اصبوحة اولى بين احضان دجلة
احمد عبد الحسين
عبد الجبار العتابي من بغداد:
على سفح نهر دجلة، بالقرب من تمثال ابي الطيب المتنبي في منطقة القشلة، ألتقى حشد من الشعراء لاحياء اول اصبوحة النادي الشعر العراقي الذي تم تأسيسه مؤخرا، كان الماء يمد موجه لمصافحة وجوه الحاضرين وسماع كلماتهم المنضبطة الايقاعات والجميلة المظهر، وحين حانت الساعة العاشرة من صباح الجمعة كان المكان عامرا، ومعها بدأت تفاصيل الاصبوحة التي حملت عنوان (اجيال متجاورة) والمؤشر فيها قراءات للشعراء: ياسين طه حافظ وعبد الزهرة زكي وفارس حرام واحمد عبد السادة، مع دراما شعرية يؤديها الفنان حكيم جاسم مع عزف على العود للفنان صلاح خليل مدير فرقة طواسين الموسيقية.
قدم الاصبوحة الشاعر سهيل نجم الذي تحدث قائلا: هذه اول جلسة لبيت الشعر العراقي والتي اتمنى ان تكون الف جلسة وجلسة بحضور ملكين من اجمل الملوك، الاول نهر دجلة الذي نحن الان في احضانه، والثاني ملك الشعر، حيث سنستمع الى اجيال متعددة اختررناها لانها تمثل نماذج متقدمة من الشعر العراقي، وبحضوركم ومساندتكم سنستمر في اعطاء صورة جميلة عن الشعر العراقي بكل اطيافه ونماذجه المميزة.

احمد عبد السادة
ثم راح الفنان صلاح خليل يداعب اوتار العود بتقديم لمقطوعات موسيقية جميلة قبل ان تستقبل المنصة الشاعر ماجد موجد ليقرأ مجموعة قصائد للشاعر طه ياسين حافظ الذي منعته اسباب عائلية عن الحضور، منها هذه القصيدة التي تحمل عنوان: (لا انا في مكاني ولا افكاري في مكانها):
(انت جالسة في الركن الاسمنتي الابيض
شبيهة بتلك التي كانت تنتظر عند الصفصافة الشاحبة
هي ايضا تنظر في صفحة الماء الراكد
مثلما انت تنظرين الان، القرويون
يمرون بها مثلما يمرون باي شجرة او برقعة حلفاء
وهي جالسة تنتظر عند الصفصافة الشاحبة
انت مثلها يا حبيبتي جالسة وحدك
في الركن الاسمنتي الابيض وليس حولك غير الضجيج)
ثم جاء دور الشاعر عبد الزهرة زكي ليقرأ مقاطع من قصيدته (طغراء النور والماء) مشيرا الى ان المكان يغري بقراءة مثل هذه القصيدة عن بغداد في ذلك النهار العباسي والتي منها هذا المقطع:
(على فصِّ خاتمِهِ الأزرق
وضَعَ طغراءَ النورِ والماء.
طغراء تشّف عن أمواجٍ
تبرقُ من قصيدةٍ
عن الطبيعةِ والجمالِ والحكمة لم يتممْها.
وعن قلبِ فَراشةٍ طائرةٍ
من جملةٍ موسيقية
عبد الزهرة زكي
تتموجُ على وجهِ البرق. هناك،
في القاع،
أسفل الطغراءِ التي وَضَعَها
على فصِّ خاتمِهِ الأزرق،
حيثُ يختلطُ النورُ بالماء)
ثم قرأ الشاعر فارس حرّام بأداء جميل ومؤثر قصيدته الطويلة (الحائر بوعائه) التي تضمنت احد عشر مقطعا منها:
(هذه المرَّةَ: لم يَفِضْ دجلةُ،
وإنَّما امتلأ الوحيدون منا بأرواحهم وغرقوا،
وهذه المرَّةَ:لم يكن شيءٌ خلف الجالسين منا في الصورة
فارس حرام
إلاَّ آثار أقدامهم في الوقوف الذي خَلفهم،
بحيث إننا ضحكنا،
وبحيث إننا نصنع الضحك من تقابلنا زوجين زوجين في الضحكة.
