عباس بوسكاني من سدني: عرضت أخيراً في سدني مسرحية (الرداء) من تأليف و إخراج عباس الحربي وتمثيل كل من منير العبيدي و رغد آغا و خلود النمر. استخدم الحربي ديكورا بسيطاً جداً لمسرحه: سرير و كرسي و سيفان و كأس ملكي للخمر، بالأضافة الى شاشة كبيرة في الخلفية ليختم بها رسالة المسرحية التراجيدية مع إنارة متواضعة. تبدأ المسرحية باكتشاف عبد خادم لخيانة زوجة الخليفة مع شاعر، فيبدأ جدل المسرحية من منطق الضجر لدى العبد المخصيّ (منير العبيدي) مناصراً سيده الغائب : quot;الحقيقة هنا على سرير سيدي الخليفةquot;، ليتحول المشهد بعد ذلك الى مواجهة جدية مع الأميرة (رغد آغا) التي تواجه قدرها باحتمال القضاء على العبد جسدياً خوفاً من الفضيحة. ثم تدعو العبد للنزال بالسيوف فلا يفعل العبد قائلاً : quot;قتال قتال قتال ما هكذا تُسوى الأمورquot;. يلجأ المخرج لأسلوب مبادلة السيوف كأسلوب حواري مصادم يعبر عن غضب الأميرة وانسحاب العبد من المواجهة، ثم المواجهة الفكرية العميقة للعبد quot;والله لأحرمنك ميتة تتمنينهاquot;.
quot;كل أيام العبد مشابهquot; بهذه الحقيقة المأساوية يقرر العبد أن يلعب على تغيير قدره، ويهدد الأميرة بالفضيحة إذا لم تخضع هي لنزع الرداء الذي يرمز للسلطة. وما أن تخضع الأميرة لهذا الطلب حتى تكتشف أن عليها أن تقوم بجملة تنازلات أخرى تنتهي بطلب لتعريتها : quot;إخلعيquot; فتفعل غير آبهة بعبدِ مخصيّ، فتنتهي اللعبة التراجيدية باغتصاب الأميرة. حقيقة الأغتصاب هذه تناقض حقيقة عجز العبد الجنسي أمام زوجته (خلود النمر) في بداية المسرحية لكونه مخصيّاً. أما هنا وقد أصر الحربي على ارجاع هذه القوة اللاواقعية للعبد فأنه يقر بفلسفة السلطة التي تكمل الأحلام بالمعجزات. وقد أدخل الحربي أغنية عراقية يغنيها العبد مع اللطم الشيعي وكأنه يخاطب تاريخ اللاعدالة المذهبية في العراق وينتقم باغتصاب زوجة الخليفة المشغول بالفتوحات.
عملية ترك الأميرة لردائها كلفتها السلطة وشرفها (حسب المسرحية) وحقيقة الحصول على رداء الأميرة من قبل العبد أعطاه السلطة والمجد ولو لحين. ولكن الجدير بالملاحظة هنا أن المنظومة اللغوية للطرفين قد تحولت مع عملية تبادل الرداء فصار العبد يخاطب الأميرة الخاسرة بصفة المذكر كماضيه المذكّر، وهنا تظهر عملية مسخ جوهرية لأنوثة الأميرة بفقدانها الرداء. ثم ان العبد خوطب لأول وهلة ب quot;مولايquot; فاعترض وأمر بتصحيح العبارة الى quot;لا تقل مولاي، قل مولاتيquot;. يطالب العبد بأنوثة الأميرة وهو المُغتِصب المخصيّ، وقد تُلاحظ ميول مثلية لدى العبد لا لتركة دائرة المواجهة في البداية فقط وانما الأصرار على مخاطبته كأنثى ويبت quot;مع اني لست من الفاتحينquot;.
تنتهي المسرحية بآذان تصمت كل الأصوات لها وبقصة المصير الحتمي للديكة التي يتوجب عليها السكون على سكين، quot;ماذا قال الديك؟ ماذا قال الديك؟ قال: الدنيا بخيرquot; ويُطعَن العبد قائلاً وهو يموت : quot;ليست هناك عبودية ولكن هناك رجالٌ عبيدquot;. ثم يستمر سحب سرير الأميرة من خلال عبد آخر لتستمر الحالة السائدة لتحكم الأميرة واقفة على مخدعها مُدانةَ من منطق المسرحية العام لاقترافها الخيانة الزوجية وهذا كان منطق العبد في البداية. تترافق عملية سحب السرير بلقطات حروب ودمار للعالم (جمع اللقطات المصور صباح فنجان: صواريخ و جثث ثم وجوه تعسة خائفة) ، والأميرة واقفة على سريرها كأي قائدة منتصرة، وكأن المسرحية حَمَلَت الأميرة (الخائنة!) مسؤولية ما يؤول عليه العالم من دمار!
منير العبيدي أوصل كراهية المظلوم تمثيلا ولو لوحظ هذا المظلوم انه فحل أكثر منه مخصياً ولكن مستويات الالقاء لديه أوصلت لغة المسرحية بروعة والتي لم تخلُ من أخطاء لغوية. أوصلت رغد آغا انوثة الأميرة العاشقة ولكن إلقاءها وتلفظها لبعض الكلمات كانت رديئة، مع هذا فبذور ممثلة واعدة موجودة للمستقبل. أما خلود النمر فقد أوصلت الشخصية الحجرية للعبدة أيضاً مع مشاكل في التلفظ.
تجربة فلسفية وجمالية ولكن خطرة أن يجازف عباس الحربي باللعب من وراء ظهر التاريخ ويجعل من الأميرة عبداً مذكراً و يبدل العبد المخصيّ أميرةً مؤنثة، وأن يغتصب الأميرة زوجة السلطان (المشغول بالفتوحات) بمخصيّ يلطم بعد أن لوثها بشاعر. وكأن جرثومة طائفية تدور في فضاء المسرحية الجميل الذي امتاز باللغة الشعرية العالية. مع ان الحربي قد عالج موضوعة عنجهية العبد المظلوم بحياد، ولكنه عالج موضوعة الخيانة الزوجية مع شاعر من منطلق ذكوري بحت فعوقبت الأميرة بالاغتصاب، وجعلها تنتصر بجريمة قتل، وأمد لها الأستمرارية وهي واقفة على سرير خطاياها مترافقة مع أوجاع العالم، وكأن دمار الكون قد بدأ بخطيئتها الأولى. قدم الحربي مسرحية مثيرة للجدل جمالياً وفكرياً، استطاع إثارة الكثير من عُقَد العبودية والرجولة والأنوثة مع عقدة أخرى أقولها معتذراً وهي quot;الطائفيةquot;.