ترجمة: سعدي المالح
كريم دَشْتي، شاعر كردي من جيل الثمانينيات، ولد في عام 1955 بأربيل وتخرج في كلية القانون بجامعة بغداد في أواخر السبعينيات. اغترف من منابع الأدبين العربي والفارسي، وعبرهما انتهل من الآداب العالمية التجارب الشعرية والأدبية المختلفة. وترجم عن الفارسية إلى الكردية quot;الإغواء الأخير للمسيحquot; لكازانزاكي وquot;الجذورquot; لهيلي وquot;الرحلة إلى الشرقquot; لهيسة وغيرها من الروايات. له أربع مجموعات شعرية بالكردية: الأرض والصقرquot; وquot; الضباب الأبيض للروحquot; وquot; كتاب الماء .. كتاب النايquot; وأخيراquot; الكتاب المقدس للعشاقquot; الذي نترجم منه هذه القصائد.

حقيبة
1
أحلم دائما بحقيبةِ سفرٍ
وبسفرٍ بعيدٍ ... بعيد جداً
2
أريد أن أرى البحرَ
أن اذهبَ إلى تبت وأزور دلايلاما
أن أسافر إلى وسط كشمير وأستلقي على ظهري
أن أرى ملامح دانتي في متحف ميلانو
يقال إنه ما يزال ينتظر عودة بياتريس
3
البندقية تعجّ بالتجار
لكني أعرف فقط تاجرا واحدا
التاجر الذي وضعه شكسبير إلى الأبد
في حقيبة الفكر
4
الحقيبة التي أريد مليئة بالكتب
عندما أفتح هذه الكتب
يغدو قعر تلك الحقيبة بحراً
لن ينتهي أبداً
5
الحقيبة الأولى التي رأيت
كانت حقيبةً عثمانيةً
في يد رجلٍ طويلِ القامة
كان يجوب الأزقة
يختن أولاد مدينتي
والآن كلما رأيت حقيبةً
أشمّ رائحة السبرتو
6
أتذكر عندما التحقت بالمدرسة للمرة الأولى
صنعت لي أمي حقيبة من الخِرَقِ
عندما كنت أعلقها من رقبتي تشبه حبل مشنقة
من ذلك اليوم وحتى الآن
كلما رأيت فيلما
تنصب فيه مشنقة
أتذكر حقيبة الخرق تلك
7
مرات كثيرة أتمدد تحت سماء مليئة بالنجوم
أفكر بأن أمتلك حقيبةً كبيرة
بحجم الأمل والتمني والرجاء
أضع فيها الأسلحة والحروب والمظالم كلها
وأرميها في البحر مثل شبكة
8
رأيت بائع عطور يبيع بضاعته في المدينة
ذات يوم مر بعتبة بيت
حينما فتح حقيبته
فاحت منها رائحة زكية
كان فيها قنينة عطر تضوع رائحتها في الأرجاء
واليوم عندما أزور تلك العتبة
أشم رائحة ذلك العطر
9
الحقيبة الأولى التي حملت
كانت تلك التي سافرت بها بالقطار إلى بغداد
أول كتاب وضعت في حقيبة
كان كتاب quot;إسماعيل نامةquot;
10
في وسط قيصرية أربيل
رأيت شخصين يتقاتلان
يضربان بعضهما البعض بحقيبة
11
الحرب الأولى كانت على حقيبة السلطة
الحرب الثانية كانت على حقيبة المال
الحرب الثالثة كانت على حساب
حقيبة أولاد المدرسة
12
كان المعلم يقول دائما
إذا وجدتم شيئا ليس لكم أعطوه لصاحبه
لكني عثرت على حقيبة فيها ربع دينار
اشتريت به ثلاث لُعَبٍ وقلما وصمّونا عسكريا
13
كان حمه المعتوه رجلاً نورانياً ابيض الشعر
عندما يصل متجر الحديد والفافون في المدينة
يقف ويمعن النظر
لكن عندما يبلغ متجر بائع الحقائب
يلتفت إلى الوراء ويدمدم مع نفسه

مثل مياه رقراقة صافية
1
قلب العشاق شفاف مثل الزجاج
عندما ينكسر لا يلتحم من جديد
2
لكي أتحرر
يجب أن أرمي بهذا القلب
لكنك أنت في قلبي!
