الشؤون الثقافية العامة ndash; بغداد - 2001، أحزان عازف القيثار ndash; دار العبّاد للطباعة والنشر ndash; بغداد ndash; 2007، عواء ذئب في غابة ndash; مكتب السعدون للطباعة والنشر ndash; بغداد 2007، والانسان الاخضر عام 2008.