وبحيث إننا ننتقل من الماضي إلى حشراته على النوافذ؛
وإيانا نَخْلُقُ، وإيانا نَنْسَى؛
حتى إنك ترقد فتسمع النهار يحفر ثغرةً في الليل ليهرب؛
وتسمع نفْسَكَ تُحبُّ الجماد.
أما أكتافُ العامَّةِ، وآذانُهُم، وأعينُهُم:
فلا تعلم أيُّها المستدير..
فهُم معشرٌ تصدمهم من السأم جوارحُهُم،
وقد أوشكوا أن يَحمِلوا نعوشَ موتاهم بكتم القهقهة،
لا بالأيدي).
واختتم الشاعر احمد عبد السادة القراءات الشعرية بقراءة قصيدته التي تحمل عنوان (اغنية الحلاج الاخيرة)، التي كان هذا مفتتحها:

(أدخلُ في اللغةِ الأخيرةِ للمدينة..
أيْ أدخلُ في نهار ٍ يقشـّرُ ضوءَهُ للجفاف
ويدّخرُ هواءَهُ لسوادٍ طائش.
أدخلُ في اللغةِ الأخيرةِ للمدينة..
أيْ أدخلُ في ليل ٍ ينفرط ُ نبضُهُ...
في صمتٍ خائف...
في شوارعَ صدّعتها آياتُ السراب
وفي ضفافٍ سرقتْ مفاتيحَها...
موجة ٌعمياء.
هذه هي المدينة ُ...
صوتٌ تعرّى من نبرةِ المطر
وارتكب دماً أمـّاراً بالكهوف.
هذه هي المدينة ُ...
خضرة ٌ يخنقها رمــلٌ مسعـور،
ومسلاتٌ تطلّ على هشيمها القادم،
ونهرٌ يدقّ مرارته في الهواء،
وذاكرة ٌ تختبىءُ في قمر ٍ من آهاتٍ وتحلمُ.
كلّ النبضِ إذن لقصيدةٍ ستعتلي جسدَ هذا الخراب
وتغرسُ شهوتها في طقسه الشائخ.
كلّ النبض لحبرٍ يهبُّ باسم البحر.
ليعيدَ للغيوم القاحلةِ خصوبتها).
بعد ذلك جاء دور الفنان حكيم جاسم ليقرأ بعض القصائد المختارة لعدد من الشعراء بشكل درامي نال استحسان الحاضرين، واختتمت الاصبوحة الشعرية على امل ان تتجدد اللقاءات اسبوعيا في المكان ذاته.
وقال الشاعر احمد عبد الحسين مدير بيت الشعر العراقي في حديث خاص لـ (ايلاف): هذه الاصبوحة هي باكورة اصبوحات بيت الشعر الذي اسس مؤخرا وجرى له مؤتمر تأسيس واجريت انتخابات، هذه الاصبوحة تتناغم مع الاهداف التي وضعت للبيت والتي تتلخص في ابتكار اساليب جديدة لايصال الشعر الى القاريء، لانه كما تعرف اصبحت الاحة الشعرية نهبا للشعر الشعبي وللقصائد العمودية (العصماء)، فحاولنا من خلال الاصبوحة هذه والاصابيح المقبلة ان نجعل الشعر مختلطا بالماء والهواء الطلق، واضاف: هذه الاصبوحة اشبه بالاحتفاء والاعلان عن البيت، ولكن في الاصابيح المقبلة سوف يكون هناك مجموعة من المشاغل التي تناقش بعمق المشهد الشعري العراقي الحالي خصوصا بعد احداث عام 2003،فمن ضمن اهداف بيت الشعر ان تكون للقصيدة الحديثة حصرا لان هناك المنبر لشعراء الشعر الشعبي والعمودي.