3
أنا وأنت نشبه كثيرا ندفة الثلج
عندما نهطل نكون في حلة بيضاء
وعندما نذوب نتحول إلى ماء
وعندما نصير ماء
ننتظر أن تلفحنا أشعة الشمس
لنرجع إلى قلب السماء المتوق
4
أنت واضحة كالشمس
ما أن اقترب منك احترق
وما أن ابتعد اختنق
وبين الاحتراق والاختناق
قولي لي ماذا أفعل؟
5
أنت شمس ساطعة الضوء
وأنا عين ضعيفة
6
نذهب أنا وأنت إلى مزرعة الأوراق
وعندما نسقط
ندخل رويدا رويدا في الأرض
حتى نصل القمر الفضي
وعندما يلفنا التراب والغبار
ننتظر الرياح أن تأخذنا إلى السماء
7
تعالي نذهب إلى حيث نشاء
عندما نكون معا
يصبح الكون فسيحا
عندما نفترق
يصبح بحجم جوزة
8
حينما تشتعلينَ في أوردة دمي
مثل نارٍ متوهجة
أذوبُ مثل نُدفة ثلجٍ
وعندما تنطفئينَ
أشتعلُ مثل النار
9
كثيرا ما أرى صراخي
كيف يرجع إلى صدري
تقطر منه أحجارك الثمينة
تذهب إلى تلك الطرق
التي تخفينا
10
أنت تغمزين بعين واحدة
تتغير صورتك مائة مرة
أنت واحدة بألف صورة
ذات يوم أصابُ بالجنون
بين كلِّ هذه الصور
11
أنا وأنت رفيقان مختلفان
عندما تكونين في علو السماء
أكون في عمق الأرض
عندما تتبوئين مكاناً عالياً
أبدا بالنزول
أنا وأنت رفيقان من المحال أن يلتقيا
12
الفرقُ بيني وبينُكِ
مثل الفرقِ بين النهر والبحر
أنتِ تكبُرين بي
وأنا أضيعُ فيك
13
أنا وأنت مثل الملاك والشيطان
من دون أحدنا الآخر لا نعيش
14
جسدك مثل ضباب خفيف
من بعيد جدا
أرى قلبك من بين أضلعك وشرايينك
إن قلبَك مثلَ روحي
مثخن من ألف مكان
15
اخترق صدى حبنا
الأزقة والبيوت
ونحن لم نلتقِ بعدُ
16
أنا وأنت مسكتا خنجرين
سُحِبا على شخص واحد
أنا وأنت قطرتا دم مسكوبتان
أصبحتا قطرة واحدة
17
أنت صديقة الأيام الصعبة
ولكي أسوح بك على أجنحتي
أحتاج إلى عمر طويل
أطول من مائة سنة
18
الذي يعرفنا أنا وأنت
يعرف معنى النار
والذي يفهم معنى النار
يعرفنا أنا وأنت
19
أنا وأنت مثل الحلم
في الليالي يختلط بعضه بالبعض
20
أيها الله لماذا قلبي رقيق هكذا
كأنه قطرة ندى متجمدة
وأنتِ أحيانا مثل البرق
تضيئين في وسط كياني
فأذوب قليلا قليلاً
21
أنا وأنت غيمة صيف بيضاء
نحترق متحسرين للمطر
22
أنا وأنت أفقان متوازيان
من الصعب مرة أخرى
أن يحتضن بعضنا الآخر.
23
إذا أفِلتٍ مرة عني
أبدأ في الإصباح
بالشروق لك
من المرابع البعيدة
24
قصة حبي وحبك
تشبه المحال
كلما أشعلك تنطفئين
كلما أبتعد عنك تشتعلين
25
أنت تنئين عني
حتى يكاد شبحك لا يرى
وأنا أقترب منك
حتى يكاد شبحي لا يرى
26
رأيتك في حلم طفولي
كأنني أراه الآن
لكن عندما أراك الآن
يسقط فكري مثل ورقة
كأنه تبن في مهب ريح قوية
27
خبأتُ سرَّكِ في قلبي
حتى لا يُفضح
كنت أعتقد أنه يحجب عنك الضوء
أو يغوّش شفافيتك
أو يخبط المياه الصافية في نهرك
أو يكسر جوهرة روحك
28
أنا وأنت منذ أن خُلقنا
نقرأ كتابا
صفحته الأولى حب وأشواق
صفحته الأخيرة جرح واحتراق
29
محتميا بقمر محطم الآن
أحسست مثل ريشة جناح الطاووس
تساقطت حديثا
أو مثل قطرة دم
هربت من جبين غزالة
إنني أتدحرج من علو شاهق
باتجاه السفوح
30
أنت قضية معقدة
أمسكك تستسلمين
أطلق سراحك تلتصقين بروحي
31
أنت صامتة إلى درجة
أحس فيها أن العالم كله
ساكن وميت
32
رأيتك كنت عشبة خضراء
تميلين مع الريح
والآن فوق القبور
ترقصين الرقصة الأبدية
33
كلانا أسير فخ واحدة
أنا فخك
وأنت فخي
34
لقد شربنا جرعة ماء واحدة
لكننا ذرفنا بحرا من الدموع
35
حبي وحبك مثل الريحان
كلما جف أكثر
ضوّع رائحة أزكى
36
مهما تكوني بعيدة
يا قطرة المطر
ما أن استيقظ فجرا
تسقطين من السماء
وتحطين في الذاكر
37
عاجلا أم آجلا سأنتهي
لهذا من دون قيد أرفع صوتي
أخط على الورق
ما يأتي على لساني
فقط كلمة واحدة أحتفظ بها لنفسي
أبوح بها مع حشرجة الروح
ذكريات صغيرة
تحت زرقة السماء
وأحيانا على جناح غيمة بيضاء
تجول في الكوخ وتحت سقف بيتنا
تجد مكانا لها على دفاتر الأطفال والرحلات المكسورة
تجلس على تخوت البيت
على المخدات والدكّات
تدخل حقائبنا
تشرب الحليب معنا
تزور الصف البارد للمدرسة
وفي الليالي
تعد النجوم معنا